رئيس التحرير
خالد مهران

الدكتور محمد حمزة يكتب.. فيلم كليوباترا بنتفيليكس ليس نهاية وإنما بداية جديدة

النبأ

التاريخ واضح ومعروف والحقائق التاريخية موثقة ومع ذلك يحدث العكس  لتحقيق أهداف وغايات اخري وفق
خطط وايديولوجيات واستراتيجيات مدروسة وممنهجة   أو لصناعة تاريخ بديل وهويات أخرى؛ أو  لالهاء شعوبنا
عن القضايا المصيرية الأكبر والأكثر الحاحا؛؛؛ بل وربما للترويج لدين جديدجوهره الإخوة الانسانيةو المشترك
الانساني والدبلوماسية الروحية. ومقال اليوم يدور احد مفزدات تلك القضية وهوفيلم كليوباترا وكيف إنه ليس نهاية وإنما هو بداية جديدة؛؛؛  فبعد أن أعلنت منصة نتفليكس الشهيرة عن إنه ا قد اعدت فيلما وثائقياعن الملكة كليوباترا  السابعة سوف يبث في 10مايو2023م وان بطلته ممثلة سوداء؛ وهذا الفيلم من إنتاج الفنانة الأمريكية جادا بينكيث سميث زوجة  ويل سميث المعروف ؛  كثر الجدل  وإنتشرت السفسطة من كل من هب ودب على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فضلا عن  بعض  الأثريين  والتاريخيين والأطباءو الصحفيين   ممن يستغلون مثل هذه الأحداث والوقائع لركوب التريند وهؤلاء معروفين ووجوههم مكررة في الإعلام على إعتبار انهم هم  المرجعية الوحيدة المصدقة   وبالتالي يتم الرجوع إليهم  في اي وقت واي مناسبة فهم مثل جهينة عندها الخبر اليقين والعكس صحيح بطبيعة الحال؛
وآخرين من الأساتذة والعلماء  تناولوا الموضوع وكأنه محاضرة عامة  عن كليوباترا وكيف إستطاعت بذكائها
ودهائها وجمالها إن تمدعمر  اسرتها البطلمية  ما يقرب من ربع قرن من الزمان حتى سقطت نهائيا على يد
الرومان عقب معركة اكتيوم الشهيرة وكان ذلك عام30ق م؛  اما الفريق الثالث فقد كان حائرا بين هؤلاء واولئك.
و هناك القليل؛ وانا منهم؛ ممن ربط بين الفيلم وبين منظمة الافرو سنترك أو حركةالمركزية الإفريقية في أمريكا لا سيما وان منتجة الفيلم كما ذكرنا في مقالنا السابق هي إحدي الداعمات لتلك الحركة. وفى  مقالنا هذا  نفصل القول ونجلي الحقائق لان هذا الفيلم لن يكون نهاية وإنما هو بداية جديدة لسلسلة من الخطط(بضم الخاء) وفق إستراتيحية النفس الطويل التي يتبعها الغرب عاَمة واليهود والماسون  والحركة الصهيونية خاصة بكافة اوجهها واذرعها السياسية
والاقتصادية والاعلامية ولنا في التجربة التاريخية ما يكشف المستور ويظهر غوامض الموضوع من خلال مراحل النشأة والتطور وفق طبيعة كل مرحلة تاريخية من مراحل الصراع بين الغر ب والشرق وكيف إستغل اليهود
والماسون والصهاينة ذلك بكل الطرق وبمختلف الوسائل لتحقيق ايديولوجيتهم وأغراضهم وامالهم؛ ومن
بين هذه وتلك  نركز فقط على جانبين هما العلم من جهة والاعلام والسينما  من جهة ثانية. فبالنسبة للعلم فقد وضعوا علوما جديدة لكل علم منها مصطلحاته وقواعده ورجاله  مع الدعم  اللا محدود له ومن ذلك علم الساميات1781م وعلم الآثار التوراتي1865م وعلم الدراسات الاستشراقيةو التي  بدأ اول مؤتمر لها في باريس عام 1873م وإنتهى في باريس أيضا عام 1973م اي بعد قرن من الزمان إنتهي الاستشراق القديم ليبدأ الاستشراق الجديد بفكر اخر ورؤية أخرى وايديولوجيات أخرى تناسب المرحلة التاريخية التي شهدها الصراع بين الغرب والشرق  عامةو الصراع بين القوتين العظميتين عقب الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة بين هذين القطبين1945_1990م خاصة فبينما تعاظم الدور الأمريكي بصفتة القطب الأوحد نجد  العالم العربي والإسلامي في اسيا وافريقيا قد أصابه الضوالحروب والصراعات والدمار  ممثلة في ظاهرة الإرهاب  ونسبة ذلك إلى الإسلام ومن ثم ظهر مصطلح الإسلامو فوبيا اي التخويف الاستراتيجي من الإسلام واتباعه فهم الخطر الأخضر الذي حل محل الخطر الاحمر(اي الشيوعية السوفيتية )  وبالتالي فهم ضد العالم الحر والعصر الجديد( وهو عصر العولمة والكوننة والشملنة) بكل  مفرداته وايديولوجياته ومن أبرزها الدبلوماسية الروحية والأخوة الإنسانية والمشترك  الإنساني والديانة الإبراهيمية الجديدة؛؛ وقد إنسحب مصطلح الإسلامو فوبيا علي التاريخ الإسلامي كلة وخاصة الفترة المبكرة  أى الفترة التي سبقت قيام الدولة العباسية
عام132هجرية/750م وهي تشمل نشأة الإسلام وظهوره في الحجاز على يد الرسول الخاتم سيدنا محمد  علية
الصلاة والسلام ثم  إنتشاره في كل الجزيرة  العربية قبيل وفاة الرسول عام11هجرية/632م ثم عصري الخلفاء
الراشدين 11_٤١هجرية والخلفاء الامويين41_132هجرية وهي الفترة التي شهدت الفتوحات العربية الإسلامية
شرقا وغربا وتم القضاء على  ممتلكات  القوتين العظميتين في ذلك  الوقت في منطقة  الشرق الادني القديم وشمال إفريقيا وهما دولتي الفرس والروم؛؛ ولذلك عندمابدأ الاستشراق الجديد في باريس عامى 1973م  بدعم ورعاية واسطة العقد بين الاستشراقين القديم والجديد  العالم الداهية برنارد لويس ( وهو من هو ويكفي إنه  هو واضع خطة الشرق الأوسط الجديد) اطلق هؤلاء على أنفسهم  اسم المراجعون الجدد أو التنقيحيون الجدد وإنحصر هدفهم بحجة وتحت ستار العلم هدم التاريخ الإسلامي المبكر ومن ثم الدين ور موزه  وركائزه وثوابته  والتشكيك في كل شئ صغر ام كبرللتاكيد علي أن الإسلامو فوبيا بدأت منذ القرن 7م اي منذ ظهور الإسلام وليس في أواخر القرن العشر ين
المنصرم؛؛ وبدأت أيضا حركة صناعة تاريخ بديل للتاريخ الاسلامي من خلال الدعوة إلى إحياء الهويات للشعوب
التي خضعت  للمسلمين في اسيا وافريقيا  ومنها الهوية الاشورية والاراميةو السريانية والمصرية( الفرعونية) والامازيغية والافريقية وغيرها؛ وقد تم تجنيد العديد من المؤسسات والجامعات والمعاهد والأكاديميات  فضلا عن السينما والاعلام لذلك الغرض بفضل توفير الدعم المادي اللامحدود  مع إستقطاب عناصر مشرقية من العرب والمسلمين أنفسهم من المحيط إلى الخليج  ليكونوا اتباعا وانصارا ومريدين لهذا التوجه حتى يكون تأثيرهم على بني جلدتهم أقوى وأشد وأسرع. اما بالنسبة للهوية الإفريقية فقد مرت بمراحل كثيرة  غير إن ما يهمنا منها  في هذا المقام  مرحلة  الافروسيزت التي نشات في أمريكا عام 1928م؛ وقبل إن نتحدث عن هذه الحركة لا بد من الإشارة إلى الحركة المركزية الاوروبية التي تزعم إن أوروبا هي اصل وأساس الحضارة الإنسانية بسبب تفوق الجنس  الاري الأبيض على الجنس الأسود وايضا على الجنس الاصفر من جهة والي السامية والحركة الصهيونية التي تزعم بأن اليهود هم بناة الحضارة  الإنسانية من جهة ثانية. وللتقليل من الغطرسة الثقافية الاوروبية ونقد العقلية الاوروبية التي ترى إن أوروبا هي اصل الحضارة الإنسانية من  أجل الميل نحو اليهودية والسامية ومجاراة الحركة الصهيونية في أن اليهود هم بناة الحضارة الإنسانية  كان المخرج البديل هو البحث عن الجذور الافرو آسيوية للحضارة الكلاسيكية في اليونان  والتي تمثل اصل الحضارة الاوروبية؛ وقد ثبت بالأدلة التاريخية والاثرية وفقا لقواعد المنهج  العلمي السليم أن جذور الحضارة الكلاسيكية  مي مصر والشرق الأدنى القديم؛ وبالتالي تم تعرية نظرية المركزية الاوروبية وتم فضح إنحياذها وتعصبها للجنس الأثري؛ ومن الدراسات الحديثة التي تم الترويج لها على نطاق هائل دراسة مارتن برنال بعنوان أثينا السوداء؛ الجذور الافرو آسيوية للحضارة الكلاسيكية؛ والذي صدر المجلد الأول منها بلندن عام1987م المجلد الثاني 1991م ( والمحلدين تمت ترجمتهما إلى العربية) وقد حظي هذا الكتاب بصدي كبير مابين مؤيد ومعارض ومابين معجب شديد الإعجاب  وكاره شديد الكره حتى وصل الأمر إلى وصف كتاب مارتن برنال بأنه ليس كتابا علميا  بل هو دروشة سطحية فارغة وان برنال نفسه مجرد درويش غير متخصص وهاو لايفهم شيئا؛
وإعترض البعض الاخر على العنوان ومنهم  المرحوم د حسن حنفي فذكر إنه يجب أن يكون أثينا المصرية  بدلا
من أثينا السوداء.  وقامت اليهودية ماري ليفكوفيتس بنشر كتابها في أمريكا عام 1997م بعنوانNot Out  OF AFrica  أي ليس إنطلاقا من إفريقيا؛ لان هذا من شأنه إبعاد اليهود عن موضوع بناة الحضارة وبناء الأهرامات المصرية فقد روجوا لفكرة ان الفينيقيين هم يهود العالم القديم وان الفينيقية هي العبرية   وبالتالي كان لليهود دورهم في
إنتقال اللغة إلى الاغريق  أواليونانبيين؛؛ ويوخذ على برنال إنه  في سبيل هدمه للنظرية المركزية الاوروبية وتفوق الجنس الاري يوجه الانظار إلى الدور اليهودي ويجاريهم فيما يزعمون دون دليل علمي؛ فقد اخذ يعلي من شأن السامية ويسموا بها على النموذج الأري المتطرف وعلى النموذج المصري فالسامية  هي اصل الحضارة الإنسانية واليهود هم بناتها  وبناة الاهرامات. وعلى ذلك يمكن القول بأن نشوء الافرو سنترك كان
كرد فعل أو خط دفاع هجومي لمواجهة المركزية الاوروبية وإنطلاقا من ذلك فإن كليوباترا  كانت   اصلا
إمرأةافريقية سوداء زنجية ثم رسمت لها صورة على أنها بيضاء أثناء سيادة فكرة المركزية الاوروبية وتفوق الجنس
الأري الأبيض وهذا هو عين ما خلص إليه جون هنريك كلارك في دراسته عن الملكات الافريقيات المحاربات.  ورغم أن الممثلة الجميلة إليزابيث تايلور قامت عام1963م تمثيل دور كليوباترا  ؛ إلا أنه في عام 1970م قامت ممثلة سودأء بدور كليوباتراكإمرأة سيئة السمعة في فيلم ارثر بي؛ ثم يتكرر ذلك في فيلم نتفليكس مايو 2023م مما يعني إن هذا الفيلم ليس نهاية وإنما يمثل بداية سلسلة أخرى من الأنشطة والفعاليات الثقافية والعلمية وغيرها وفق مخطط إستراتيجي مدروس لزلزلة الثوابت وإثارة الشبهات حول الرموز وطمس الهوية المصرية بل والعربية والاسلامية وهذه الأخيرة تم إنكار ها  تماما في دورها الرائد والفعالَ في بعث الحضارة الاوروبية بعد أن غشيها النعاس ونامت في سبات عميق خلال العصور الوسطي  فالحضارة العربية الإسلامية في اسيا وافريقيا بل وفي أوروبا نفسها هي
الوحيدة التي وحدت شطري  الحضارة الاوروبية اليوناني شرقا واللاتيني غربا ومع ذلك لم يشر برنال وغيره إلى
ذلك مما يعني إنه كان امرا مقصودا لذاته.  فيأ صناع الحضارة الإنسانية  واصلها في مصر والشرق
الأدنى لقد تم دق تاقوس الخطر بالنسبة لتاريخنا الوطني والقومى والعربي والاسلامي وهوياتنا فإنتبهوا وأفيقوا وإصطفوا صفا واحدا كالبنيان المرصوص بسلاح العلم   وبالعلم وحده حتى لانفيق في يوم من الايام ونجد أنفسنا  بلا هوية وبلاتراث  وبلا وطنيةمتصلة وبلاقومية متصلة؛ وعلى أصحاب الوجوه المكررة وأصحاب الشو والتريندات وغير المتخصصين ان يجنبوا انفسهم بإختيارهم طوعا  حتى يتم إحقاق الحق ورجوعه إلى أصحابه بالعلم وحده ومنهجه السليم القائم على الأدلة الثابته اليقينية. وختاما فإن على القناة الوثائقية بقطاع الإنتاج الوثائقي في شركة المتحدة للخدمات الاعلامية ورئيسها الاستاذ شريف سعيد ان  لاتعتمد على  الوجوه المكررة وغير المتخصصين بل تعتمد علي الثقات الاكفاء من  العلماء الوطنيين المخلصين  لتراب هذا الوطن فعلا وليس قولا في التاريخ والآثار والانثروبولحي والاثنو اركيولوجي والجغرافيا التاريخية وغيرها من العلوم المساعدة لإنتاج افلام وثائقية على مستوى عال علميا وفنيًا؛ على أن تغطي هذه الافلام كافة مراحل وحقب التاريخ المصري بمختلف روافده وتنوعاته؛ واقترح إنه من الاصوب والأسلم والمفيد تشكيل لجنة علمية وطنية دائمة في القناة من  العلماء الاكفاء الثقات من مختلف
التخصصات المشار إليها  مع المؤلفين وكتاب السيناريو والحوار المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والحرفية والوطنية حتى تخرج  مثل هذه الأعمال والأفلام بالصورة الحقيقية المشرقة  للتاريخ المصري عبر مراحله وتنوعاته؛  وذلك هو  الدور الايجابي والمهمة الوطنية والقومية  لهذا النوع من القوي الناعمة التي لاتكذب
ولاتتجمل.  حفظ الله مصر أرضا وشعبا  وهويةوقيادة وجيشا وشرطة وعلماءا وتاريخا وأثارا وحضارة وثقافة وتراثا إلى إن يشاء الله والي إن يرث الأرض ومن عليها. اللهم امينيارب العالمين.

بقلم:

الدكتور محمد حمزة أستاذ الحضارة الإسلامية وعميد آثار القاهرة سابقا