«رشاوى وتزوير» بالمستندات..
أسرار 765 واقعة فساد داخل الإدارات الهندسية بالمجالس المحلية فى عام واحد
تعد المحليات من أكثر الجهات الحكومية التي عانت من الإهمال، خلال السنوات السابقة، مما جعلها بؤرة خصبة ومسرحًا مفتوحًا للفساد من جانب بعض صغار وكبار الموظفين على حد سواء، ومما يكشف حجم الكارثة تلك النتائج التي خرج بها تقرير لجنة التفتيش والمتابعة بوزارة التنمية المحلية والتي تؤكد رصد 765 واقعة فساد في 25 محافظة، خلال عام واحد وتم إحالتها للتحقيق.
وتعد الإدارات الهندسية بالمجالس المحلية بالمدن والمراكز والمحافظات من أكثر وحدات التنمية المحلية معاناة من الفساد، ولعل السبب في هذا ناتج عن أن 90% من الموظفين بالإدارات الهندسية غير متخصصين في المجال الهندسي؛ لأن معظمهم من خريجي الدبلومات وليس كليات الهندسة، الأمر الذي يمثل خطورة كبيرة في إسناد مهام العمل بالإدارة الهندسية المسئولة عن التخطيط العمراني وإصدار تراخيص البناء والهدم وتراخيص المحلات التجارية والورش الصناعية وخلافه إلى موظفين غير متخصصين في تلك المجالات ولا يملكون مهارات كافية لإدارة منظومة العمل داخل مواقعهم الوظيفية.
كما أن الرواتب المتدنية جدًا على نحو غير مقبول بالإدارات الهندسية لصغار الموظفين خاصة من هم على قوة العمالة اليومية أو العقود المؤقتة تفتح الباب الخلفي لمد اليد تحت مسميات مبتدعة في وقتنا الحاضر أشهرها «إكرامية شرب شاي»، هذا بخلاف ضعف الرقابة من الأجهزة المعنية وعدم قدرة تلك الأجهزة على بسط هيمنتها على العدد الكبير لوحدات الحكم المحلي المنتشرة في جميع محافظات الجمهورية ساهم بشكل كبير في توغل الفساد داخل المحليات.
وبحسب بلاغات مقدمة للنائب العام، فإن من أبرز مظاهر الفساد بالإدارات الهندسية التابعة للمجالس المحلية تلاعب بعض الموظفين وإصدار رخص بناء مزورة، حيث يتم تزوير خطابات بأن الأرض محل البناء في الحيز العمراني على خلاف الحقيقة، كما يتم التلاعب في تقرير صلاحية الأرض للبناء، الأمر الذي نتج عنها ظهور رخص بناء مزورة ساهمت في فرض الأمر الواقع وظهور أبراج سكنية شاهقة على غرار ناطحات السحاب في عدد من محافظات الجمهورية أهدرت على الدولة مليارات الجنيهات، بينما تمتع أصحابها ومجموعة المنتفعين حولهم بالثراء الفاحش الذي ظهر عليهم فجأة.
ومن أبشع مظاهر الفساد داخل الإدارات الهندسية بالمجالس المحلية، أنه في حالة التبليغ عن الأبراج السكنية المخالفة يقوم بعض الموظفين بعمل محضر الإزالة بأسماء مجهولة حتى يفلت الجناة الحقيقيون من العقاب والحساب، الأمر الذي أدى إلى تمادي المخالفين في ارتكاب المزيد من المخالفات ما دام هناك موظفين يدبرون لهم الثغرات التي تنجيهم من العقاب القانوني.
وطبقًا للبلاغات المقدمة للنائب العام، فقد تجاوزت الأبراج السكنية المخالفة ذات الرخص المزورة نحو 100 برج سكني في مدينة سمالوط بمحافظة المنيا، وقد تم تشكيل لجنة لمعاينة المخالفات وجمع التحريات وفحص ملفات الأبراج واتخاذ الإجراءات القانونية نحوها وما ترتب عليها من آثار مالية مهدرة على الدولة، خاصة أن الرخص المضروبة وصلت لنحو 100 ألف جنيه.
وفي مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وصلت الأبراج السكنية المقامة برخص بناء مزورة لأكثر من 2000 برج سكني، وكشفت اللجان المشكلة من الإدارة الهندسية ومجلس المدينة والكهرباء عن خطابات مضروبة لتوصيل مرفق الكهرباء لعدد كبير من الأبراج، لكن اللغز المعقد في هذا الأمر أن جميع الخطابات المزورة التي تم اكتشافها وصلت لمديرية الكهرباء في خطابات رسمية عن طريق البريد وليس باليد عن طريق المشترك، مما يشير إلى شبكة عنكبوتية تدير المنظومة بشكل مدبر ومخطط.
وكشفت مذكرة سرية لهيئة الرقابة الإدارية، عن قيام بعض المسئولين بمركز ومدينة رشيد بمحافظة البحيرة بتسهيل استيلاء أحد المواطنين على أرض ملك الدولة دون وجه حق، حيث تبلغ مساحة تلك الأرض 20 قيراطًا ملك هيئة الأوقاف المصرية تقدر قيمتها بنحو 8.7 مليون جنيه.
وأوضحت المذكرة، أنه تبيّن قيام رئيس وحدة محلية ورئيس إدارة هندسية بمجلس مدينة رشيد، بإرسال خطابات لرئيس هندسة الكهرباء بتوصيل مرفق الكهرباء لقطعة الأرض المذكورة، وأثبتا بالخطاب عدم مخالفة المواطن وعليه تم توصيل الكهرباء للعقار بالمخالفة للقانون، وبالرجوع للمسئولين بمنطقة الأوقاف بالبحيرة أفادوا بأن قطعة الأرض المذكورة تبلغ قيمتها 8.7 مليون جنيه، حيث إن سعر المتر في تلك الأرض 2500 جنيه، وأن المواطن تعدى عليها.
وصرح أحد مديري الإدارات الهندسية بوزارة التنمية المحلية، بأن أحد الأسباب الرئيسية في كثرة ظهور الرخص المزورة، تتمثل في حرمان موظفي الإدارات الهندسية من نسب الحوافز من مخالفات البناء والتنفيذ والترخيص، حيث إن تلك النسب مقررة وفقًا للقانون وقرارات المحافظين لكن هناك صعوبات في الصرف بسبب تعنت الإدارات المالية والحسابات بحجة عدم وجود بند للصرف، رغم أنها تدخل ضمن الرسوم التي يتم تحصيلها على كافة الخدمات.
وأشار إلى أنه خرجت مطالبات من الإدارات الهندسية بضرورة عمل صندوق خاص لتحصيل غرامات معدات البناء، ليصرف منه حافز للجان التي تقوم بضبط مخالفات البناء حتى لا يمدون أيديهم للغير، لكن هذه المطالب لم يستمع إليها أحد من مسئولي وزارة التنمية المحلية، بالرغم من أن غرامات معدات البناء تحصل معظمها في أيام الإجازات والعطلات الرسمية وتصل لملايين الجنيهات ولا يعلم أحد أين تذهب تلك الملايين؟! وفيما تصرف؟.