هشام زكي يكتب: جدي.. الخواجة
كان جدي عن والدتي-رحمه الله عليه- يتقن اللغتين الإنجليزية والفرنسية، قراءة وكتابة رغم حصوله فقط على شهادة البكالوريا، وشهادة البكالوريا لمن لا يعرفها في عصرنا هذا تعادل شهادة الثانوية العامة، وكان يتحدث لغة عربية فصحى ومن أشد أنصارها، ولا أكاد أذكر أنه تلفظ أو تحدث بلفظ أجنبي أو نطق كلمة أجنبية، أو دمج بين اللغة العربية وأي لغة اخرى في حديثه مع جدتي أو مع أي فرد من أفراد العائلة.
وفي تصوري إن معظم المصرين كانوا يعتزون بلغتهم لغة القرآن الكريم، وكانوا يسعون جاهدين للمحافظة عليها.
ودون سابق إنذار وفي ظل غياب الدولة فقدنا الاهتمام باللغة العربية، وظهرت لغة الكمبيوتر والنت والفرنكو آراب وغيرها من اللغات التي تلقفها أبناؤنا لسهولتها في الكتابة، ووجدنا الإنجليزية تحتل رويدًا رويدًا مكان العربية حتى أصبحت جلُ اهتمامنا، وصاحب هذا الاهتمام ظهور مبررات واهية مجهولة المصدر تشير إلى أن الانجليزية هي لغة العصر، وإنها مرتبطة ارتباطا وثيقًا بمجالات العمل الحديثة، وأن من لا يتقنها قراءة وكتابة لا مكان له في الحياه، وأصبح أبناؤنا يدمجون الانجليزية في العربية بل احتلت الانجليزية مكان العربية في كل مكان (المطاعم، المحال التجارية، البيوت).
ولإننا مجتمعات لا تمتلك زمام أمرها، ولا الرؤية والإدراك اللازمين للاخطار التي تحيط بنا من كل جانب، صفقنا وهللنا وافتتحنا كمّ هائل من المدارس الأجنبية بمسمياتها المختلفة، علاوة على الجامعات الخاصة بما تحمله من عادات وقيم دخيلة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بنتائجها ومظاهرها السلبية الواضحة للعيان والتي لا مجال لذكرها في هذا المقام، وأصبحنا
(كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) بعدما أصبح كُل منا يتباهى بأن أبناءه يدرسون في مدرسة كذا الأجنبية، أو تخرج في جامعة كذا العالمية.
وهنا يطرح السؤال نفسه أين دور الدولة التي تبني بكل ما أوتيت من قوة في الحجر متغافلة العنصر البشري الرئيس في عمليات التطوير والبناء.