هل ينتصر القانون على الأعراف؟
لغز منع تسليم الأكفان خلال الصلح الجلسات العرفية بقرار من «جهة أمنية»
أثارت إجراءات مديرية أمن القاهرة، بشأن إلغاء تقديم الأكفان في الجلسات العرفية، جدلًا واسعًا بين المواطنين، خاصة وأن تلك الجلسات لها دور كبير في حقن الدماء بين المواطنين وفض المنازعات المستعصية فيما بينهما.
ويعتقد عدد كبير من المواطنين خاصة في المناطق الشعبية، أن الجلسات العربية هي القضاء البديل، وأن «قماش الكفن» هو من يطفئ نيران الثأر بين الأهالي في حالات القتل.
وتحاول «النبأ»، خلال السطور التالية، كشف الأسباب الحقيقة وراء دوافع الأجهزة الأمنية في محافظة القاهرة لإلغاء منع تسليم الأكفان في جلسات الصلح العرفية في حالات الثأر والدم.
سر قرار القيادات
من جانبه، يقول اللواء بدوي هاشم، الخبير الأمني، إن قرار القيادات الأمنية بإلغاء تقديم الكفن في الجلسات العرفية داخل حدود مديرية أمن القاهرة، صائب وخيار صحيح، خاصة بعد واقعة كفن عين شمس والأحداث المؤسفة التي شهدتها تلك الواقعة.
وأضاف أن الخارجين عن القانون يستغلون تلك الحيل لتنفيذ غرائزهم المريضة، معقبًا: «هذه الواقعة كانت نقطة تحول من القيادات الأمنية التي كانت أول من تدعم هذه الجلسات العرفية، وترعى جلسات تقديم الأكفان، وذلك بسبب الأذى النفسي الذي تعرض له أبطال واقعة كفن عين شمس، والعقوبات التي وقعت على المتهمين».
وأضاف «هاشم»، أن الجلسات العرفية يتم الآن تقديم القرآن الكريم فيها بدلًا من الكفن كشرط أساسي لإقامة الجلسة.
وفيما يخص إمكانية إعادة فكرة تقديم الكفن مرة أخرى في الجلسات العرفية، يرى اللواء بدوي هاشم، أن الأمر صعب جدًا خصوصًا بمحيط العاصمة، مشيرًا إلى أن وزارة الداخلية تتطلع في المستقبل لإلغاء تلك العادة بكافة أنحاء الجمهورية.
وأشار الخبير الأمني، إلى أن بعض الأشخاص يستغلون تلك الجلسات العرفية ويمتهنون وظيفة محكمين عرفيين ليتربحوا من وراء تلك المجالس مبالغ مالية طائلة.
وتابع: «من المفترض أن هدف تلك الجلسات انتشار السلم وحقن الدماء لوجه الله، وليس للمصالح والسبوبة».
واختتم اللواء بدوي هاشم، حديثه مطالبًا وزارة الداخلية بمحاسبة كل من يتربح من وراء تلك المجالس العرفية، ومن يحاولون تلويث هذه العادة والفكرة السامية.
وأد الفتنة
وترجع فكرة تعميم المجالس العرفية في البلاد وانتشارها بهذا الشكل جراء أحداث 2011 وانتشار الفوضى وزيادة المشاجرات والقتلى في الشوارع.
وفي هذا الصدد، يقول الشيخ عصام الجهيني، أحد المحكمين العرفيين، إن القضاء العرفي في مصر كان ومازال الوسيلة الأساسية لفض المنازعات وإنهاء الخصومة بين العائلات دون اللجوء إلى المحاكم الرسمية -على حد قوله-.
وأضاف أن حكم المجالس العرفية نهائي وبات ويلتزم به طرفي النزاع، لافتًا إلى أن الجلسات العرفية في محافظات الصعيد وبين البدو في المحافظات الحدودية لها قوانين خاصة تختلف عن قوانين الدولة، معقبًا: «قواعدنا ليست مكتوبة ولكن تتوارثها الأجيال، ويلجأ لنا الأهالي لسرعة إصدار الأحكام».
والتقط أطراف الحديث، الشيخ سيد أبو غياض، أحد القضاة العرفيين بجنوب القاهرة والجيزة، والذي بدأ حديثه لـ«النبأ» متذكرًا أول جسلة عرفية حضرها في منطقة عرب أبو ساعد، رفقة والده الشيخ محمد أبو غياض، والذي يُلقب بـ«كبير العرب»، عندما شاهد رجلا يسير ببطء وسط الأهالي حاملًا «قماشة بيضاء» على يديه -كفن- وسط حراسة رجال الأمن ويقوم بتقديمه لإحدى العائلات.
وتابع: «سمعت أحد الأشخاص يهمس في أذني بأنه حكم على نفسه بالموت وأنه طالب السماح والعفو من أهل القتيل الذي سوف يقبلون الصلح لتنطفي نيران الثأر الذي قد يروح ضحيته العشرات».
واستكمل «غياض» حديثه مؤكدًا أن الجلسات العرفية تبدأ بـ«سائرة خير» في طريق الصلح فهي طرق بدعها العرب، وبدأ الناس بالصعيد في أخذ تلك الطريقة، وتطبيقها، حيث إن كلمة الجلسات العرفية كلمة مشتقة من العرف وهو ما تعارف عليه الناس، وهو ما لا يخالف شرع الله، في الدين الإسلامي.
وأضاف: «بمعنى أنه لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا، حيث يتم دفع فدية أو ما تسمى بـ "الجودة" وتعني أن القاتل يذهب بنفسه أو يذهب شخص آخر من عائلته وذويه إلى عائلة القتيل يطلب منهم العفو والتسامح عما بدر من القاتل من تعديه بالقتل، ويقدم بين يديه كفن وهي قطعة من القماش الأبيض يحمله في حضور أهالي القرية، مما يظهره أمام الجميع أنه يرهن حياته أمامهم ويطلب منهم العفو وكأنه يقدم حياته أمامهم ليفعلوا به ما يشاؤون».
ويختتم حديثه قائلًا، إنه منذ ميلاده وحتى وصل لأن يكون من كبار المحكمين العرفيين ومتعارف أن تقديم الكفن شيء أساسي في إنهاء الخصومات وحقن الدماء، وأن أكثر الجلسات لا يهتم الطرف المجني عليه بـ«الجودة» أو أخذ الأموال، لكن يكون شرطه الأساسي تقديم الكفن أمام الحاضرين وبحضورالعائلتين.