رئيس التحرير
خالد مهران

صبري الموجي يكتب: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا!

الكاتب الصحفي صبري
الكاتب الصحفي صبري الموجي

لم يَزد قولُ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في حق من خرجوا عليه وهو ولي أمر المسلمين في معركة الجمل علي عبارة: (إخوانُنا بغوا علينا)، فلم يصفهم بالشرك، ولا النفاق، ولم ينفِ عنهم الإسلام، إنما نفي عنهم الإيمان أو كماله.

ولا غرو فإن عبارةَ علي رضي الله عنه أكبرُ دليل علي حرص الإسلام على الألفة والجماعة، أما التشرذمُ والفرقة وتبديعُ المسلمين بعضهم بعضا، بل وتكفيرهم بعضهم بعضا إن دل على شيء، فإنما يدل على عوار الفكر، وقصور الفهم.

وبعيدًا عن التعصب والتشنج أقول إن كان جائزا أن يُخطئ بعضُنا بعضا في أمور العقيدة، وما كان قطعيَّ الثبوت، مادام قد توافر الدليلُ علي خطأ المُخالف، وعُلم مناط النص ومقصدُه، وغيرها من القواعد الأصولية، فإنَّه لا يجوز  تخطيئةُ بعضنا في الأمور المُختلف فيها، واتهامُ المخالف بالكفر حتي وإن كان رأيُه مرجوحا.

والسبب فيما أقول هو أنَّ وحدة المسلمين من أهم مقاصد الشرع، التي أمر الله بها في غير موضع من كتابه العزيز كقوله سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، كما حضَّ عليها نبيُه في أحاديث كثيرة منها:(مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكي منه عضو تداعت له سائرُ الأعضاء بالحمي والسهر).

والمقصود أنه لا بد ألَّا يُصادر أحدٌ رأي أحد، وألا يُبدع أحدٌ أحدا، ومن باب أولي ألا يُكفر فريقٌ الفريق المخالف، بل لا بد أن نُوسع دائرة الحوار، ونؤصل لقاعدة النقاش بُغية التعلم لا التعالُم دون تنازع ولا تجريح، وأن نُنصتَ لصوتِ العلم، فالحكمةُ ضالةُ المؤمن أني وجدها فهو أحقُ الناس بها.

ومن صور الخلاف غير المُبرر، التي تكثُر في هذا الوقت من كلِّ عام مسألةُ الاحتفال بمولد النبي هل هو جائزٌ أم غيرُ جائز ؟

والجواب أنَّ الاحتفالُ بمولد النبي جائزٌ طوال العام، وليس في الثاني عشر من ربيع الأول فقط، وإذا كان الاحتفالُ جائزا فإن طريقة الاحتفال المُتبعة حاليا، والتي يكثُر فيها الاختلاط والصخب، وتُرتكبُ فيها المحرمات والفواحش كما يحدث في الموالد وحلقات الذكر البدعي هي المحرمة، أما الاحتفالُ الحقيقي فيكون بإحياء سنته، واتباع أوامره، وتلاوة القرآن، الذي يُعدُ معجزة النبي الخالدة، والبرهان الساطع علي صدق نبوته.


الاحتفال يكون بتوحد الصف، وبث روح الانتماء لبلدنا مصر، والعمل علي رفعتها ونهضتها، والبعد عما يهوي بالمتناحرين إلى أسفل سافلين.

ومن الخلافات أيضا (صدقةُ الفطر) التي تكون في آخر شهر الصيام هل هي نقودٌ أم حبوب؟.


والمسألة فيها راجحٌ وهو إخراجُها حبوبا، ومرجوحٌ وهو إخراجها نقودا، والرأي الأول عمل به كثيرون، والثاني عمل به غيرهم، فلكل سندُه ودليله دون أن يُكفر البعضُ الآخر، أو يُفسقه، وبمراجعة نصوص الفريقين، أقول لك عزيزي القارئ: (استفت قلبك وإن أفتوك)، المهم أن تُخرِج صدقتك رحمة بالفقراء الذين يفتشون في صناديق القُمامة عن كسرة خبز تقيم أودهم.

ومن الخلافات أيضا صيغةُ التكبير أيام العيد، وهل يُصلي فيها علي النبي أم لا؟.

 

وباختصار نقول وردت الصيغتان، ولكنَّ الأرجحَ صيغة عدم الصلاة، أما الصيغة الثانية، والتي يُصلي فيها علي النبي وآله، وردتْ عقب معارك النصر لبيان عزة الإسلام، وتأكيد تأييد المولي لعباده أتباع النبي، وبرغم أنها مرجوحة إلا أنَّ لأصحابها سندًا ودليلًا مُعتبرًا.


وأخيرًا، أقول إن عمر الإنسان قصير، وبالشرع فاضلٌ ومفضول، وراجحٌ ومرجوح، وقويٌ وضعيف، فحريٌ بالعاقل أن يحرصَ علي الفاضل والراجح، ويترك المفضولَ والمرجوح ليُحصلَ الثوابَ الكبير بالعمل القليل، ويكونُ هذا بالعلم وليس باللغط، وشتم بعضنا بعضا كما رأيت وأري بيننا ما يُعكر المزاج.