كيف تحمى الدولة المبلغين والشهود من الانتقام؟
يستخدم رجال المباحث والأجهزة الأمنية، أساليب مختلفة لتحري الدقة في التوصل إلى مرتكبي جرائم القتل والسرقة وغيرها، حيث يتم الاستماع لكافة الأطراف حول الواقعة للبحث عن خيط ينتهي بالوصول إلى المتورطين، وتقديمهم للعدالة وعادة ما يتم البت في بعض القضايا بإعدام الجناة، ومن الأساليب التي يتبعها رجال المباحث فى التوصل للمتورطين فى تلك القضايا اللجوء إلى شهود العيان والأهالى.
ولكن أحيانًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وينقلب السحر على الساحر ليصبح شاهد الإثبات هو المجني عليه وأحيانًا يدفع حياته ثمنا لقول الحق.
وجسد فيلم واحد من الناس لكريم عبد العزيز، مشهد مقتل زوجته في نفس لحظة شهادته بالمحكمة ونطقه بالحق في إحدى قضايا القتل.
وتسرد «النبأ» في السطور القادمة قصصا واقعية ونهايات مأساوية لشهود عيان في قضايا مختلفة داخل ساحات المحاكم المصرية.
قتل محامي الفيوم
أولى الحكايات تمثلت في قيام شاب بقتل جاره بالفأس في وضح النهار أمام أمه وزوجته وأبنائه في محافظة الفيوم، بعدما علم المتهم بقيام جاره بالإدلاء بالشهادة ضده في محضر شرطة؛ لقيام الأول بالاعتداء على والدته وسبها بأفظع الشتائم.
كان المتهم دائم الاعتداء على والدته بالضرب وسبها بأفظع الشتائم حيث توجهت لقسم الشرطة وحررت محضرا ضد نجلها بمساعدة المجنى عليه الذي كان شاهدا على الواقعة.
وبمجرد علم المتهم بتحرير محضر ضده من والدته ومساعدة المجنى عليه لها والإدلاء بشهادته بقسم الشرطة توجه إلى محل سكن والدته وتربص لها حتى شاهدها.
وقام الشاب القاتل بالاعتداء على والدته بالضرب، فتدخّل الجيران وبينهم المحامي سيد خلف، الجار الذي دافع عن أم القاتل وساعدها في تحرير محضر، ومنع ابنها من ضربها أمام الناس؛ وهو ما أثار غضب القاتل.
وفيما بعد شاهد الجار القاتل، المحاميَ جالسًا مع أسرته «أمه وزوجته وأطفاله» أمام المنزل، وما إن شاهده القاتل حتى دخل إلى منزله وخرج ممسكًا بفأس، وضربه من الخلف على رأسه بطريقة بشعة، وسط صراخ وذهول الجميع، وهرول بعض المارّة وأمسكوا به، ولكن المجني عليه كان قد فارق الحياة.
ووثقت كاميرا مراقبة في الشارع، لحظة اعتداء المتّهم على المجني عليه، وضربه بالفأس على رأسه؛ ما تسبب في مقتله في الحال، أمام أعين والدته التي شاهدت لحظة ارتكاب الجريمة.
غريزة الانتقام فى السلام
وفي القاهرة تحديدًا في مدينة السلام، فوجئ الأهالي بوجود جثة شاب سقط من أحد العقارات يدعى «س.م» يبلغ من العمر 23 عامًا.
وفور وصول رجال المباحث وتفريغ كاميرات المراقبة، تبيّن أن الجثة بها عدة طعنات متفرقة بالجسد، وبجمع المعلومات وإجراء التحريات اللازمة، تبيّن أن المجني عليه سبق وأن قام بالإدلاء بشهادته بإحدى قضايا الترويج للمواد المخدرة وتسبب بشهادته في حبس أحد الأشخاص، فقرر 3 من أهلية المتهم الانتقام منه بطعنه عدة طعنات في جسده وإلقائه من أعلى عقار سكني.
تصفية شاهد فى الإسماعيلية
وفي شارع طنطا بمحافظة الإسماعيلة، فوجئ المصلون أثناء الخروج من المسجد عقب أداء صلاة الفجر بقيام مجموعة من الأشخاص بإطلاق أعيرة نارية صوب أحد الشباب حال خروجه من المسجد ويدعى «م.و».
وبحسب تحريات المباحث الجنائية فإن المتهم لقي مصرعه بعد الإدلاء بشهادته في إحدى قضايا القتل العمد.
وإمعانًا في ارتكاب الجريمة، اختلق المتهمون مشادة كلامية تطورت لمشاجرة، وحال قيام المجني عليه بالتحجيز وإبعاد أحد الأطراف، أطلق عليه شخص عيار ناري أصابه في الوجه والصدر نقل على إثره إلى المستشفى وتوفي فور وصوله بسبب توقف القلب والرئة.
ونجح ضباط المباحث الجنائية في القبض على المتهمين بعد تحديد هويتهم وضبط السلاح المستخدم في الواقعة «فرد خرطوش».
من جانبه، يقول الخبير القانوني محمود أحمد عبد الرحيم قنصوه، إن المادة «110» في قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه يسمع قاضي التحقيق شهادة الشهود الذين يطلب الخصوم سماعهم ما لم ير عدم الفائدة من سماعهم، وله أن يسمع شهادة من يرى لزوم سماعه من الشهود عن الوقائع التي تثبت أو تؤدي إلى ثبوت الجريمة وظروفها وإسنادها إلى المتهم أو براءته منها.
وأكد «قنصوه» أن المادة «111» تشير إلى أن النيابة العامة تقوم بإعلان الشهود الذين يقرر قاضي التحقيق سماعهم، ويكون تكليفهم بالحضور بواسطة المحضرين، أو بواسطة رجال السلطة العامة، ولقاضي التحقيق أن يسمع شهادة أي شاهد يحضر من تلقاء نفسه، وفي هذه الحالة يثبت ذلك في المحضر.
وأشارت المادة «114» لضرورة أن يضع كل من القاضي والكاتب إمضاءه على الشهادة وكذلك الشاهد بعد تلاوتها عليه وإقراره بأنه مصر عليها، فإن امتنع عن وضع إمضائه أو ختمه أو لم يمكنه وضعه أثبت ذلك في المحضر مع ذكر الأسباب التي يبديها، وفي كل الأحوال يضع كل من القاضي والكاتب إمضاءه على كل صفحة أولًا بأول.
إجراءات حماية الشهود والمبلغين
والتقط أطراف الحديث، المستشار أحمد رمضان محمد، المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، قائلًا إن هناك ضوابط قانونية لحماية الشهود والمبلغين وفقًا لمواد قانون الإجراءات الجنائية من «564» لـ«568»، معقبًا: «كان لزاما على الجهات المختصة استحداث آلية جديدة تقوم على تنفيذ هذا القانون وتتمتع بالاستقلالية التامة».
وأضاف «رمضان» أن طرق حماية الشهود جاءت من خلال عدة إجراءات وهي:
1- أن الشاهد يمكن أن يجعل قسم الشرطة أو مكان عمله محل إقامته.
2- فى حالة أن الشاهد ستكون حياته معرضة للخطر إذا تم الإعلان عن بياناته أجاز القانون للمحكمة أو المحامى العام أن يستمع لشهادته دون ذكر بياناته على أن يتم عمل ملف فرعى للقضية تدون فيه بيانات الشاهد وشخصيته.
3- أعطى مشروع القانون للمتهم الحق فى مواجهة الشاهد الذى أخفى بياناته ومناقشة الشاهد من خلال أى وسيلة فنية عن بعد بحيث لا يتم الكشف هويته.
4- عاقب المشروع كل من يدلى بأية بيانات عن الشاهد الصادر أمر بإخفاء شخصيته بالحبس المشدد لو كانت الجريمة محل التحقيق إرهابية وبالإعدام لو نتج عنها موت شخص.
وأعطى مشروع القانون للمتهم فى الطعن على الأمر الصادر بإخفاء بيانات الشاهد إذا رأى أن الكشف هوية الشاهد لا غنى عنها لمباشرة الدفاع.
وأتاحت المادة «564»، للشاهد بناءً على إذن النيابة العامة أو قاضى التحقيق المختص أن يتخذ من قسم الشرطة التابع له محل إقامته أو من مقر عمله عنوانًا له.
وتتضمن المادة «565» أنه فى الأحوال التى يكون فيها من شأن سماع أقوال أى إنسان تعريض حياته أو سلامته أو أحد أفراد أسرته للخطر جاز لمحكمة الموضوع أو للمحامى العام أو قاضى التحقيق بناءً على طلب هذا الشخص أو أحد مأمورى الضبط القضائى الأمر بسماع أقواله دون ذكر بياناته، على أن ينشأ ملفا فرعيا للقضية يتضمن تحديدًا لشخصيته وبياناته.
وتنص المادة «566» أنه فى الأحوال التى يكون فيها الكشف هوية هذا الشخص لا غنى عنها لمباشرة حقوق الدفاع، جاز للمتهم أو وكيله الطعن على الأمر الصادر من المحامى العام أو قاضى التحقيق بإخفاء بياناته أمام محكمة الجنايات منعقدة فى غرفة المشورة خلال 10 أيام من تاريخ مواجهته بفحوى هذه الشهادة وتفصل المحكمة فى الطعن بعد سماع ذوى الشأن بقرار نهائى مسبب، وذلك دون إخلال بحق محكمة الموضوع فى إلغاء هذا الأمر أو استدعاء هذا الشخص لسماع أقواله.
أما المادة «567» فتنص أنه للمتهم أثناء المحاكمة أن يطلب مواجهة أو مناقشة الشخص الصادر أمر بإخفاء بياناته من خلال أى وسيلة فنية تسمح بسماع أقواله عن بعد بما لا يكشف عن هويته.
وأضاف الخبير القانوني، أن الكثير من الدول تسعى إلى وضع نصوص قانونية لحماية الشهود، مؤكدًا أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ألزمت الدول الأطراف فيها بضرورة إصدار قوانين لحماية المبلغين والشهود والخبراء، بالإضافة إلى تأكيدها أن عدم الالتفاف لتلك النقطة الهامة سوف يساعد على زيادة معدل الجريمة بحجة الانتقام، كما أن خوف المبلغ من الإبلاغ عن المجرم يساعد على هروب مرتكب الجرم من العقاب.