رئيس التحرير
خالد مهران

صبري الموجي يكتب: وماذا بعد أكتوبر؟

الكاتب الصحفي صبري
الكاتب الصحفي صبري الموجي مدير تحرير الأهرام

 خمسون عامًا مضتْ كلمح البصر على معركة العزة والكرامة، والثأرِ للوطنية والشرف، والذود عن الأرض، وتخليصها من يدٍ آثمة لمُعتد غشوم، اعتمد في هيمنته وقمعه على أسباب مادية بحتة، ونسى إرادةَ المصريين الحرة، التي ربما تنكسر أحيانا، ولكنها أبدا لا تموت!


من تلك الأسباب المادية خطُّ بارليف الحصين، وكان ساعتئذ أقوى خط دفاعى فى التاريخ الحديث، يبدأ من قناة السويس، وحتى عمق 12 كيلو مترا فى شبه جزيرة سيناء.


ومكمنُ قوة ذلك الخط فى أنه يتكون من 3 خطوط دفاعية، جعلت اختراقه ضربًا من الخيال، وأمنية بعيدة المنال.


الخط الأول يمتد بطول الضفة الشرقية لقناة السويس، يليه ويسير بمحاذاته الخط الثانى بسُمك يتراوح من 3: 5 كيلو مترات، ويتكون من تجهيزات هندسية، ومرابض للدبابات والمدفعية، بعدهما يأتي الخطُ الثالث بعرض يتراوح بين 10: 12 كيلو مترا، مُشتملًا على مُدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية.


هذه الخطوط الدفاعية المُمتدة لنحو 170 كيلو مترًا بطول القناة، رسختْ فى يقين ووجدان عدو صهيونى بغيض، أصابه الصلفُ والغرور - أن مصر لن يُمكنها تدميره حتى يلج الجملُ فى سَمِّ الخياط!


ومن قبل إسرائيل، اعتقد العالمُ أجمع أن تدمير هذا الخط لن يتحقق إلا باستخدام القنبلة الذرية، التى لا تمتلكها مصر، ومن ثم، فسيبقى غصة في حلق جنودنا البواسل، وعقبة كئودا، يصعب أو يُحالُ  تخطيها!


لم يَفُتْ ذلك فى عضد خير أجناد الأرض، ولم يُصب مُتخذى القرار بالخوار والارتباك، بل وصلَ الرئيسُ -المؤمن- محمد أنور السادات -رحمه الله- الليل بالنهار، يُجهزُ لتلك المعركة؛ لينفض عن المصريين آثار النكسة وعار الهزيمة.


وبعد تخطيطٍ وتدريب، واستعانة بأكفأ القادة، وإلمام بالثغرات فى صفوف العدو، جاء قرارُ الحرب لردِّ الكرامة، وأرضٍ استبيحت بغير حق.


كانت حربُ أكتوبر، واستبسالُ جنود مصر، وتدميرُ خط بارليف، واقتحام قناة السويس سيمفونية رائعة، ومنهجًا يُدرس في تاريخ العسكرية، وهو ما أصاب قادة إسرائيل بالذهول، وجعل  (موشى ديان)، يقول ساخرًا: إن هذا الخط كان كقطعة الجُبن الهشة.


واعتبرت صحيفة "اليونايتد برس" أن سقوط خط بارليف أسوأ نكسة أصيبت بها العسكرية الإسرائيلية.


وها هي ذكرى النصر الخمسون، تهل فتفعمنا فخرا وعزة وتيها بمعركة تُدرَس في فنون الحرب والقتال والتخطيط، أوقد فتيلها إيمانٌ راسخٌ لدي القائد والجنود بحق مصر في الاستقلال، وهيمنتها على كامل أرضها. 


ولو سلمنا بأحقيتنا فى الفخر بهذا النصر الذى جاء نتيجة جهد وعرق وصبر وكفاح، فإنه ليس من حقنا أن نكتفى بمجرد التغنى بما فعله الآباء ونبقى ( قفزة فى المكان )، أو (محلك سر) دون خطوة للأمام.

إذ إن الفخر بصنيع الآباء والأجداد لا يبنى أمما، ولا يشيد حضارات، بل يصنعهما العمل والإرادة من قبل المواطنين قبل المسئولين.


إن دولة كالهند، التى كان يُضرب بسكانها المثلُ فى عدم الفهم، فيقول المرءُ لمن لا يستوعب كلامه: (هو أنت هندى؟ ).. أقول صارت هذه الدولة أولى دول العالم فى البرمجيات والكمبيوتر، حتى أصبح معظم مُديري الشركات بالعالم من أصل هندى، وصارت ماليزيا من نمور آسيا الصناعية، وخطت دولُ الخليج خطواتٍ واسعة فى طريق التقدم، وأضحت الصين وكوريا من أهم الدول الصناعية، ناهيك عن اليابان التى سبقتنا بمئات السنين، رغم بدايتها من الفقر والجدب والخراب بعد قُنبلتي هيروشيما وناجازاكى. 

وأخيرا أؤكد -يا سادة- أن نصر أكتوبر ليس حفلا يُقام، أو أغنية تُغنى، أو فيلما يُعرَض، بل هو دعوة للعمل والبناء، هو تجسيدٌ للإرادة الحرة.