رئيس التحرير
خالد مهران

تأزم ملف سد النهضة ودعم قوى إقليمية ودولية لـ«حميدتي»..

أسرار تحركات مصر لإطفاء نيران الحرب الأهلية في السودان

أسرار تحركات مصر
أسرار تحركات مصر لإطفاء نيران الحرب الأهلية في السودان

تعيش السودان أيامًا حالكة، بعدما دخلت في موجة جديدة من الاضطرابات والاشتباكات بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التابعة الفريق الأول محمد حمدان دقلو المُلقب بـ«حميدتي».

ولا يخفى على أحد أهمية وخطورة حدوث اضطرابات في السودان الشقيقة والتي تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الأمن القومي المصري.

ويرى الخبراء والمراقبون، أن الارتباك السياسي والعسكري الذي تعاني منه السودان حاليًا سيؤثر على عدد من الملفات الإقليمية على رأسها أزمة سد النهضة، خاصة وأن الجانب الإثيوبي ينوي إجراء الملء الرابع الصيف المقبل.

عبد الفتاح البرهان

محاولة توريط مصر

فيما يرى آخرون أن البعض يستغل الأوضاع في السودان وإعلان قوات الدعم السريع احتجاز عدد من الجنود المصريين أثناء وجودهم في تدريب مشترك داخل قاعدة مروي العسكرية، لتوريط مصر في التدخل عسكريًا لاستعادة أبناء القوات المسلحة المصرية وتقديم الدعم اللوجستي للجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان لاستعادة هيبته وسيطرته على الأراضي لتحقيق مصالح مصر الاستراتيجية في السودان.

ويبدو أن القيادة السياسية أدركت الفخ سريعًا، وهو ما يظهر جاليًا في الرسائل التي حرص على توجيهها الرئيس السيسي خلال اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي انعقد الاثنين الماضي.

رسائل الرئيس

وجاءت أولى رسائل الرئيس، من خلال تأكيده على عدم دعم طرف على حساب آخر في السودان، مشيرًا إلى أن مصر تسعى للحفاظ على عدم تصعيد الموقف هناك.

وأوضح الرئيس أن القوات المصرية كانت تتواجد في السودان ضمن تدريبات مشتركة مع القوات السودانية، وليس لتقديم دعم لأي طرف على حساب آخر.

وتابع الرئيس السيسي أن أزمة السودان ليست عابرة والتسوية ستنجح في هذه الحالة، مستطردا: «نؤكد ضرورة أمن وسلامة قواتنا في السودان».

وأشار إلى أن مصر تجري اتصالات مع الأطراف في السودان لوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات، لافتًا إلى أنه تم إجراء اتصالات بالأمم المتحدة لبحث استعادة الهدوء في السودان، والتأكيد على أمن وسلامة القوات المصرية الموجودة في السودان.

اجتماع الرئيس بقادة القوات المسلحة

أستاذ علاقات دولية: قوى إقليمية معروفة تريد إدخال مصر طرفًا فى الصراع السودانى

ثوابت الدبلوماسية المصرية

ومن جانبه يرى الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات السياسية والدولية، والمستشار السابق بجامعة الدول العربية، أن جوهر رسائل الرئيس السيسي خلال اجتماعه بالقوات المسلحة، التمسك بثوابت الدبلوماسية المصرية في التعامل مع الأزمات والصراعات الدولية والإقليمية وهي عدم التدخل في أي شئون داخلية. 

وأضاف، أن من أهم الثوابت حرص مصر على استقرار الدول العربية الشقيقة مما يؤثر بشكل كبير على الأمن القومي نفسه.

وأوضح أن تصريحات الرئيس جاءت لتنهي الجدل وتغلق باب الشائعات ومحاولات توريط مصر في التدخل في الشؤون الداخلية للسودان، مشيرًا إلى أن هناك قوى إقليمية وخارجية معروفة بعينها تريد أن تجعل الدولة المصرية طرفًا في هذا الصراع السوداني.

وتابع: «مصر تنأى بنفسها بعيدا عن التدخلات في الشؤون الداخلية للدولة السودانية، ومصر من أوائل الدول التي تحافظ على وحدة واستقرار الدولة السودانية، وبالتالي هذه الأقاويل ليس لها أي أساس من الصحة».

الدكتور حامد فارس

أستاذ قانون دولى يكشف تحركات مصر لاستلام الجنود المحتجزين بقاعدة مروى العسكرية

دول الجوار والحدود المشتركة

فيما ترى نجلاء مرعي أستاذ مساعد بكلية العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن مصر لن تتدخل عسكريًا في السودان، لا سيما بعد إعلان الرئيس السيسي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للخرطوم.

وأضافت «مرعي» أن مصر لا تتدخل عسكريًا في أي أزمات للدول الجوار إلا إذا كان هناك تهديد للأمن المصري على الحدود المشتركة.

وأضافت: «لا يجب أن ننسى أن مصر أعلنت عن المبادرة المصرية، ولا تزال المباحثات السرية جارية بشأنها مع الأطراف والأحزاب السودانية».

نجلاء مرعي أستاذ مساعد بكلية العلوم السياسية بجامعة القاهرة

موقف الجنود المحتجزين

ويقول الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي العام، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن مصر لن تتخذ أي قرار يتعلق بالجنود المحتجزين في السودان سوى بالتأني والدراسة حتى لا تتورط فى أزمات ليس من شأنها الدخول فيها عسكريًا.

ميليشيات روسية تدعم «حميدتى» من أجل «لهف» مناجم الذهب السودانية

وأوضح أن وجود قوات مصرية تابعة للجيش في السودان أمر طبيعي وقانوني وفقًا للاتفاقيات العسكرية بين البلدين كاتفاق المركز القانوني للقوات المصرية في السودان.

وأكد «سلامة» أن الجنود المصريين لم يقوموا بالاستسلام في قاعدة مروي العسكرية لأنهم ليسوا طرف في النزاع العسكري هناك.

الدكتور أيمن سلامة

10

آلاف مواطن إجمالي عدد الجالية المصرية المقيمة في السودان من بينهم 5 آلاف طالب وفقًا لتصريحات السفير عمرو عباس مساعد وزيرة الهجرة

وأوضح عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن القيادة السياسية لن تسمح باستمرار احتجاز الجنود في السودان، لافتًا إلى أن أي قرار مصري في الوقت الحالي، سواء كان سياسيًا أم عسكريًا حيال المشهد السوداني أو الجنود المحتجزين، لن يكون قرارًا متسرعًا.

وبحسب تصريحات السفير عمرو عباس، مساعد وزيرة الهجرة لشؤون المصريين بالخارج، يتواجد في السودان 10 آلاف مصري بينهم 5 آلاف طالب.

تغريدة عمرو موسى تكشف حقيقة اصطفاف قوى إقليمية وراء نشوب صراع «حميدتى» و«البرهان»

أطراف إقليمية داعمة

وألمح عدد من الخبراء والمراقبين للشأن السوداني، إلى وجود أطراف إقليمية ودولية تدعم «انقلاب حميدتي»، خاصة أن «حميدتي» يرتبط بعلاقات قوية وتحالف عسكري مع روسيا متمثل في ميليشيات فاغنر لا سيما وجود مصالح مشتركة تتعلق بمناجم الذهب، بالإضافة إلى ما تربطه بعلاقات قوية مع دولة الإمارات.

وعزز من سيناريو اصطفاف قوى إقليمية وراء «انقلاب حميدتي»، ما قاله عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والرئيس الشرفي لحزب المؤتمر، إن بعض المصالح العربية قد تتعارض مع مصالح مصر الأكثر عمقًا في السودان.

حميدتي

وأضاف «موسى»: «هنا يُتوقع من مصر وقفة صريحة وجريئة إذ إن مصالحنا الحيوية في تلك المنطقة بأسرها أصبحت مهددة وعلى المحك. احتمال استغلال إثيوبيا للوضع يفاقم مشكلة السد بالنسبة لنا».

وتابع: «اعتبر تكامل مصر والسودان تفرضه الطبيعة وتخلق معه مصالح مشتركة وإن أفسدته سياسات خاطئة منذ خمسينات القرن الماضي وكذا مخططات أجنبية رأت في أي تقارب قوي البناء بينهما تهديد لمصالحها في القارة الإفريقية وجنوب العالم العربي، ‏هكذا  فشل التكامل».

وقال عمرو موسى، إن دور مصر في تجنيب السودان نتائج الأحداث الجارية، يجب أن يكون أساسيًا وصريحًا، موضحًا أن «الصراحة مهمة مع إخواننا ومع غيرهم ممن نشطوا في موضوع السودان دائما أو بالذات مؤخرا» -حسب تعبيره-.

واختتم حديثه، قائلًا: «أتوقع سياسة ديناميكية من جانبنا وجولات نشطة للدبلوماسية المصرية على مختلف مستوياتها، علنية وسرّية في المجالين العربي والإفريقي  تحجز موقعًا رئيسيًا لمصر في مسار الأمور وتقضي على محاولات الاستبعاد من الاتصالات الجارية حاليًا».

عمرو موسى

حرب بالوكالة

وفي نفس السياق، عبر عمار حمودة، القيادي بقوى الحرية والتغيير السودانية، عن مخاوفه من تحول السودان إلى مسرح حرب بالوكالة.

وأضاف «عمار»، أن الحرب والبنادق لم تكن أبدًا نزهة وليست حلًا لمشاكل السودان سواء في السابق أو حاليًا.

وحذر القيادي بـ«الحرية والتغيير»، من تصاعد نفوذ الأطراف الخارجية التي تسعى لتحقيق أهدافها داخل الأراضي السودانية.

أطماع المتصارعين

والتقط أطراف الحديث، السفير جمال بيومى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، قائلًا إن الأزمة في السودان تقودها أطماع المتصارعين إلى جانب الدور الذي تلعبه بعض القوى الخارجية لتأجيج الصراع داخل السودان؛ لتحقيق مصالح خاصة.

وأضاف أن الأمور في السودان معقدة للغاية لتضارب وتعارض مصالح الأطراف المتشابكة، وهو ما لعب دورًا هامًا في تأجيج الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. 

وأكد «بيومي» أن الدور المصري بالغ الأهمية في هذه المرحلة، بما يربط مصر بالسودان من علاقات أزلية، موضحًا أهمية وقف الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد.

السفير جمال بيومى

سيناريو الحسم

وفي السياق ذاته، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الأحداث والاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات التدخل السريع ستؤدي إلى تأخير عملية الانتقال السياسية وستزيد من تدخل أطراف إقليمية ودولية.

وأضاف «فهمي» أن الأزمة السودانية يصعب توقع سيناريوهات لها، خاصة وأن القوات المسلحة السودانية تجيد خوض الحروب النظامية ولكنها لا تستطيع خوض صراعات وحروب المدن، متابعًا: «سيناريو الحسم في الأزمة السودانية غير واضح المعالم ويحتاج إلى بعض الوقت حتى تتضح الصورة وهو ما يعنى استمرار المواجهات بين قوات الجيش السودانى وقوات الانتشار السريع».

وأوضح أن حالة التجاذب في السودان قائمة وممتدة بين الطرفين، مشيرًا إلى أن الخيارات العسكرية تستبق الخيارات الدبلوماسية في الوقت الحالي.

خبير موارد مائية: إثيوبيا لديها فرصة ذهبية الآن.. وبالتأكيد لا تريد إنهاء الصراع فى الخرطوم

وقال الدكتور طارق فهمي، إن كل المبادرات التي طرحت الساعات الأخيرة لا تجد رد فعل من الطرفين في السودان، لافتًا إلى أن القوى الكبرى لا تزال تتحسس مواقفها، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ما يعني أن ربما تكون هناك أطراف رابحة من هذا المشهد.

وأضاف أنه من الواضح أن القوى العسكرية هي التي ستحكم، وأن ما نراه الآن يحتم شروط التفاوض التي سيتم التوصل إليها لاحقا، موضحًا أنه إذا توقف إطلاق النار مؤقتًا فإن ذلك يعني أنه لم يتم تحقيق أي شيء فعلي.

الدكتور طارق فهمي

تأزم ملف السد

وبلا أدنى شك تساهم الاضطرابات السودانية في تأزم أزمة سد النهضة لا سيما مع اقتراب بدء الملء الرابع للسد.

ويرى خبراء العلوم السياسية، والمراقبين للشأن الإفريقي، إن الصراع بين الجيش السوداني، وقوات التدخل السريع، سيضعف من موقف الحكومة السودانية ويذبذبها بشأن ملف المياه، ما يزيد من الأعباء على الطرف المصري خاصة في اتخاذ المواقف والتحركات على المستوى الإقليمي والدولي والأممي.

وفي هذا السياق، يرى الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن الاضطرابات في السودان وحالة الاقتتال بين الجيش السوداني والميليشيات سيؤثر بشكل سلبي على مراحل التفاوض مع إثيوبيا بشأن أزمة سد النهضة.

وتابع: «هذا الأمر سيكون في صالح إثيوبيا بشكل كبير، لأن ذلك يعني عدم قدرة السودان مستقبلًا بالمطالبة بالحق المائي للانشغال في صراعات عسكرية».

وأضاف «نور الدين» أن إثيوبيا لديها فرصة ذهبية في استغلال الظروف واتخاذ قرار بملء السد الرابع بشكل فردي، معقبًا: «وفقًا للمفاوضات المتفق عليها بشأن سد النهضة كان يجب أن تجري مفاوضات قبل مايو إلا أن الصراع الحالي مع قوات الانتشار السريع والذي يُقال إنها تابعة أو موالية لإثيوبيا وبالتالى لا تريد إنهاء الصراع وبالتالى ستسعى لتأجيل المفاوضات واعتبار قرار الملء أمر واقع».