«الضبط الباطل» كلمة السر في براءة المتهمين بقضايا النقد الأجنبي.. (ملف شامل)
قضايا النقد الأجنبي؛ باتت الشغل الشاغل لضبط سوق الصرف والمضاربات خارج السوق المصرفي.. حيث شهدت الفترة الأخيرة جهودا أمنية مكثفة لمكافحة جرائم الأموال العامة وضبط سوق الصرف والقضاء على المضاربات التي تسببت في انتعاش الدولار وتجاوزه مستوى 70 جنيهًا في السوق السوداء، خلال الفترة الماضية.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد في القانون ما يجرم حمل الأشخاص للعملات الأجنبية، أو احتفاظهم بها في منازلهم، إلا أنه انتشرت خلال الفترة الماضية الأكمنة الأمنية بطريقة غير مسبوقة لملاحقات كل من هو بحوزته الدولار من المواطنين.
وفي هذا الصدد تسلط «النبأ الوطني» الضوء على أحكام البراءة لعدد من قضايا النقد الأجنبي، التي تم ضبطها خلال الفترة الماضية، وأسباب البراءة فيها، خاصة أن الجميع يسعد لتطبيق القانون والجهود التي تقوم بها الدولة للحفاظ على الاقتصاد والقضاء على تجار العملة والسوق السوداء، فضلًا عن أن هناك أشخاصًا أبرياء قد تضعهم الظروف تحت طائلة القانون.
براءة رجل أعمال
ففي محكمة جنايات المنصورة الاقتصادية، قضت المحكمة برئاسة المستشار أيمن الإمام، ببراءة رجل الأعمال «أحمد.ع.م»، 73 سنة، صاحب مدرسة خاصة شهيرة بمحافظة الدقهلية، وذلك بعد اتهامه بالاتجار في النقد الأجنبي خارج السوق المصرفية بأسعار السوق السوداء.
وجاء حكم المحكمة بعد إخلائها سبيل المتهم بضمان مالي 50 ألف جنيه، وحجزت القضية للنطق بالحكم؛ ليصدر الحكم ببراءته من التهمة المنسوبة إليه.
وفي التفاصيل، كان ضباط مباحث الأموال العامة بمنطقة شرق الدلتا، قد تمكنوا في العام الماضي من إلقاء القبض على رجل الأعمال بتهمة الاتجار في العملات الأجنبية، بحوزته مبالغ مالية وعملات أجنبية متنوعة؛ وذلك لقيامه بالاتجار في النقد الأجنبي خارج السوق المصرفية بأسعار السوق السوداء، وتم تحريز العملات، وتحرير المحضر اللازم لاتخاذ الإجراءات القانونية.
وتمكنت القوة من ضبطه وبحوزته عملات أجنبية متنوعة قدرها (133 ألفا و395 يورو، و1620 روبل روسي، و150 زلوتي بولندي، و13400 جنيه مصري)؛ وذلك لقيامه بالاتجار في النقد الأجنبي خارج السوق المصرفية بأسعار السوق السوداء، وذلك لمخالفته لأحكام القانون رقم 194 لسنة 2020 الخاص بالبنك المركزي والجهاز المصرفي.
وأحال المستشار عبدالرحمن الشهاوي، المحامي العام لنيابة جنوب المنصورة الكلية إلى محكمة الجنايات المختصة لأنه بدائرة مركز طلخا بمحافظة الدقهلية، تعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات المرخص لها بذلك، حيث استبدل العملات الأجنبية بما يعادلها من العملة الوطنية، وذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانونا على النحو المبين بالتحقيقات.
كما تضمن أمر الإحالة، أن المتهم شخص طبيعي باشر عملا من أعمال البنوك، حيث اعتاد التعامل في النقد الأجنبي والمصري، ببيع وشراء دون أن يكون من المسجلين في البنك المركزي المصري لممارسة هذا النشاط على النحو المبين بالتحقيقات، ووجهت النيابة العامة، اتهامات للمتهم بارتكاب الجناية والجنحة الاقتصادية المعاقب عليهما بالمواد 63/1،225/1،233/1،4،236 من القانون رقم 194 لسنة 2020 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي.
وكان دفاع المتهم، قد دفع خلال المرافعة بانتفاء جناية التعامل في النقد الأجنبي ومشروعية حيازة المتهم للمبالغ المالية المضبوطة، وتناقض ضابطي الواقعة تناقضا بينا يستعصي على الموائمة والتوفيق في أكثر من موضع، بالإضافة إلى أنه كان هناك قصور في تحقيقات النيابة العامة جرى الدفع بها خلال المرافعة أمام هيئة المحكمة؛ لعدم إجراؤها ثمة معاينة لمسكن المتهم، وبيان وقائع الإتلاف والاستيلاء على جهاز الـDVR الخاص بكاميرات المراقبة لإخفاء الصور الحقيقية لواقعة الضبط.
أسباب البراءة في قضايا النقد الأجنبي
فيما أصدرت الدائرة الجنائية -بمحكمة النقض- حكما فريدا من نوعه، يتصدى لأسباب البراءة في قضايا التعامل بالنقد الأجنبي، ويرسخ لعدة مبادئ قضائية، أبرزها: «البراءة فى تعامل بالنقد الأجنبي، تكون تأسيسًا على انتفاء حالة التلبس ومن ثم بطلان القبض والتفتيش، والشك فى المصدر السرى، كما أن المشرع أباح لكل شخص طبيعى أو اعتبارى حيازة النقد الأجنبى، ما دام لا يتعامل فيه من غير طريق البنوك».
وصدر الحكم في الطعن المقيد برقم 22282 لسنة 88 القضائية، برئاسة المستشار ربيع لبنه، وعضوية المستشارين أحمد الوكيل، وأيمن الصاوى، وهشام أنور، وعمر عبدالسلام.
وقالت المحكمة في حيثيات الحكم إنه لما كان الحكم المطعون فيه حصّل واقعة الدعوى وأقوال الشاهد بما مؤداه أن تحرياته السرية دلته على قيام المتهم بالاتجار في النقد الأجنبي وأنه يحوز كمية منها في محل المصوغات الذهبية المملوك له فتوجه إليه ودلف إلى حانوته، فأبصر كمية من العملات الأجنبية والوطنية على الطاولة فضبطه والنقد الأجنبي والمصري، وبمواجهته بالمضبوطات أقر بأنها حصيلة إتجاره في العملة، ثم عرض لدفعه ببطلان إجراءات القبض والتفتيش وردّ عليه في قوله: «إنه قد وردت معلومات للضابط تأكد من صحتها بتحرياته أن المتهم يقوم بالاتجار في النقد الأجنبي خارج السوق المصرفية فاتجه بالقرب من حانوته ودفع بأحد المصادر السرية بالتعامل مع المتهم لتغيير بعض العملات وتبين أن المحل مفتوح ومتاح لدخول العامة وحال دلوفه المحل تقابل مع المتهم وشاهد على البنك الخاص بالمحل بعض العملات الأجنبية والمصرية».
وكانت المحكمة تطمئن إلى القبض والتفتيش وأنه قام بناء على إجراءات صحيحة وتتوافر معها حالة التلبس مما يكون الدفع قد ورد في غير محله وترفضه المحكمة، لما كان ذلك، وكانت المادة 31 من القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد نصت على أنه: «يحظر على أي فرد أو هيئة أو منشأة غير مسجلة طبقًا لأحكام هذا القانون، أن تباشر أي عمل من أعمال البنوك، ويستثنى من ذلك الأشخاص الاعتبارية العامة التي تباشر عملًا من هذه الأعمال في حدود سند إنشائها».
حالة التلبس
وتضيف «المحكمة»: ويقصد بأعمال البنوك في تطبيق أحكام هذه المادة كل نشاط يتناول بشكل أساسي واعتيادي قبول الودائع والحصول على التمويل واستثمار تلك الأموال في تقديم التمويل والتسهيلات الائتمانية والمساهمة في رؤوس أموال الشركات، وكل ما يجري العرف المصرفي على اعتباره من أعمال البنوك، ويحظر على أية منشأة غير مسجلة طبقًا لأحكام هذا القانون أن تستعمل كلمة بنك أو أي تعبير يماثلها في أية لغة سواء في تسميتها الخاصة أو في عنوانها التجاري أو في دعايتها، ونصت الفقرة الأولى من المادة 111 منه على أن «لكل شخص طبيعي أو اعتباري أن يحتفظ بكل ما يؤول إليه أو يملكه أو يحوزه من نقد أجنبي، وله الحق في القيام بأية عملية من عمليات النقد الأجنبي بما في ذلك التحويل للداخل والخارج والتعامل داخليًا على أن تتم هذه العمليات عن طريق البنوك المعتمدة للتعامل في النقد الأجنبي».
وتضيف «المحكمة»: «وكان المستفاد من الجمع بين هاتين المادتين أن المشرع أباح لكل شخص طبيعي أو اعتباري حيازة النقد الأجنبي، ما دام لا يتعامل فيه عن غير طريق البنوك المعتمدة -وهو مناط التأثيم- كما حظر عليه مباشرة عمل من أعمال البنوك دون ترخيص عدا الأشخاص الاعتبارية العامة التي تباشر عملا من هذه الأعمال - أعمال البنوك – في حدود سند إنشائها، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن حالات التلبس واردة في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية على سبيل الحصر، ولا يصح التوسع فيها بطريق القياس أو التقريب، وأن القاضي لا يملك خلق حالات تلبس جديدة غير الحالات التي ذكرها القانون بالنص، كما أنه من المقرر أنه لا يكفي لقيام حالة التلبس أن يكون مأمور الضبط القضائي قد تلقى نبأ الجريمة من الغير ما دام هو لم يشهد أثرًا من آثارها ينبئ بذاته عن وقوعها، كما أن حالة التلبس تلازم الجريمة في ذاتها، وأن حرمة المتجر مستمدة من اتصاله بشخص صاحبه».
وتكمل: لما كان ذلك -وكان ما أورده الحكم في بيانه للواقعة وأقوال مأمور الضبط القضائي وما ردَّ به على الدفع ببطلان القبض والتفتيش- وما يبين من المفردات المضمومة - تنطق بعدم وقوع جريمتي التعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة ومباشرة عمل من أعمالها دون ترخيص، إذ لم يشاهد الضابط الطاعن يتعامل في النقد الأجنبي مع المرشد السري الذي دفعه إليه، ولم يقدم له الأخير أوراق نقد كأثر من آثار تلك الجريمة، ولا يكفي للقول بقيام هذا الأثر أن يتلقى نبأها عن المرشد السري، ما دام هو لم يشهد أثرًا من آثارها ينبئ عن وقوعها بذاته، كما خلت الأوراق من أي جريمة أخرى مؤثمة قانونًا، فإن دخول الضابط حانوت الطاعن وضبط النقد الأجنبي والمصري يكون قد تم بغير إذن من النيابة العامة وفي غير حالة من حالات التلبس، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بصحة هذا الضبط يكون مخالفًا للقانون واجبًا نقضه، ولما كان الدليل المستمد من هذا الضبط الباطل هو قوام الإدانة في الدعوى.
ولما كانت الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه -والمفردات المضمومة- لا يوجد فيها من دليل سواه، فإنه يتعين الحكم ببراءة الطاعن مما أسند إليه، عملًا بالفقرة الأولى من المادة 39 من القرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
حكمين بالبراءة في قضايا أموال عامة
وحصل المستشار علي فايز المحامي، على حكمين ببراءة متهمين في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي، مؤكدًا أن من بين القضيتين؛ كان مأمور الضبط القضائي وهو ضابط من «الأموال العامة»، كتب في محضره أنه أجرى تحرياته لمدة 7 أيام على المتهم، وتأكد قيامه بالاتجار في النقد الأجنبي خارج السوق المصرفية.
وكشف المحامي، خلال حديثه لـ«النبأ الوطني»، عن أن الضابط ذكر في محضره أنه قدم أحد مصادره السرية للتعامل مع المتهم لشراء عملة منه، فسأله عن سعر الدولار فأجابه المتهم، وبالتالي تحرك الضابط وتم إلقاء القبض عليه في حالة تلبس، مؤكدًا أنه عندما تم سؤال مأمور الضبط القضائي أمام المحكمة عن سبب عدم قيامه بالحصول على إذن من محافظ البنك المركزي أو إذن من النيابة، رد بأنه لم يكن لديه وقت لذلك، وأيضًا بسؤال المتهم عن مصدر الأموال تبين أن الأموال التي تم ضبطها بحوزته أرسلها له شقيقه بشكل رسمي وتم استلامها وبعد خروجه من البنك تم إلقاء القبض عليه.
وأضاف «فايز»، أنه مما لا شك فيه أن أي مواطن مصري سواء كان ممثلًا للقانون أو العدالة يسعد بتطبيق القانون والجهود التي تقوم بها الدولة للحفاظ على الاقتصاد المصري وتجار العملة والسوق السوداء، لكن في الناحية الأخرى هناك أشخاص أبرياء قد تضعهم الظروف أو حظهم العثر تحت طائلة القانون، وهذا في الغالب يكون بسبب الجهل بالقانون، خصوصًا بعد تعديل القوانين، حيث نجد أن قضية التعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك وممارسة عمل من أعمال البنوك منتشرة بكثرة ويقع فيها البعض، ولكن هناك ضمانات وشرعية قانونية ندافع عنها عندما نتولى الدفاع عن متهم ما قبل دفاعنا عن شخصه إذا كان بريئا.
ويكمل: من أهم الأسباب التي جعلتنا نحصل على البراءة في العديد من القضايا هو بطلان القبض والتفتيش وما تلاهما من إجراءات وذلك لعدم وجود إذن نيابة أو إذن من محافظ البنك المركزي، وهذا لأننا لو فتحنا الباب لمأمور الضبط القضائي وأعطيناه الصلاحيات سوف يكون هنا اعتداء صارخا على الدستور المصري وعلى حقوق الأفراد وحرياتهم، ومن المعروف أن الدليل المستمد من إجراء باطل يبطل وبعدم ما تلاه من إجراءات وإن وجد الدليل، أما عن حالة استرداد الأموال الأجنبية في حالات البراءة.
ونوه إلى أن الأمر يحتاج بعض الإجراءات لكن في النهاية الدولة تسلم لكل شخص حقه ما دام أن القضاء لم يدينه وحصل على البراءة، لكنه يحصل على العملة بالجنيه المصري حسب سعر الصرف الرسمي في هذا اليوم بشيك مسحوب على أحد البنوك المعتمدة.
ضبط مواطن لمجرد حيازته عملة أجنبية غير قانوني
من ناحيتها، توضح المستشارة القانونية الدكتورة صابرين أحمد مصطفى المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، أن القانون المصري لا يعاقب على حيازة النقد الأجنبي، مهما كانت القيمة المحازة، لكن يتم تجريم التعامل بالعملات الأجنبية خارج السوق المصرفية الرسمية.
وتضيف المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، في تصريحات خاصة لـ«النبأ الوطني»، أنه لا يوجد في القانون المصري ما يجرم حمل الأشخاص للعملات الأجنبية، أو احتفاظهم بها في منازلهم، مؤكدة أنه إذا تم القبض على مواطن لمجرد حيازته للعملة الأجنبية فذلك "غير قانوني"، ولكن "الاتجار بالبيع والشراء" في النقد الأجنبي خارج إطار السوق المصرفي، جناية يعاقب عليها القانون.
وتكمل: «وتنص المادة 212 من القانون المصري على أن لكل شخص طبيعي أو اعتباري أن يحتفظ بكل ما يؤول إليه أو يملكه أو يحوزه من نقد أجنبي، وله الحق في التعامل أو القيام بأي عملية من عمليات النقد الأجنبي، بما في ذلك التحويل للداخل والخارج، وفيما يتعلق بعقوبة الاتجار في العملات الأجنبية، تنص المادة 233 على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 10 سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تتجاوز 5 ملايين جنيه أو المبلغ المالي محل الجريمة».
وتؤكد أن الحيازة ليست جريمة، ولكن الاتجار بالنقد الأجنبي مجرم بحكم القانون، لكن إذا ثبت ذلك بدليل يقيني، والدليل اليقيني وهو «الضبط في حالة تلبس» أو تم ضبط المتهم بناءً على أمر من النيابة العامة، بتهمة التعامل بالعملات الأجنبية سواء بالبيع أو الشراء.