رئيس التحرير
خالد مهران

الدكتور محمد حمزة يكتب: هل المقابر الأثرية والتراثية وقف أم ملك للدولة؟

النبأ

كثر الجدل في الفترة الأخيرة حول المقابر الأثرية والتراثية أو التاريخية بالقرافة المسجلة منها ام غير المسجلة من حيث كونها ملكا للدولة وبالتالي تتصرف فيها كيفما تشاء للمنفعة العامة وان هناك تجارب سابقة في هذا المجال؛؛
 والحق  إن قانون الآثار  ولائحته التنفيذية رقم117لسنة1983م وتعديلاته قد حسم الأمر سواء في احكامه العامة أو في اللائحة التنفيذية فالمادة6من الأحكام العامة
تنص على ( تعتبر من الأموال العامة جميع الآثار العقارية والمنقولة والأراضي التي اعتبرت أثرية عدا ماكان وقفا أو ملكا خاصا فيجوز تملكه وحياته والتصرف فيه في الأحوال والشروط  المنصوص عليها
في هذا القانون ولا ئحته التنفيذية)
وهذا يعني  أن المقابر المسجلة وغير المسجلة بالقرافة ليست من الأموال العامة للدولة. وتؤكد المادة6من اللائحة ذلك فتنص علي(فيما عدا الاوقاف والأملاك الخاصة وفقاالأحكام القانون تعتبر جميع  العقارات الأثرية والآثار المنقولة والأراضي التي اعتبرت أثرية وفقا لأحكام القانون من الأموال العامة وتطبق عليها جميع أحكام المال العام وفقا لقانون العقوبات   أو غيره من القوانين  ذات الصلة) فهل هناك وضوح اكثر من ذلك؛؛؛
ويزداد الأمر وضوحا  وجلاءا  من خلال المادة30 من الأحكام العامة والتي تؤكد على ان أعمال الصيانة والترميم  هي من صميم   إختصاص
المجلس على إن  تتحمل وزارة الاوقاف وهيئة الاوقاف  المصرية وهيئة الاوقاف القبطية نفقات ترميم وصيانة العقارات  التابعة  المسجلة لها أي الموقوفة لأنها ليست من الأموال العامة.
وعلى ذلك يجب أن يصمت المفتون بغير علم بالقانون احكامه ولائحته وكذلك رجال الإعلام والصحافة الذين يرددون أقوال لاسند قانوني لها
فهم في هذه الحالة  ينطبق عليهم قول القائل
خليفة في قفص بين وصيف وبغا
يقول مثلما قالا له كما تقول الببغا
هذا عن القانون أما عن  التاريخ واحكامه الفقهية وفتاويه فيمكن القول إن  القرافة كانت وقفا على دفن موتى المسلمين من قبل الخليفة عمر بن الخطاب (ت اواخر23هجرية) عقب الفتح العربي الإسلامي لمصر بقيادة عمرو بن العاص  فاتحها واول ولا تها ودفن على أرضها  بموضع  قبة عقبة بن عامر بالقرافه ومعه ابي بصره الصحابي ثم عقبة بن عامر وقد أقام القبة على قبور الثلاثة صلاح الدين الأيوبي  إلا ان القبة قد  إشتهرت وماتزال بقبة ومسجد ثم قرافة سيدي عقبة؛ وكان هذا المكان يومئذ يعرف بالفج وهو الطريق المسلوك إلى الحجاز كما ورد في المصادر.
ومنذ ان وقف عمر سفح المقطم قرافة أو جبانة للمسلمين في مصر  اشتهر هذا السفح وجبانته أو قرافته بلقب غراس اهل الجنة  ومن ثم حرص الجميع على الدفن فيها وتشييد مقابر هم فيها وكان اول من دفن هو رجل يقال له عامر فقيل عمرت القرافة كما ورد في المصادر والوثائق  ولذلك كان العديد من الفقهاء لايجيزون سوي بناء الترب والمقابر بالقرافة لأنها وقف للدفن فقط؛ اما ما إستحدث  من انواع الابنية والعمائر الأخرى فلم يجيز وها  لأنها تسبب الضرر على المقابر  فافتوا بعدم جواز البناء في القرافة لأنها وقف لدفن موتى المسلمين وإنه يجب علي ولي الأمر هدم ماإستحدث فيها من الابنية
عدا المقابر والترب ومن هؤلاء ابن الجميري ت649هجرية؛ وظهير الدين التزمنتي ت682هجرية؛  والإمام ابن الرفعة ت710هجرية؛ وابن الحاج ت 737هجرية؛ ولم ينفذ الملك الصالح نجم الدين أيوب ت 647هجرية الفتوى لان والده الملك الكامل محمدت635هجرية لم يفعلها.
اما السلطان الظاهر بيبرس فكان قد عزم على التنفيذ  الا ان الوزير  تباطئ في عرض الفتوى  التي تجيز هدم ما إستحدث عدا المقابر والترب بل وسكت عنها حتى سافر السلطان إلى الشام فمات  ودفن هناك ولم يرجع لمصر ثانية وبالتالي نسي الأمر؛ وهناك نشدد على أمانة  وسرعة العرض على ولي الأمر من عدمه فلو كان الوزير عرض الأمر على السلطان قبل سفره لهدمت كل الابنية المستحدثة ؛ وأما إنه سكت وإنتظر لحين عودة السلطان  وهو الذي خرج ولم يعد فهذا يعد إخلالا بالأمانة  وهو ما قذ يتسبب احيانا في أزمات وكوارث ومحن قد لأتحمد عقباها.

وليس ادل على  ان القرافة وقف لدفن الموتى فقط  من ان الشيخ علي بن عبدالله التركي  ت 804هجرية قذ أفتى بأن القرافة   وقف لدفن المسلمين وبالتالي لا تملك  ولايحاز  منها موضع  وطبق ذلك على نفسه فكان لايمشي في القرافة إلا في الشمس ولايستظل لان جميع ما إستحدث من الابنية عدا المقابر وضع بغير حق فكيف يحل الاستظلال بها.
وعلى ضوء  التاريخ والأحكام الفقهية في العصرين الايوبي والمملوكي فإن القرافة وقفت بأمر الخليفة عمر مقبرة للمسلمين فقط  ختي تقوم الساعة ولذلك لقبت ووصفت بأنها غراس اهل الجنة كما عرفت المنطقة المجاورة للأمام الشافعي بالبقيع الثاني  وهو ما يدل على أرضها الطاهرة والمباركة والمقدسة وهذا هو ما يفسر  كثرة المقابر بها منذ عامر الذي عمرت بدفنه  القرافة ( وطالبنا المجلس بتشكيل بعثة لاكتشاف قبره وموضعه)  كأول رجل مسلم يدفن بها وتواصل  دفن الصحابة والتابعين وأولياء الله الصالحين وال البيت ممن حضروا إلي مصر  ودفنوا فيها(فضلا عن مشاهد الرؤيا الاثرية) وكذلك السلاطين والخوندات والامراء  والاميرات والشيوخ والصوفية والعلماء والأعيان والنساء والغرباء والباشوات والبكوات  والوزراء ورؤساء الوزراء والقضاةو المستشارين والمحامين والشعراء والمؤرخين وكبار الملاك  والوجهاء والصفوة والايليت وأسرة محمد علي باشا  مؤسس مصر الحديثة  و غيرهم من رموز المجتمع في كلل عصر حتى إلغاء النظام الملكي واعلان النظام الجمهوري عام1953م وهو مالايجتمع في صعيد واحد في اي  مكان آخر في العالم   ممايمثل ظاهرة  فريدة  لجبانة    انفردت بتسميتها بالقرافة والدفن  فيها مستمر خلال مايزيد عن 1420سنة
هجريةو1982سنة ميلادية فهل بعد ذلك كله نفرط في هذا التراث الفريد والوحيد على مستوى العالم ولذلك تم تسجيله في نطاق القاهرة التاريخية على قائمة التراث العالمي باليونسكوعام1979م وعلى قاذمة التراث الإسلامي بالايسيسكوعام2019م.
وعلى  ضوء ماتقدم فالمقابر  الأثرية والتراثية والتاريخية سواء المسجلة وغير المسجلة تعد وقفا لموتي  المسلمين وهذه الاوقاف تتبع وزارة الاوقاف المصرية ووثائقها كلها منشورة في أكثر من 50رسالة ماجستير ودكتوراة غالبيتها بجامعة القاهرة واقلها بالجامعات الاخري وبالتالي لايجوز هدمها  أوالمساس بها لأنها ليست من الأموال العامة للدولة  ولذلك فإنه وفقا للفتاوى المنسية السابقة والقانون117لسنة1983م  يتم الحفاظ  عليها فتبقي تلك المقابر  على حالها ويسجل غير المسجل منها طبقا للقرار الوزاري عام 2015م مع صيانتها وترميمها  وتطوير  محيطها  وتنميته  حفاظا على بيئته الأثرية والتراثية ونسيجه البىئي والبصري والعمرانية والمعماري ككل متصل دون قطع اوصاله وتفكيك مفاصله وتشويه قيمه الجمالية والفنية طبقا للقوانين ذات الصله؛ وفي نفس الوقت يجب هدم كل العشوائيات التي طغت على القرافة ومقابرها في عصور سابقة وحتى الآن نتيجة لعوامل كثيرة كانت الدولة سببا رئيسا فيها وهو ما سوف نعود إليه في مناسبة لاحقة؛
اما ماتم هدمه  فهذا هو ما يوضع في مقبرة الخالدين  مع وضع شروط وضوابط معايير مقننة لها لأنها سوف لاتقتصر على  المدفونين بالقرافة بل تمتد لتشمل كل القامات والرموز  المصرية  التي أثرت الحياة والمجتمع  وتركت بصمة في تاريخ وحضارة مصر سواء من المسلمين أو من المسيحيين ولذلك كان قرار الرئيس  االصائب بإنشاء مقبرة الخالدين إلا أنه لم يقل المسلمين  هذا من جهة كمالم يحدد موضعها وإنما قال في مكان مناسب  وبالتالي اللجنة هي التي ستحدد هذا المكان  وأعتقد أنه من الأنسب ألايكون في القرافة بل في القاهرة الجديدة أو العاصمة الإدارية لتصبح هذه المقبرة متحفا للأجيال القادمة  وضيوف مصر وزوارها في الجمهورية الجديدة  تستطع من خلاله ان  تتعرف على تا ريخ رموز هذا الوطن. ونخبته وقاماته ومن تركوا بصمتهم جلية في تاريخ هذا الوطن الحبيب.
حفظ الله مصر أرضا وشعبا وهويةوقيادة وجيشا وشرطة وحكومة رشيدة وقوة ناعمة وعلماءا وتاريخا وأثارا وحضارة وثقافة وتراثا و الخالدين من هذا الوطن في شتى الَمجالات إلي أن يشاء الله وحتى يرث الأرض ومن عليها اللهم أمين يارب العالمين.

بقلم:

الدكتور محمد حمزة أستاذ الحضارة الإسلامية وعميد آثار القاهرة سابقا