أثناء مناقشة قانون الأحوال الشخصية..
فتاوى «حق الكد والسعاية» تشعل أزمة تقاسم المرأة ثروة زوجها داخل البرلمان
أثارت مناقشة «حق الكد والسعاية» حالة من الجدل الواسع أسفل قبة البرلمان حول وضعه كقانون بذاته أو إضافته كمادة بقانون الأحوال الشخصية يسمح للمرأة العاملة بتقاسم ثروة زوجها حال طلاقها منه أو وفاته، لا سيما أن المقترح لم يكن جديدًا ويستند لكثير من الفتاوى، أهمهم مطالبة شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب بإعادة إحياء فتوى حق الكد والسعاية للمرأة، وهي فتوى تقضي بحق ونصيب معلوم للمرأة في مال زوجها؛ ويصل إلى نصف ثروته؛ سواء في حالة الطلاق أو الوفاة؛ وذلك نظير «كدها وسعيها» مع زوجها وعملها ومشاركتها له في تكوين تلك الثروة.
وتطرق مؤيدو هذا القانون، إلى دوافع تطبيقه، بلجنة الأسرة والتماسك المجتمعي بالحوار الوطني، وخصوصًا في تلك الجلسة التي حملت عنوان «مشكلات ما بعد الطلاق: الطاعة والنفقة والكد والسعاية»، وتحاور الحضور حول سبل تطبيق القانون هذا بما حق «الكد والسعاية»، باعتبار أنه سيحفظ حق الزوجة المالية؛ فيما يرى معارضوه أنه يصعب تطبيقه في الوقت الحالي، كما أنه يفرغ فكرة الزواج عن مضمونها ويحولها لشراكة مالية.
وفي هذا السياق، أكد المستشار أيمن محفوظ، الخبير القانونى والمحامى بالنقض، استحالة تطبيق حق الكد والسعاية من الناحية القانونية، خاصة أنه يصعب إثبات الحقوق المالية بين الزوجين.
وأضاف في تصريح خاص لـ«النبأ» أن تبنى المؤسسة الدينية لمبدأ الكد والسعاية هو بالطبع رغبة من الأزهر فى إعلاء القيم الروحية وضمان سلامة الأسرة المصرية وصون حقوق المرأة بصفتها الطرف الأضعف فى المنظومة الحياتية، مشيرا إلى أنه غرض نبيل من شيخ الأزهر ومحاولته فرض ذلك الهدف العظيم على المنظومة القانونية، ولكن القيم الروحية النبيلة لا تتسق دومًا مع طبيعة الحقوق القانونية، لأن لها طبيعة خاصة ترتبط بقواعد الإثبات التى نظمها القانون.
وأشار «محفوظ»، إلى أن القاضى الذى يحكم وفق قانون مرتبط بالأدلة والمستندات وشروط تنظيمية قد يرى أن للخصم فى الدعوى حق ولكن لا تؤيده قواعد الإثبات أوالشروط الشكلية التى فرضها القانون، ومنها يحكم برفض دعوى الخصم صاحب الحق مبدئيًا.
وتابع: «أما مسألة الكد والسعاية التى طالب بتطبيقها شيخ الأزهر يصعب إثبات قيمة الحق فيها قانونًا»، مشيرًا إلى أن القاضى إذا أراد أن يحكم للخصم فى الدعوى يجب أن يكون مقدرًا ومحددًا القيمة، ولكن الرأى القائل بأن الزوجة ستحصل على نصف ثروة الرجل إجمالًا فى حالة الميراث أو الطلاق لمجرد كون المرأة حصلت على صفة زوجة فهذا إهدار لمبدأ العدالة لأن هناك سيدات لا يعملن ولا تضيف إلى اقتصاد الأسرة أية حصيلة مادية، أو أن الزوج قد يكون حرم نفسه طول الحياة الزوجية من متع الحياة ويقدم حق زوجته على حقوقه وبالتالى تكون قد حصلت على كل شيء أثناء زواجهما بينما لم يحصل الزوج على أى شيء.
ونوّه الخبير القانونى، إلى أن هناك الزوجة المستبدة التى تغتصب حقوق أسرتها لأنانيتها والأمثلة لا حصر لها، ولكن علينا أن نعاود البحث عن الفكرة ومصدرها التاريخى قبل التحمس لها.
ولفت إلى أن تلك الفتوى قضى بها سيدنا عمر بن الخطاب فى واقعة خاصة وبشروط خاصة ثم أيده فيها بعض الأئمة والفقهاء، وهى فى النهاية ليست فتوى لها مرجعية لنص فى القرآن أو السنة المؤكدة فلا يجب تعميم الخاص على العام.
واستكمل المحامى بالنقض حديثه قائلًا: «يجب على الحق القانونى أن يكون خاضعًا للتنفيذ من قبل الجهات القضائية، وفتوى الكد والسعاية وإن كانت تحقق مصلحة للمرأة لكنها تتعارض مع المصلحة العامة وتخالف القانون والدستور الذى نصت المادة 53 منه على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم».
وتابع أن القانون المصرى وكافة التشريعات لها انحياز منطقى للمرأة بل إن المعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر تحاول الحفاظ على حقوق المرأة نص المادة 93 من دستور عام 2014، والتى نصت على أن «تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة»، مشيرًا إلى أن هذا المقترح يتعارض مع قوانين سارية مثل قوانين حماية الملكية الخاصة وقانون سرية حسابات البنوك وغيرها من القوانين.
وأكد الخبير القانونى، أن حق الكد والسعاية سيفتح الكثير من المفاسد والمشاحنات داخل الأسرة المصرية التى نحاول أن نحافظ عليها لأنها نواة المجتمع ويسهل كذلك التهرب بمنتهى السهولة من أداء هذا الحق بأساليب عديدة مثل أنه قبل الطلاق -سواء تم بإرادة الزوج أو بحكم قضائى- قد يقوم الزوج بكتابة أملاكه للغير بعقود صورية، أو يحول أمواله للغير مع أخذ الضمانات بأوراق رسمية، أو أن يهرب أمواله خارج البلاد أو يهرب الزوج نفسه بأمواله للخارج، مؤكدًا أن تلك فتوى تحمل الخير فى طياتها وتفرض واجبًا أخلاقيًا ولكنها لا يمكن أن ترقى باعتبارها قانونًا يمكن تطبيقه.
في المقابل، أكد الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق، أن الإسلام أعطى للمرأة حقها، مستشهدا بقوله تعالى: «وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا (4) ». النساء
وأضاف في تصريح خاص لـ«النبأ» أنه ليس هناك ما يمنع هذا القانون، لأن قول الله يؤكد أن للمرأة حق وذمة مالية، مسؤولة عنها، فلا مانع إطلاقا من أن يكون للمرأة ذمة مالية، وهذا ما كفله لها الشرع قبل القانون.
وتابع: «لذلك ينبغي على المرأة العاملة التي تخرج للعمل، أن تضع شيئًا في البيت من دخلها، مقابل خروجها للعمل، وما بقى من حقها فهو ذمة مالية خاصة، لها الحق في أن تتصرف فيه كيفما شاءت، ولا غبار عليها».
واختتم حديثه قائلًا، إن شرط القانون أن يكونوا هما الاثنين مشتركين في هذه الثروة، وإذا كان هو له دخل أكبر في تكوين الثروة، فلكل منهما كلا قدر دخله، مشيرا إلى أن الأصل في المعاملة بين الرجل وزوجته سكن ومودة ورحمة والرجل مسؤول عن النفقة على زوجته بكافة وجوه النفقات من مأكل ومشرب ومسكن وعلاج على قدر سعته.