الانتقام فى صمت..
كيف أصبحت السوشيال ميديا «سلاح دون ترخيص» لتصفية الحسابات والتشهير؟
تفشت ظاهرة مرعبة مؤخرًا على السطح لضرب المجتمع المصري في مقتل، من خلال استخدام «السوشيال ميديا» فى ضرب ثوابت المجتمع وتصفية الحسابات والانتقام.
وسخر البعض البعض من معدومي الضمير مواقع التواصل الاجتماعي في أغراض دنيئة محترفين أسوأ الأساليب والألاعيب للابتزاز والتشهير والسب والقذف، كل ذلك يحدث عبر الصفحات الوهمية وحسابات «الفيك» والتي تتم من خلال أرقام هواتف «مضروبة».
وتزايدت معدلات تلك الظاهرة كالسرطان فى جسد المجتمع، جرائم تهدد الجميع ولا يسلم منها أحد، ما بين صور مفبركة وفيديوهات مركبة واستخدام تقنيات حديثة لبث فيديوهات مزيفة لأشخاص شرفاء بقصد ابتزازهم أو التشهير بهم.
وبالرغم من النشاط الدائم والملحوظ من قبل الأجهزة الأمنية، إلا أن هؤلاء لا يرتدعون وقليل جدًا منهم من يسقط فى قبضة العدالة، أما الكثيرون فيهربون بأفعالهم الخسيسة.
معارك خبيثة وغير شريفة وجرائم يومية يرتكبها هؤلاء بلا رادع لذا تفتح «النبأ» في السطور القادمة ملف الجرائم الإلكترونية وأسباب تزايدها في الآونة الأخيرة؟، وكيفية محاربة مجرمي الإنترنت ومنع محاولات الابتزاز بها على الأفراد والشركات والمؤسسات؟.
وتسرد «النبأ» حكايات مأساوية يعيشها ضحايا جرائم الإنترنت وسلسلة تهديدات مستمرة يتعرض لها المواطنون يوميًا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
قصة الجزائرية والشيخ الروحاني
«عائشة.ع» فتاة جزائرية الجنسية وقعت ضحية لإحدى صفحات الدجل والشعوذة بعدما قامت بالتواصل مع شاب مصري على «فيس بوك» باعتبار أنه شيخ روحاني وقادر على فك السحر وجلب الحبيب وعلاج المس.
وقعت الفتاة في شباك الشيخ الروحاني الذي طلب منها إرسال صور شخصية لها ولعائلتها وأسمائهم وجميع البيانات الخاصة بها وبعائلتها، ثم أوهمها بأنها ممسوسة من جن عاشق وطلب منها صور عارية لها ولأسرتها لكي يستطيع علاجها من السحر والمس، وبالفعل أرسلت الفتاة الجزائرية جميع الصور الخاصة بها وبأسرتها.
وبدأ الشاب في ابتزاز الفتاة وتهديدها بنشر صورها العارية على جميع مواقع التواصل الاجتماعي مقابل دفع مبلغ 120 ألف دينار جزائري، وعندما رفضت الفتاة قام بنشر الصور على جميع وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك باستخدام حساب وهمي باسم «مذكرات محمد».
وبتواصل الفتاة المجني عليها مع أحد المحامين المصريين، والذي بدوره قام بمساعدتها في تحرير محضر ضد مستخدم الحساب المذكور.
تلقت الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بلاغا من إيهاب المنصوري المحامي، وكيلًا عن «عائشة» يفيد بتضررها من مستخدم الحساب المسمى «مذكرات محمد» بنشر منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك يتضمن صور خاصة بموكلته مصحوبة بعبارات سب وقذف وإساءة وتشهير وتهديد وابتزاز.
وبإجراء التحريات اللازمة، تبيّن أن صاحب الحساب المستخدم شاب يدعى «محمد.ر.خ»، مقيم بمحافظة سوهاج، حيث أكد الفحص الفني صحة استخدامه لتلك الصفحة المذكورة، وتم القبض على المتهم وجار اتخاذ الاجراءات اللازمة حيال الواقعة.
التهديد بصور خاصة
وفي واقعة أخرى، تلقت الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بلاغا من سيدة تدعى «ن.م» تعمل مهندسة، تتهم طبيب أسنان بالتشهير بها والإساءة لسمعتها ونشر صور خاصة بها عبر صفحة وهمية على «فيس بوك».
وقالت المجنى عليها، إنها تتعرض لحملة قذرة للتشهير بها من خلال إحدى الصفحات الوهمية، متهمة طبيب أسنان شهير بأنه المسئول عن تلك الصفحة نظرًا لحصولها سابقًا على أحكام قضائية ضده.
وفي وقت سابق، قررت محكمة جنح العجوزة حبس طبيب أسنان شهير، سنتين وكفالة 50 ألف جنيه، لاتهامه بالتسبب في جرح وإيذاء المجني عليها «ن.م» والتسبب في عاهة مستديمة لها نتيجة خطأ طبي في أثناء جراحة وتجميل الأسنان، بأحد المراكز الطبية التابعة للمتهم بشارع جامعة الدول بالمهندسين.
نار الانتقام
وفي السياق ذاته، تعرضت السيدة «إيمان.أ» لسرقة هاتفها المحمول من قبل طليقها والذي قاد حملة مكثفة لتشويه سمعتها ونشر صورها الخاصة عبر صفحة وهمية على «فيس بوك»؛ وذلك انتقاما منها لوجود خلافات سابقة بينهما.
وتوجهت «إيمان» لمباحث الإنترنت وقامت بتقديم العديد من الشكاوى لوقف هذه المهزلة، إلا أن مستخدم الحساب الوهمي ما زال يمارس نشاطه القذر بشكل يومي ويقوم بنشر صور خاصة وإساءة سمعتها والتشهير بها إلى جانب عبارات السب والقذف.
وناشدت المجني عليها كافة الأجهزة المعنية بضرورة القبض على هؤلاء وكشف الحيلة الخبيثة التى استخدموها وتقديمهم لمحاكمة عاجلة وفضح أساليبهم القذرة فى التشهير والابتزاز، ورغم أنها لجأت لكل السبل القانونية والشرعية إلا أنها لازالت تعانى من شرور هذه الصفحات والقائمين عليها ولكنها أكدت أنها كلها ثقة فى الأجهزة الأمنية لكشف هؤلاء وتتبعهم والقبض عليهم.
من جانبه يقول المستشار إيهاب المنصوري، المتخصص بالجرائم الإلكترونية والجنائية ومسؤول مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لـ«النبأ» إن الابتزاز يتوفر في 5 صور مختلفة منها الحصول على صور وفيديوهات خاصة بالوعد بالزواج والارتباط، والإعلانات عن منتجات العناية النسائية، والتي يطلب القائم على ذلك صور للفتيات لبعض الأماكن الحساسة، وعمليات الهاكرز والاختراق، علاوة على الدجل والشعوذة بإيهام المجني عليهن فك أعمال سحرية مقابل إرسال صور خاصة لهن، بالإضافة إلى إعلانات التوظيف.
وحول خطوات إثبات حالة الابتزاز، أوضح «المنصوري» أهمية تفعيل تسجيل الشاشة، وهي بخلاف الـ«سكرين شوت»، فإن الأخيرة غير معترف بها قانونًا، لكون بعض المبتزين يقومون بحذف الرسائل للهروب من الملاحقة القانونية، لذلك يفضل تفعيل خاصية تسجيل الشاشة بالهاتف أثناء عملية الابتزاز، أو تنزيل برامج تقوم بهذه المهمة إذا لم تكن متوفرة في الهاتف.
كما نصح «المنصوري»، أنه في حالة الابتزاز عبر تطبيق «واتس أب» يفضل حذف اسم المبتز حتى يظهر الرقم أثناء قيام الشاشة بالتسجيل.
وعن طريقة تعامل الضحية مع المبتز، يوضح أنه يفضل أن تكون بالاستدراج، حيث يتم عرض مبالغ مالية عليه، حتى تتحول القضية من جنحة إلى جناية.
وأضاف: «ولو طلب المبتز مبالغ مالية تبدأ الضحية في التفاوض معه حول المبلغ، أما في حالة طلب المبتز لإقامة علاقة محرمة مع الضحية، تحاول المماطلة معه».
وحول الإجراءات القانونية الواجب اتباعها، قال «المنصوري» إنه يفضل اللجوء إلى رجل قانون ذو ثقة لوضع الأمر بين يديه أو الاتصال على رقم «108» الخاص بالإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات.
وأشار المستشار إيهاب المنصوري، إلى أنه لتحرير محضر يتم الذهاب إلى إدارة مباحث الإنترنت بمديرية أمن المحافظة، أو الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بالمنطقة المركزية في العباسية بالقاهرة داخل أكاديمية الشرطة القديمة.
وأكد، أنه يجوز لكل شخص يحمل بطاقة الرقم القومي، تحرير المحضر بمفرده، دون معرفة الأهل، معقبًا: «وبعد تحرير المحضر يتم أخذ رقم المحضر، وانتظار الفحص الفني للبصمة الإلكترونية، وصولًا لمستخدم الحساب المبتز، أو مستخدم الرقم الذي تم الابتزاز منه».
وقال «المنصوري»، إنه ما دام تم الابتزاز حتى وإن كان برضى الضحية، تكون وفقًا لقانون رقم 175 لعام 2018، القانون الخاص بالعقوبات الخاصة بجرائم تقنية المعلومات، فإن الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، واصطناع مواقع أو حسابات خاصة، أو انتحال شخصية شخص آخر، تتم المعاقبة بمدة سجن لا تقل عن عام، أو غرامة من 50 ألف جنيه إلى مائتي ألف جنيه، أو بهاتين العقوبتين.
وأضاف: «أما الابتزاز بالصور والفيديوهات، لا تقل العقوبة عن السجن لمدة لا تقل عن 6 أشهر، أو بغرامة من 50 ألف جنيه إلى مائتي ألف جنيه، أو بهاتين العقوبتين».
وتابع: «عندما يكون الابتزاز بموجب مبالغ مالية، تكون جناية وليست جنحة، وهذه عقوبتها لا تقل عن ثلاث سنوات سجن».
من جانبها ترى الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم أجمع في الوقت الراهن يحمل المزايا والعيوب على حدًا سواء، حيث هناك من يقوم بسرقة الصور والمعلومات والبيانات الخاصة بالمواطنين واستغلالها لصالحه أو ابتزاز الضحية.
وتابعت: «فهذا يدل على المرض النفسي الذي يعاني منه هؤلاء الذين يقومون بالابتزاز»، مؤكدة أن معاقبتهم قانونيًا ضرورية جدًا لمواجهة هذه الجرائم الإلكترونية التي يتعرض لها المواطنين.
وأوضحت «خضر» أن البعض يقومون بالابتزاز بهدف الحصول على الأموال أو غيرها من الأمور غير المشروعة أو من أجل التسلية، ويعرضون حياة المواطنين للخطر، حيث أن الابتزاز قد يدفع البعض للانتحار كما هو حدث في الجرائم التي وقعت خلال الفترة الماضية، مطالبة وسائل الإعلام بزيادة دورها التنويري والتوعوي للمواطنين بشتى الطرق لمواجهة هذه النوعية من الجرائم وحماية أفراد المجتمع.