الأزمة المصرفية الأمريكية عرض مستمر.. الربحية تعصف بالبنوك الصغيرة
قال تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن الربحية باتت أحد أسباب الأزمة التي تشهدها بنوك أمريكية صغيرة.
وضرب التقرير مثالا ببنك باسويست بانكورب الذي يعاني من مشكلة كبيرة تتمثل في التراجع القياسي لأسهم البنك في الأيام الأخيرة بعد أن كان البنك يعتقد انتهاء الأزمة المصرفية الأمريكية. وهذه بالطبع ليست من نفس نوع المشاكل التي واجهتها بنوك سيليكون فالي وفيرست ريبابليك وفقا لتقرير واشنطن بوست.
ويشير التقرير إلى أن أحد العوامل الإيجابية في حالة البنك هو أنه لا يوجد لديه مجموعة كبيرة من المودعين غير المؤمن عليهم في الغالب إذ إن 75٪ من الودائع مؤمنة بالكامل كما أن لديه نقودًا ومصادر سيولة أخرى تصل إلى ما يقرب من ضعف قيمة الودائع الباقية غير المؤمن عليهم. وقد اجتذب البنك مستويات ودائع منخفضة منذ الموجة الأولى من الذعر التي ضربت البنوك الإقليمية في منتصف مارس الماضي.
ولا يتحمل البنك عبئًا مفرطًا من الأصول طويلة الأجل ذات السعر الثابت، والتي تتأرجح قيمتها السوقية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وقد تكبد البنك في نهاية شهر مارس بالفعل خسائر في السندات طويلة الأجل بقيمة 736 مليون دولار.
الأسباب الرئيسية
وتعتبر قروض البنك العقارية والقروض الأخرى، والتي تمثل 78٪ من الأصول، ليست في الغالب إقراضًا بسعر فائدة ثابت، وهو ما كان يمثل مشكلة للبنك حيث كانت نسبة قروض الرهن العقاري 40٪ فقط وأقل من 25٪ من إجمالي تلك القروض بفائدة ثابتة بينما أكثر من 90٪ من الرهون العقارية ببنك فيرست ريبايك كانت بسعر فائدة ثابت.
وشكلت قروض الرهن العقاري ثابتة العائد وسندات الخزانة طويلة الأجل نفس التهديد بخسائر فادحة بين البنوك التي فشلت حتى الآن. وبطبيعة الحال إن أي بنك اضطر إلى بيع الكثير من الأصول فجأة لسداد مستحقات المودعين لن ينجح، "فعليك البيع فقط إذا سحب المودعون أموالهم."
وتعتبر ودائع بنك باسويست بانكورب ودائع مستقرة ومؤمنة في الغالب لكن من المثير للاهتمام معرفة الأسباب التي أدت إلى انخفاض سعر سهم البنك بنسبة 90٪ من قيمته منذ بداية مارس كما تراجع مؤشر قطاع البنوك "كيه بي دبليو" بنحو 22% العام الجاري وقد انخفض بنسبة 21% في مارس وحده.
وتعتبر سوق الأسهم بشكل عام صامدة على الرغم من الانهيارات الراهنة في القطاع المصرفي، فقد ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500 " بنحو 8% منذ بداية العام حتى الآن.
مرحلة دقيقة
وتبدو هذه الأزمة المصرفية وكأنها تتحول إلى مرحلة أكثر خطورة وتكمن المشكلة في "الربحية" وما إذا كانت البنوك قادرة على التكيف مع الرفع السريع لمعدلات الفائدة.
وتشبه العراقيل التي تواجه بنك باسويست بانكورب المشكلات التي عانى منها بنك كريدي سويس في سويسرا أكثر من بنك سيليكون فالي التي تتمثل في التعرض لمخاطر الوقوع في دوامة مفرغة من العائدات المتواضعة مما يؤدي إلى تراجع سعر السهم وهلع المودعين.
خسارة البنك
ويعد تحقيق بنك باسويست بانكورب خسارة 1.1 مليار دولار في الربع الأول من العام أحد أهم الأسباب التي تدعم الرؤية بشأن أسباب التراجع.
وبدأت البنوك الأمريكية الكبرى منذ منتصف مارس الماضي تنافس بقوة على جذب كمية أكبر من الودائع باعتبارها الأكثر أمانا فضلا عن تقديم عوائد أعلى من صناديق الاستثمار.
والنتيجة هي ارتفاع حاد في تكاليف التمويل للبنك مثل باسويست بانكورب.
وأصبحت البنوك أكثر اعتمادًا على عملاء ذوي التكلفة المرتفعة والودائع مرتفعة العائد مما رفع تكلفة الودائع الإجمالية إلى 1.98٪ في الربع الأول من العام الحالي من مستوى 1.37٪ في الأشهر الثلاثة السابقة وكذلك اقترض البنك من مصادر أكثر تكلفة مثل برنامج التمويل من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وأسواق رأس المال والتي شملت طرح سندات.
وساهمت هذه المتغيرات مجتمعة في خفض صافي هامش الفائدة إلى 2.89٪ في الربع الأول من العام الحالي مقارنة ب 3.4٪ العام الماضي مع توقعات من الخبراء أن ينخفض أكثر إلى حوالي 2.5 ٪ في المتوسط لهذا العام، وفقًا لبيانات بلومبرغ.
هوامش الفائدة
ويؤثر تراجع هوامش الفائدة بشدة على معدلات الإيرادات والربحية وقد حقق البنك خلال الربعين الأخيرين أدنى أرباح قبل خصم الضرائب منذ الربع الثالث من عام 2020. ومن المتوقع أن يكون الربعان التاليان أسوأ من ذلك.
ويقلل انخفاض الأرباح من قيمة سهم البنك لكن الخوف الحالي من عدم الاستقرار على نطاق أوسع جعل هذه المشاكل أكثر خطورة من خلال خلق حلقة من ردود الفعل خاصة منذ بدء أزمة البنوك الأمريكية وكذلك انخفاض أسعار الأسهم الذي يجعل المودعين أكثر خوفا ويرفع من تكاليف التمويل فتزداد الربحية سوءًا.
ويقوم المستثمرون أو "السوق" باستكشاف العناصر الضعيفة والضغط عليها لمعرفة ما إذا كانت ستنكسر أم لا وقد لا يهم حتى ما إذا كانت ودائع البنوك الصغيرة مؤمنة في الغالب أم لا عندما تكون صناديق الاستثمار بالفعل بديلًا جذابًا.
وقد خفض باسويست بانكورب عدد الموظفين وبدأ في بيع الأصول لمعالجة مشكلة الربحية لكن بالنسبة للبنوك الأصغر والأقل تنوعًا يمكن أن تكون تكاليف إجراء تغييرات كبيرة ضخمة.
وبالنسبة للبنوك الذين لديهم تنوع أقل في العملاء أو لديهم مساحة محدودة لتغيير أعمالهم، فقد لا يستغرق الأمر الكثير لبدء هذا النوع من الحلقة المفرغة من الأزمات. وبمجرد أن تبدأ، من الصعب أن تتوقف.
ويكشف ذلك أيضا عن مدى هشاشة ثقة المستثمرين بعد سلسلة من إفلاس البنوك، وذلك رغم تأكيدات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يوم الأربعاء أنَّ السلطات اقتربت من احتواء هذه الأزمة.
وبعد سنة من رفع أسعار الفائدة، تتعرض البنوك الصغيرة لضغوط بسبب ما نتج عن ذلك من انهيار قيمة ما بحوزتها من سندات وارتفاع الخسائر إلى نحو 1.84 تريليون دولار.
وقال كريشنا غوها، نائب رئيس شركة "إيفركور آي إس آي""ربما لم تنتهِ بعد المرحلة العنيفة في أزمة البنوك، ويجب على صناع السياسة أن يسارعوا إلى معرفة ذلك. والمشكلة أنَّ سياسة الاستقرار المالي لديها خيارات محدودة".