بعد التقارب وتبادل السفراء..
مصير ثروات «شرق المتوسط» وترسيم الحدود البحرية بين مصر وتركيا
وصل قطار العلاقات «المصرية - التركية» إلى محطة جديدة في سياق رحلة التقارب بين الجانبين الذي بدأ منذ عام ووصل إلى رفع التمثيل الدبلوماسي بينهما لمستوى وجود سفراء دبلوماسيين في كلا البلدين بعد انقطاع دام لأكثر من 10 سنوات.
وتستعرض «النبأ» خلال السطور التالية أهم القضايا الشائكة المقرر تسويتها بين الجانبين المصري والتركي، ومطالب كل منهما للوصول إلى تلك التسوية، وتمتلئ خزانة أسرار التقارب المصري التركي بالكثير من القضايا والملفات الشائكة التي لا بد من الاتفاق عليها لرفع سقف التقارب والعودة إلى ما كانت عليه العلاقات من قبل، وتأتي على رأسها القضية الفلسطينية وكذلك ما يتعلق بالشأن السوري والليبي، وكذلك ملف الغاز في منطقة شرق المتوسط، ناهيك عن الجانب الاقتصادي وتبادل الاستثمارات بين البلدين.
من جانبه يقول الإعلامي التركي متين تورون رئيس البيت المصري التركي في إسطنبول ومدير مكتب وكالة الأناضول السابق في القاهرة، إن هناك ترحيبا تركيا بعودة العلاقات المصرية التركية بعد 10 سنوات من الانقطاع، مبينًا أن العلاقات المصرية التركية تضرب بجذورها في التاريخ حيث عاشت الدولتان 500 سنة كدولة واحدة كبرى.
وأكد «تورون» في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن الوقت الذي انقطعت فيه العلاقات المصرية التركية كانت الخسارة للجانبين، موضحًا أن الأتراك كانوا لا يريدون تلك القطيعة في العلاقات، ولكن توجد بعض الدول التي كانت لا تريد وجود علاقات بين الدولتين، لأنهما دولتان كبيرتان، وإذا اتحدوا سيشكلون قوة كبيرة بالمنطقة، مثمنًا القفزة الأخيرة بتعيين سفير تركي جديد بدلا من القائم بالأعمال، وتعيين عمرو حماد كسفير مصري في أنقرة.
وطالب رئيس البيت المصري التركي في إسطنبول، أن تعود العلاقات المصرية التركية سريعًا على كافة أوجهها سواء الفنية أو الثقافية، وتبادل تعليم، سواء طلبة مصريين في تركيا أو الطلبة الأتراك في مصر ولا سيما في الأزهر الشريف، مشيرًا إلى وجود جمعية أعمال مصرية تركية كان أحد المؤسسين لها، وتوقف العلاقات أضر بتلك العلاقات الاقتصادية.
وأوضح، أن البيت المصري التركي كان هدفه إعادة العلاقات المصرية التركية التجارية والثقافية والفنية بعيدًا عن الجانب السياسي.
وكشف «تورون» أن السياحة التركية تضاعفت 5 أضعاف بعد فتح الغردقة وشرم الشيخ دون تأشيرة، والمصريون يأتون إلى تركيا، ووصل حجم الاستثمارات التركية إلى 5 مليارات دولار، وقبل انقطاع العلاقات كان قد وصل إلى 10 مليارات دولار.
وأردف، أنه بعد عودة العلاقات المصرية التركية يوجد العديد من القضايا الشائكة التي تحتاج تضافر الجهود مثل القضية الفلسطينية، لأن مصر تلعب دورا مهما في هذا الشأن، وكذلك ملف إعادة العلاقات التركية مع النظام السوري، والقضية الليبية، معقبًا: «عودة العلاقات المصرية التركية يمكن أن تساهم بشكل كبير في إحداث تقدم في تلك الملفات سواء في توطيد العلاقات المصرية مع طرابلس أو التركية مع بنغازي، والاستخبارات المصرية والتركية والليبية تناقش هذا التقارب».
وأشار «تورون» إلى أن أنقرة تعتبر مصر بوابة لإفريقيا، وكذلك مصر تعتبر تركيا بوابة إلى آسيا الوسطى مثل أوزبكستان وتركمانستان والعديد من الدول.
بينما كشف محمد أبو سبحة، الباحث المصري في الشئون التركية، أن تركيا بذلت جهودًا كبيرة في السنوات الماضية لاستعادة علاقتها مع مصر، وكانت القاهرة في مقدمة الدول التي تسعى أنقرة لإصلاح العلاقات معها، لكن تركيا نجحت في تطبيع علاقاتها بشكل أسرع مع دول أخرى في الشرق الأوسط قبل مصر، مما يشير إلى أن الوصول إلى المرحلة الحالية بتبادل تعيين السفراء، جاء بعد جهد كبير ومفاوضات مكثفة حول قضايا ثنائية وأخرى مشتركة، تشمل الوضع في ليبيا وسوريا والعلاقات مع قبرص واليونان وملف الغاز في شرق المتوسط.
وأكد «أبو سبحة» في تصريح خاص لـ«النبأ»، أن الحديث التركي علنا عن الرغبة في تسوية الخلافات مع مصر واستعادة العلاقات بدأ في عام 2021، لكن القاهرة كانت متأنية في الاستجابة للرغبة التركية، وحريصة على رؤية خطوات جادة وضمانات حقيقية من أنقرة، التي أثبت حسن نواياها عبر تحجيم نفوذ الإخوان على أراضيها وتضييق المساحة الممنوحة لهم منذ عام 2013، ثم من خلال تقليص تحركاتها العسكرية في ليبيا المجاورة، وتقليل عدائها للحكومة السورية شيئا فشيئا.
وأوضح الباحث المصري في الشئون التركية، أن تركيا ومصر في مرحلة جديدة من تدشين العلاقات المبنية على التفاهم والتنسيق المشترك، ينتظر أن تنعكس إيجابًا على شعبي البلدين والمنطقة، فكلا البلدين له ثقل سياسي وقيمة تاريخية ودينية، وتحالفهما يؤهلهما للعب دور بارز على الساحة الدولية في المستقبل.
وبيّن «أبو سبحة»، أنه من المتوقع أن الفترة المقبلة ستشهد زيادة الاستثمارات التركية في السوق المصري خاصة بمجال الزراعة والإنشاءات، والعمل على رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين الذي لم يتأثر طوال فترة القطيعة السياسية، وزيادة حركة السياحة والذي بدأ مع إعلان القاهرة منح السياح الأتراك تأشيرة عند الوصول، وهو إجراء ينتظر تطبيقه بالمثل بالنسبة للسياح المصريين.
وأشار الباحث في الشئون التركية، إلى أن المنتظر خلال الفترة المقبلة أن ينخرط البلدان في التنسيق سويًا في ملف شرق المتوسط المعقد، حيث تريد أنقرة الاحتماء بمصر لمنع أي قرارات سلبية قد تتخذها دول منتدى غاز المتوسط، خاصة أن مصر أبدت احتراما لحدود الجرف القاري التركي عند ترسيم حدودها البحرية مع اليونان وقبرص، ولاحقا قد تسعى تركيا إلى أن تكون جزءًا من منتدى غاز المتوسط بمساعدة مصر للتغلب على التوترات مع اليونان وقبرص خاصة أنهم حلفاء للقاهرة.
بينما كشف منير أديب، الخبير بشئون الجماعات الإرهابية، أن جماعة الإخوان المسلمين بدأت أن تبحث عن ملاذات آمنة خارج دولة تركيا منذ أكثر من عام بعدما سمعت عن محاولات التقارب المحتملة بين مصر وتركيا، وهذا التقارب أخذ شكلا ملموسا بوجود سفير مصري في إسطنبول وآخر تركي في القاهرة، مما دفع السلطات التركية أن تلقي القبض على أشخاص مصريين منتمين لجماعة الإخوان المسلمين ممن لم يحصلوا على الجنسية التركية أو مما ليس معهم إقامة أو قاموا بانتقادات للسلطات المصرية على غرار ما كان يحدث في السابق منذ عام 2013.
وأكد «أديب» في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أنه أصبح وضع الجماعة مختلفا وأصبح عناصر الجماعة يبحثون عن ملاذات آمنة في أوروبا وإفريقيا، مثل كينيا وصوماليلاند التي لجأ إليها القيادي الدكتور حلمي الجزار أحد قيادات التنظيم الدولي ونقلوا إليها ما يقارب المليار دولار وأقاموا مشروعات عملاقة هناك، حيث انتقل ما يقارب من 3 إلى 5 آلاف من عناصر التنظيم إلى تلك الدولة، وغير ملاذات آسيوية مثل ماليزيا، مبينًا أن مزيد من التقارب سيصنع مزيد من العزلة للجماعة.
وأضاف الباحث في شئون الجماعات الإرهابية، أنه رغم ذلك جماعة الإخوان المسلمين المصرية تمارس أنشطتها بحرية داخل تركيا ولكن هناك توجيهات من القيادة التركية بعدم توجيه انتقاد علني حاد للسلطات المصرية، مبينًا أن السلطات التركية لم تستجب للسلطات المصرية بشكل كامل في تسليم قائمة بها 100 شخص من الإخوان ممن قاموا بعمليات إرهابية في مصر أو صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية في أعمال عنف، مما يدل أن السلطات التركية لديها حدود في الاستجابة للمطالب المصرية بشأن الإخوان المسلمين المتواجدين على أراضيها.
بينما أوضح الدكتور رمضان أبو العلا، أستاذ هندسة البترول بجامعة قناة السويس، أن الموضوع له شق سياسي وشق اقتصادي، على المستوي السياسي أي رفع لمستوى العلاقة شيء إيجابي للجانبين، حيث لا يمكن أن تستغنى تركيا عن السوق المصري أو عن العلاقة التي تربط بين البلدين.
وأكد «أبو العلا» في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن الانضمام لمنتدى غاز شرق المتوسط كان أملا تركيا، والذي مركزه القاهرة وتشارك فيه 7 من دول حوض شرق المتوسط ويوجد ثلاث دول غير موجودين وهما تركيا وسوريا ولبنان والجانب المصري قام بعمل علاقات وثيقة جدا في قمم ثلاثية بين مصر وقبرص واليونان.
وأضاف أستاذ هندسة البترول بجامعة قناة السويس، أنه إذا حدث ترسيم حدود بحرية بين الجانب المصري والتركي سيستفاد منها الجانب المصري استفادة عظيمة وسيستفاد منها أيضًا الجانب التركي، ولذلك تقدم الجانب التركي عدة خطوات للجانب المصري، معقبًا: «كل دولة تسعى لتحقيق مصلحتها، فإذا وجدت مصر مصلحتها مع تركيا لا يستطيع أحد لومها».
ولفت «أبو العلا»، إلى أن الجانب التركي كان يتصرف بعشوائية من أجل وضع قدمه في منطقة شرق المتوسط، وذلك عبر الاتفاقية التي وقعها مع رئيس الوزراء السابق لحكومة الوحده الليبية فايز السراج، وهي اتفاقية هلامية ليس لها أي سند من القانون أو الأعراف الدولية ولا تساوي ثمن الحبر التي وقعت بها.
وأوضح أستاذ هندسة البترول، أن تركيا خطت خطوات جادة لوضع قدمها في منطقة شرق المتوسط وعلمت أن ذلك لن يأتي إلا عن طريق مصر والالتزام بالقوانين والمعاهدات الدولية، خاصة أن الشركات الدولية للتنقيب والاستكشاف لن تضخ أي استثمارات في منطقة فيها احتقان عسكري أو سياسي.