سفير مصر السابق في الخرطوم لـ«النبأ»: مصر يمكنها حل الأزمة السودانية دون تدخل عسكري
قال السفير محمد الشاذلي، سفير مصر السابق في السودان وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن مصر يمكنها حل الأزمة السودانية بعيدًا عن التدخل العسكري مثلما حدث مع الأزمة اللبنانية عام 1958، محذرًا من التورط في المستنقع السوداني، مشيرًا إلى أن ما يحدث في السودان هو صراع على السلطة بين «البرهان» و«حميدتي».
وأضاف «الشاذلي» في حواره لـ«النبأ»، أن ما يحدث في السودان سيكون له تأثير سلبي على مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، مشيرًا إلى أن الانقسام العربي حول ما يحدث في السودان هو شيء طبيعي، لافتًا إلى أن الهدف من الوساطة الإسرائيلية هو تسجيل «أبناط»، مؤكدًا على عدم تفاؤله حول مستقبل السودان، وإلى نص الحوار..
ما يحدث فى الجارة صراع على السلطة بين البرهان وحميدتى
في البداية ماذا يحدث في السودان من وجهة نظركم؟
ما يحدث في السودان هو صراع على السلطة وعلى المصالح دون أي مبالاة لمصلحة الشعب، ودون أي مبالاة لمستقبل البلد.
ما هي السيناريوهات المتوقعة لحل هذه الأزمة؟
السيناريوهات المتوقعة هي استمرار القتال إلى أن يقضى طرف على الآخر، أو حدوث تدخل دولي لحل الأزمة مع استمرار النار مشتعلة تحت السطح إلى أن تتفجر مرة أخرى.
لكن ما هو السيناريو الأقرب من وجهة نظركم؟
من الصعب ترجيح سيناريو على الآخر، لا سيما وأن القوة على الأرض متوازنة بين الطرفين المتحاربين، وبالتالي من الصعب التنبؤ بترجيح سيناريو على الآخر، وكل ذلك يتوقف على التدخلات الخارجية.
هل تتوقعون سيناريو تقسيم السودان؟
أنا غير متفاءل بالمرة بمستقبل السودان، لأن السودان منذ انفصاله عن مصر وهو في حالة اقتتال دائم، بدأ بالحرب مع الجنوب ثم الحرب في دارفور ثم كسلا وجبال النوبة وكردفان، وكان المركز هو الذي يحفظ السودان من التشرذم، هذا المركز الآن منقسم ويتقاتل مع بعضه، وبالتالي السؤال المطروح هو: من الذي يحفظ وحدة السودان؟
ما هو مصير العملية السياسية والديمقراطية في السودان؟
الديمقراطية تقوم على وجود أحزاب مدنية قوية، والآن لا يوجد قوى مدنية فاعلة في السودان، المكون المدني الذي كان يتحالف مع القوات المسلحة قبل الأزمة غير موجود الآن، وهذا يطرح يطرح علامة استفهام كبيرة جدًا، مشكلة السودان هي أن الجناح العسكري تشرذم بين الجيش وقوات الدعم السريع، وأيضًا الجناح المدني متشرذم ومنقسم، الرهان هو على اتحاد المهنيين والمثقفون.
ما هو مصير حميدتي والبرهان؟
إما الاقتتال حتى الفناء، وإما أن تتدخل قوى خارجية للتصالح بينهما، وإما أن يفيق الشعب السوداني ويزيحهما عن الساحة، قيام حميدتي والبرهان بالقتال في الشوارع بالطائرات والدبابات ودك الأحياء السكنية يعني إلغاء وجودهما السياسي تمامًا، وليس لهما مكان على الساحة المتحضرة والمتمدينة.
هل تقسيم السلطة بينهما وارد؟
كان هناك تقسيم للسلطة ولكن لم يؤدي إلى نتيجة، والخطيئة الكبرى كانت في تكوين قوات الدعم السريع المكونة من قطاع الطرق، ومنح قائدهم الذي لم ينال أي قسط من التعليم رتبة فريق أول!، فهل من المعقول أن يحكم حميدتي السودان وهو لا يحمل أي شهادة علمية في بلد فيها أفضل الأطباء والمهندسين في العالم، وفيها الطيب صالح والهادي أدم؟
البعض يتحدث عن وجود مؤامرة على السودان.. رأيكم؟
أكبر مؤامرة على السودان تتم بأيدي السودانيين، أي دولة في العالم لديها مصالح تسعى لتحقيقها، الولايات المتحدة الأمريكية منذ سبعين عامًا وهي تتأمر على كوبا ولكنها لم تنجح، لأن الجبهة الداخلية هناك متماسكة، لكن أين المؤامرة في بلد يتقاتل أبناءه منذ أكثر من سبعين عامًا، وقتل في الحرب الأهلية في السودان أكثر من مليوني شخص؟
كيف ترى الوساطات الدولية؟
الوساطة لن تجدي نفعا في شعب لا يريد مساعدة نفسه.
هدف الوساطة الإسرائيلية تسجيل «أبناط»
ماذا عن الوساطة الإسرائيلية؟
إسرائيل تحاول تسجيل أبناط، الكل يتحدث الآن عن الوساطة الإسرائيلية ولا أحد يتحدث عن ما تفعله إسرائيل في المسجد الأقصى، إسرائيل تتخفى وراء ما يحدث في العالم العربي.
تقييمكم للدور العربي في هذه الأزمة؟
أين كان الدور العربي في سوريا وليبيا واليمن ولبنان؟.
الانقسام العربى حول ما يحدث فى الدولة الإفريقية «طبيعى»
تقييمكم للدور المصري في هذه الأزمة؟
حذاري ثم حذاري أن ننجرف فيما يحدث في السودان بدعوى الوساطة أو مناصرة طرف على طرف أو قبول دعوة للتدخل، هذا مستنقع مهلك، الدور المصري يقوم على إجلاء وتأمين الرعايا المصريين الموجودون في السودان، ومد يد العون لإجلاء رعايا الدول الأخرى، والمساعدات الإنسانية واستقبال اللاجئين، لا يجب أن نورط أنفسنا في هذا المستنقع، ولا نحاول مساعدة أحد لا يريد أن يساعد نفسه.
القاهرة دائمًا مأوى لمن يلجأ لها
لكن السودان تمثل امتداد وعمق استراتيجي للأمن القومي المصري وبالتالي لا يمكن لمصر أن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث في الجارة العربية لا سيما وهناك تدخلات خارجية؟
التدخل لا يعني أن تتواجد ماديًا أو عسكريًا، ولكن يمكن أن يكون التدخل من خلال القوى الناعمة، في 1958 حدثت حرب أهلية في لبنان بعد أن رفض الرئيس جميل شمعون تسليم السلطة بعد أن انتهت فترة ولايته، وقامت الولايات المتحدة بإرسال الأسطول السادس إلى سواحل بيروت لحماية جميل شمعون، مصر والرئيس جمال عبد الناصر أنهوا الحرب الأهلية في لبنان دون أن يتوجه عسكري مصري واحد إلى لبنان، لأن مكانة مصر وقوتها الناعمة في هذا الوقت مكنها من ذلك، وبالتالي التدخل يكون من خلال عدم التدخل، وهو المنطق الواع والحكيم في مثل هذه الظروف، مصر الآن تستقبل السودانيين الفارين من القتال بأذرع مفتوحة وحضن دافئ، مصر دائمًا حمت من لجأ إليها، حمت الكوايتة بعد جريمة صدام حسين، استقبلت الملك سعود، استقبلت جعفر النميري، استقبلت ملك ألمانيا، استقبلت شاه إيران، استقبلت ملك إيطاليا، مصر دائمًا مأوى لمن يلجأ لها.
الأزمة سيكون لها تأثير سلبى على ملف سد النهضة الإثيوبى
هل سيكون هناك تأثير على مفاوضات سد النهضة الإثيوبي نتيجة ما يحدث في السودان؟
بالتأكيد، قبل الأزمة كان يتم مواجهة إثيوبيا بجبهة مصرية سودانية موحدة ورغم ذلك لم يتم التوصل لاتفاق وظلت إثيوبيا على تعنتها، وبالتالي ما يحدث في السودان سيكون له تأثير على المفاوضات في ملف سد النهضة.
قضية «حلايب وشلاتين» محسومة
وماذا عن ملف حلايب وشلاتين؟
هذا الملف محسوم لصالح مصر، حلايب وشلاتين مناطق مصرية جغرافيا وسياسيا وقانونيا، أما حديث السودان المتكرر عن حلايب وشلاتين فهو محاولة لإلهاء الشعب السوداني عن المآسي التي يعيشها.
«البشير» له موالون فى كل مؤسسات الدولة
ماذا عن سيناريو عودة نظام البشير للحكم بعد هروب قياداته من سجن كوبر؟
خروج المساجين من سجن كوبر مظهر من مظاهر سقوط السلطة في السودان، كذلك ما يحدث في السودان من انتهاك لحرمة الشوارع والحياة مظهر من مظاهر سقوط السلطة والهيبة والسيطرة، لأن الدولة تقوم على ثلاثة أركان، أرض وشعب وحكومة، إذا سقط ركن من الأركان الثلاثة سقطت الدولة، وسقوط الحكومة يعني أن السودان تحولت إلى دولة فاشلة.
ماذا يعني إعلان حزب الرئيس السابق عمر البشير دعم الجيش السوداني؟
يعني أن البشير حكم السودان 30 عامًا ومن الطبيعي أن يكون له موالون في كل مؤسسات الدولة.
هناك انقسام عربي على ما يحدث في السودان.. فبعض الدول العربية تدعم حميدتي فيما تدعم دولا أخرى البرهان.. كيف ترى ذلك؟
هناك انقسام عربي في سوريا، وهناك انقسام عربي في ليبيا، وهناك انقسام عربي في لبنان، وبالتالي عدم وجود اتفاق عربي في السودان شيء طبيعي.
وما تأثير ما يحدث في السودان على مجمل الأوضاع في الشرق الأوسط؟
الدول العربية من أكثر دول العالم استيرادا للسلاح، أغلب هذه الأسلحة يتم استخدامها للاقتتال الداخلي بين الشعوب مثلما يحدث في اليمن وليبيا والعراق، وهذا له تأثير على القيمة الأخلاقية للعرب في الخارج، والسودان من الدول التي تستطيع حل أزمة الأمن الغذائي العربي وإطعام العالم العربي كله.
الولايات المتحدة الأمريكية تحدثت عن وجود مقاتلين من منظمة فاغنر الروسية في السودان.. ماذا يعني ذلك؟
الصراع بين القوى الكبرى هو صراع دولي وكوني يمتد للفضاء الخارجي، وبالتالي أي منطقة في العالم فيها توتر تجد فيها أصابع القوى الكبرى، والولايات المتحدة الأمريكية التي تتحدث عن منظمة فاغنر تدعم الكثير من شركات المرتزقة الذين يقاتلون في كل مكان في العالم مثل، منظمة بلاك ووتر التي كانت تقاتل في العراق وغيرها.