صبري عبد الحفيظ يكتب: "سعودية أونانا".. 4 آثار مدمرة للترفيه على الطريقة الأمريكية
ما يحدث من أجواء الترفيه في المملكة العربية السعودية، لا يمكن فصله عن الأجواء السياسية. وليس كما يعتقد البعض مقارنة بما يجري في غزة ولبنان من مذابح وإبادة جماعية، فجميع الأوطان التي عانت من الاحتلال ونالت حريتها، لم تتحرر بمساعدات أو دعم الآخرين من الخارج، بل تحررت بأيدي وتضحيات أبنائها. الجزائر قدمت مليون شهيد، لدحر الاحتلال الفرنسي، وفيتنام دمرت بالكامل وقدمت أكثر من 1.4 مليون ضحية لطرد المستعمر الأمريكي. هذا ليس تقليلًا من الدماء التي تراق في فلسطين أو لبنان أو أي بلد آخر، ولكن للتأكيد على أن الانتصار في غزة ولبنان قادم على أيدي المقاومة الوطنية، وحتى لا يمن أحد عليهم يومًا ما بأنه كان السبب في نيل حريتهم.
وحسنًا فعل من اختار لفظ "الترفيه" للدلالة على ما يحدث في المملكة، ولم يختار اسمًا له علاقة بالفنون أو التثقيف، لأنه حقًا ترفيه بكل ما تعني الكلمة، ولا هدف آخر، لعب ورقص ونساء عاريات، "ومفيش أحلى من كده ترفيه".
لا يمكن التعامل مع موضوع الترفيه السعودي، من منطق "الستات العريانة والرقص الخليع على الطريقة الأمريكية" فقط، لأن له أبعاد سياسية مدمرة على المملكة نفسها، تتخطي الإبادة في فلسطين ولبنان بشكل مباشر.
السعودية دولة محورية ولها وجود دولي وإقليمي وإسلامي قوي، ولا يمكن لأحد أن يتجاوزها في المنطقة أو في العالم، إذا كان هناك حديثًا أو أزمة تتعلق بقضايا الإسلام أو المسلمين، لأنها أرض الكعبة قبلة المسلمين، ويحج إليها الملايين سنويًا، ومن هنا فإن سطوتها أو مكانتها السياسية في العالم الإسلامي تأتي من هذا المنطق، وليس شيئًا آخر. كما أن لها مكانة اقتصادية كبيرة على المستوى العالمي، لأنها واحدة من أكبر دول العالم في انتاج النفط.
وينظر المسلمون في مختلف أنحاء العالم، بل وغير المسلمين إلى السعودية على أنها دولة الإسلام الحقيقي، حتى وإن اختلف البعض مع ما يقال سابقًا عن التشدد، ـ سابقًا لأن دلوقتي في حفلات ورقص وعري ـ لكن العلماء لديهم أسانيد على أن هذه تعاليم الإٍسلام التي تركها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته وسنة أصحابه والخلفاء الراشدين، وقال "عضوا عليها بالنواجز".
من وجهة نظري، ما يحدث في السعودية من ترفيه، وإن بدا للبعض أنه نجاح بسبب تصدر تريند "سعودية أونانا" مواقع التواصل الاجتماعي، لساعات أو حتى أيام، رغم تصدر سلبي وليس إيجابيًا، فإن له أربع تبعات خطيرة على مستقبل المملكة، وهي كالتالي:
أولًا: السعودية دائمًا كانت تستمد هيبتها ووقارها في نفوس المسلمين، بل والعالم كله، من حفاظها على الاحتشام والتمسك بتعاليم الإسلام الأولى، دون تحوير أو تطوير أو تطويع لروح العصر. ورغم أن بعض السعوديين يفعلون الكثير من أشكال الترفيه في الخارج سواء في أمريكا وأوروبا وجنوب شرق آسياولكن بعد انتقال هذا الترفيه إلى أرض الحجاز، فإن السعودية فقدت جزءً كبيرًا من هيبتها ووقارها، في نفوس المسلمين، بل والعالم كله.
ثانيًا: إذا كانت المملكة فقد فقدت جزءً هيبتها ووقارها في نفوس المسلمين وغيرهم من الشعوب المحافظة في مختلف أنحاء العالم، فإنها قد تخسر هيبتها السياسية في نفوس الأنظمة السياسية في البلاد الإسلامية والعربية، بل وأمريكا وأوروبا، أما وقد فقدت السعودية جزءً كبيرًا من حاضنتها الشعبية أو سطوتها الدينية في نفوس المسلمين، فإنها قد تخسر جزءًا أكبر من نفوذها السياسي.
ثالثًا: هرولة السعودية إلى الترفيه بهذا الشكل غير المدروس، والمنافي للقيم الإسلامية، في الوقت الذي يعاني فيه العالم الإسلامي من التشرذم والاقتتال وتكالب القوى العالمية عليه، يفقدها أيضًا مكانتها السياسية في الدفاع عن قضايا المسلمين، لصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية "إيران" التي تقدم نفسها للعالم الإسلامي، باعتبارها المدافع عن مقدسات المسلمين، والمضطهدين في فلسطين ولبنان، وتبذل الدعم السياسي والعسكري، بل وتقدم الشهداء أيضًا، في الوقت الذي تغرق فيه السعودية في الترفيه حتى الأذنين، وهذا ما يؤدي إلى سحب بساط الزعامة الإٍسلامية من تحت أقدام المملكة.
رابعًا: صناعة الترفيه على الطريقة الأمريكية، سوف تؤدي إلى طمس الهوية الإسلامية الوقورة للمملكة، ولن تستطيع السعودية تطبيق التجربة الغربية في الترفيه، حتى ولو أنفقت كل ما في أرضها من ذهب أسود. وإذا أرادت المملكة استحداث صناعة جديدة، فيجب عليها أو تولي وجهها شطر التثقيف، واستلهام التجربة الإيرانية في تقديم فنون بروح إسلامية.
يجب أن يكون للمثقفين السعوديين دور في التحول من الترفيه إلى التثقيف. الأموال التي أنفقت على الحفلات والأفلام والمسرحيات ذات الطابع الغربي، لو تم استثمارها في عمل انتاج ثقافة تستند إلى الإرث العربي، بأيدي فنانين سعوديين وعرب ومسلمين، وهم كُثر ويعانون من البطالة، سوف تكون قادرًا على المنافسة عالميًا وتكسب المملكة قوة ناعمة تضاف إلى قوتها السياسية والاقتصادية.