هشام زكي يكتب: المنارات.. علمية ثقافية فنية
قبل الانكسار العربي والخذلان الذي نعيشه، وتحديدا تسعينيات القرن العشرين كتبت مقالا نشر في جريدة السياسة الكويتية حول المنارات العربية، وذلك بعد الازدهار لذي شهدته الدراما السورية وظهور عدد لا يستهان به من الفنانين والمخرجين الذين أبدعوا في أعملهم وغيروا فكرة العالم عن الحركة الفنية في سوريا، لتمتلك بعدها سوريا قوة ناعمة تغلغلت بسلاسة في وجدان المواطن العربي، وَصاحب هذا الازدهار ظهور أصوات نشاز من ذوي العقول الضيقة والنفوس المريضة تقارن بين القوة الناعمة المصرية ممثلة في الدراما، والقوة الناعمة السورية.
تلك الأصوات هللت للمنتج الفني السوري، معلنة أن الدراما المصرية تراجعت وفي طريقها إلى الزوال، لتحتل الدراما السورية مكانها، وفي إحدى الندوات التي تناولت ازدهار الدراما السورية تساءلت بعد الثناء على ما قدمه الفنانون السوريين، لماذا نقارن دائما بين (س، ص) لماذا لا يكون لدينا منارات فنية وثقافية في كل بلد عربي شقيق، سعدنا وسعدت الجماهير بوجود أعمال سورية جميلة، وأعمال أخرى سعودية حققت نجاحا باهرا، فلماذا ننكفء على أنفسنا، ونعيش في دائرة مغلقة بين مصر وسوريا أو اي بلد آخر، نحن جيل تربى على (بلاد العُرب أوطاني) وبالتالي نجاح أي بلد عربي في أي مجال من المجالات المختلفة هو نجاح لبلدي ولي.
في ستينات وسبعينات القرن الماضي كان هناك في العراق شعراء كبار كالجواهري، والبياتي، ومظفر نواب، وغيرهم كثر، وفي مصر الأبنودي، وامير حداد، وصلاح عبدالصبور، وأمل دونقل وغيرهم كثر، وفي اليمن مبارك سالمين،واحمد محمد الشامي، والكبير عبدالله البردوني. شكل هؤلاء منارات ثقافية لبلدانهم وللوطن العربي الذي كان يعيش في حالة من الوجد للوطن دون تحديد اسمه.
وشهد العرب منارات فكرية في كل مكان يطأ فيه المواطن العربي قدمه، وفجأة ودون سابق إنذار حدث إنكفاء وإنكسار وأنانية تصل لمرحلة الشوفينية زرعت الحقد والضغينة في نفوسنا ونفوس أخواننا العرب، وظهرت نعرة عشق الذات، وأصبح ما عندنا هو الأول والأجمل والأوحد، وما عندهم لا يصل لمستوى ما عندنا، ليظل السؤال قائما لماذا ؟؟؟!!
ما المشكلة أن يكون في كل بلد عربي منارة في أي مجال من المجالات سواء علمية أو ثقافية أو صناعية، تحقق للدول العربية التكامل، ولتنير المنارات العربية الأخرى، ونقصد منارة أي بلد عربي آخر قد يخبو نور منارته، ولا نخرج على الموضوع إذا قلنا آلم يلحظ العرب ما يحدث في الحرب الاوكرانية الروسية، خاصة بعدما ارسلت كل دولة من دول حلف الناتو دباباتها وصوريخها إلى ساحة الحرب، فكلها صواريخ ودبابات ولكن لكل تقنيتها ونظامها وبذلك تكتمل المنظومة بتقنيات مختلفة لتقف امام تقنية واحدة ممثلة في السلاح الروسي وهذا هو التكامل بغض النظر عن الأهداف الاستراتيجية لكل عضو في حلف الناتو.
لقد تلاشت الأنانية والذاتية امام حدث كبير، فالبعد عن الأنانية والشيفونينة والبعد عن المقارنات التي لا تسمن من جوع هو ما نتمناه لعالمنا العربي، وقتها سيحقق بيت الشعر ( بلاد العرب أوطاني) مراده.