إعلانات توظيف وهمية.. "مصائد" إلكترونية لتنفيذ جرائم القتل والنصب والاغتصاب
«طريقك للعمل محفوف بالمخاطر».. أحدث وسائل النصب والخطف بزعم توفير فرصة عمل
رسوم الأبلكيشنات المضروبة واستلام السير الذاتية تصل لـ200 جنيه
«تبقى منه قدمان ويد».. القصة الكاملة لمقتل الشاب مينا موسى واستدراجه بالوظائف الوهمية
قصة صاحبة محل بالمرج تستدرج الفتيات بغرض العمل لاغتصابهن على يد شقيقها
عصابة «العواطلية» تخصص خطف وسرقة بالإكراه عن طريق الإعلانات الوهمية
برلمانية: لا بد من ملاحقة وزارة العمل ومباحث الإنترنت لتلك الصفحات.. واشتراط بطاقة الرقم القومى لإنشاء الإعلانات والحسابات
أحد الضحايا: عدم الثقة فى التوظيف دون «واسطة» السبب الرئيسي لابتعاد الشباب عن إعلانات الجهات الرسمية
جرائم إعلانات الوظائف الوهمية
يسير العديد من الشباب في دروب عديدة بحثا عن «لقمة العيش» من خلال وظيفة كريمة توفر له نهاية كل شهر ما يحتاجه من أموال لتلبية احتياجات الحياة اليومية وسط ضغوط اقتصادية صعبة.
وفي ظل تضاءل الفرص بسوق العمل أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي نافذة أمل جديدة للباحثين عن فرص العمل، إلا أن أصحاب النفوس المريضة ومعتادي ارتكاب الجرائم البشعة من نصب وسرقة تلقفوا الفكرة وحولوها من فرصة ذهبية للتوظيف لبيئة خصبة لزرع الفخ واصطياد الضحية عبر إعلانات الوظائف الوهمية.
لم تكن السطور القليلة الماضية ضربا من ضروب الخيال، بل واقع مؤسف ومرير وظاهرة خطيرة وصلت لحد ارتكاب الجرائم البشعة كالقتل والخطف والاغتصاب كما حدث مع مينا موسى، الذي راح ضحية السعي وراء وظيفة عبر إعلان وهمي على «فيسبوك»؛ وهو ما دفع «النبأ» لدق ناقوس الخطر وفتح ملف إعلانات التوظيف الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والبحث وراء سر اندفاع الشباب وراء إعلانات ووعود مزيفة تصدر عن أشخاص مجهولي الهوية عبر شاشة المحمول.
وتستعرض «النبأ» خلال السطور التالية أبرز الجرائم المرتبطة بإعلانات التوظيف الوهمية، ومحاولة الإجابة عن العديد من التساؤلات حول كيفية تحول وسائل التواصل الاجتماعي من أداة للتواصل إلى ساحة لاستغلال الطموحات وتحطيم الأحلام من خلال بث آلاف الإعلانات المضللة التي تؤدي إلى حوادث دموية خطيرة.
سلسال دم
لم تهدأ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الفترة القليلة الماضية وسط حالة من الغضب، مطالبين بحق الشاب مينا موسى، ابن مركز ملوي بمحافظة المنيا، الذي راح ضحية إعلان وهمي بحثا عن وظيفة للتمريض المنزلي، خاصة أنه وحيد والديه وله ثلاث شقيقات، ومعروف عنه حب الخير مع الجميع.
بدأت قصة مقتل الشاب مينا موسى، عندما وجد إعلانًا لوظيفة ممرض منزلي بالقاهرة، راتبها المادي جيد، عبارة عن مكتب خدمات صحية يزعم أن مقره بمنطقة الحجاز بمصر الجديدة، ويعلن حاجته إلى شباب يعملون في مجال التمريض المنزلي بمقابل مغر، لكن صديقه لم يستطع الذهاب معه لأنه ذاهب إلى الجيش بخلاف «مينا» الذي كان وحيد والديه بجانب شقيقاته من الفتيات، فقرر أن يسافر إلى العنوان الموجود، بعد التواصل مع الأرقام الموضوعة، وينهي عمله في المنيا، بحثًا عن زيادة الرزق بدلًا من العمل في أكثر من مكان بالمنيا.
وصل «مينا» إلى القاهرة، وبالتحديد للمكان المخصص من قبل أصحاب الإعلان المزيف؛ ليجد نفسه وقع في فخ الاختطاف، وقام المتهمون باحتجازه ومهاتفة أهله وطلب فدية قدرها 150 ألف جنيه.
وتعرض مينا موسى للخطف والقتل وتقطيع جثته، وإلقاء أشلائها بترعة الإسماعيلية، بعد التخلص منه في منطقة الزاوية الحمراء بالقاهرة، وذلك عقب استدراجه من محافظة المنيا، مسقط رأسه، إلى القاهرة، من شابين بحجة توفير فرصة عمل إضافية له في مجال العلاج الطبيعي.
وحررت أسرة الشاب مينا موسى محضرا يفيد بخطفه، ومساومتهم على مبلغ مالي، وبتكثيف التحريات توصل رجال المباحث إلى المتهمين بخطفه، وتبين تخلصهما من الجثمان، فألقي القبض عليهما، ولكن لم يعثروا على «مينا»، لقيام الخاطفين بقتله وإلقاء جثته بإحدى الترع، ولم يجدوا منه سوى قدمين ويد فقط من جسده.
استدراج الفتيات
وفي جريمة أخرى بمنطقة المرج، استعان ذئب بشري بشقيقته لنشر إعلانات وظائف وهمية على «فيسبوك»؛ من أجل استدراج الفتيات بحجة طلب فتيات وسيدات للعمل داخل محل ملابس تمتلكه ليأتي دور شقيقها في اغتصابهن تحت تهديد السلاح.
وتبين من التحريات أن شقيقة المتهم كانت تكتب رقم هاتفها في الإعلان للتواصل معها فى حالة رغبة فتيات للعمل بمحل الملابس الذي تمتلكه، لاستدراج الفتيات لشقيقها داخل شقته بالمرج.
وكشفت التحريات، عن أن الفتاة عقب مشاهدتها الإعلان تقوم بالاتصال بشقيقة المتهم وتعرض عليها العمل في محل الملابس، وعندما تستفسر منها على تفاصيل الأجر والمواعيد تطلب منها شقيقة المتهم عمل مقابلة معها للتعرف على تفاصيل العمل في شقتها بمنطقة المرج.
وتتوجه الضحية بناء على العنوان الذى حصلت عليه من صاحبة الإعلان، وعقب وصولها إلى المكان تقابلها شقيقة المتهم بالاتفاق معه الذى يختبئ في إحدى الغرف وأثناء مقابلة شقيقته مع الضحية يخرج المتهم مشهرا سلاحا أبيض في وجه الضحية ويقتادها إلى إحدى الغرف في الشقة ويعتدى عليها جنسيا تحت تهديد السلاح ثم يقوم بتصويرها أثناء اغتصابها، وعقب الانتهاء من الاعتداء جنسيا على ضحيته يهددها بالفيديوهات في حالة الإبلاغ عنه.
وفي منطقة دار السلام بمحافظة القاهرة، نجح 3 عاطلين في تكوين تشكيل عصابي تخصص في الخطف والسرقة بالإكراه مستعينين بإعلانات الوظائف الوهمية على «فيسبوك» فخًا للوقوع بضحاياهم.
بدأت الواقعة بقيام المتهم الأول «خالد» بالتعاون مع صديقيه «حسام» و«عاصم» على أن يكونوا فيما بينهم شركة لتوظيف الشباب بعد أن فشلوا في إيجاد وظائف لهم في مدينة شرم الشيخ، فقرروا أن ينشروا إعلانات شركتهم الجديدة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» معلنين عن شروط بسيطة للتقدم للوظائف وعلى من يجد في نفسه رغبة أو يجد نفسه ملائمًا للوظيفة أن يتواصل معهم على رقم «الواتس أب» المبين أسفل الإعلان.
وأسرع «رمضان» العامل بمطعم في بلدته بمركز سنوس بمحافظة الفيوم وأمسك بهاتفه وتواصل معهم عبر تطبيق «واتس أب» واتفق على مقابلتهم للتقدم للوظيفة وحال وصوله لمحطة مترو الأنفاق بمنطقة دار السلام تقابل مع أولهم «خالد» والذي اصطحبه إلى الشقة موهمًا إياه بإجراء مقابلة شخصية للتقدم للوظيفة وما إن وصل حتى حجب رؤيته ثانيهم «حسام» بقطعة قماش.
قام الثلاثة أصدقاء بتكبيل رمضان بشريط لاصق وأِشهر ثالثهم «عاصم» في وجهه سلاحا أبيض «كتر» وتحصل منه بذلك على هاتفه المحمول والمبلغ المالي وأجبروه على الاتصال بشقيقه لطلب مبلغ مالي وقدره 30 ألف جنيه لإطلاق سراحه واحتجزوه تلك الفترة بذلك المسكن حتى تمكن من إقناعهم بالنزول من المسكن للاتصال بشقيقه وهرب منهم.
رسوم وعمولة
تزايدت عروض العمل الوهمية على صفحات السوشيال ميديا، حتى تحولت لنوع خاص من البيزنس غير المشروع، حيث يبتكر المحتالون أفكارًا متنوعة للنصب على الشباب، وتبدأ سطور الحكاية بإنشاء صفحة وهمية تعلن عن وظائف يتم جمعها من مواقع الإنترنت وأغلب هذه الوظائف قديمة ولم تعد مطلوبة، وبعضها غير حقيقي، لكن المشكلة تبدأ حينما يتعلق الشاب بحلم الحصول على هذه الوظيفة، فيطلب منه صاحب الصفحة ملء أبلكيشن ودفع رسوم وعمولة مقدما.
وفي هذا السياق، قال أحمد حسام الدين، 25 سنة، حاصل على بكالوريوس تجارة من جامعة القاهرة: «بعدما تخرجت أخذت العديد من الكورسات في مجال المحاسبة وبحثت كثيرا عن وظيفة مناسبة ولم أجد، فاتجهت لصفحات التوظيف على الفيسبوك، والحقيقة أن أغلب إعلانات الوظائف إما قديمة أو غير حقيقية».
وتابع: «هناك بعض الصفحات تطلب من الشباب ملء بيانات خاصة بهم وإرسال السيرة الذاتية، مقابل دفع رسوم تتراوح ما بين 100 و200 جنيه، وينتظر الشاب حتى يتم التواصل معه، وفي أغلب الأحوال لا يتم الاتصال به، وأحيانا يتم إخباره بضرورة الذهاب للشركة أو الفندق لاستلام الوظيفة فيجد أن الوظيفة ذهبت لشخص آخر».
أما رامي رمضان، 24 سنة، حاصل على ليسانس حقوق من جامعة عين شمس، أكد أن أغلب إعلانات «فيسبوك» و«إنستجرام» غير حقيقية، والكثير من الحسابات التي تنشر هذه الوظائف تجمع هذه الإعلانات من المواقع المختلفة، متابعًا: «لكن هناك منصات يمكن الاعتماد عليها للحصول على وظيفة مثل منصة بيت دوت كوم، ومنصة شغلني، وفرصنا، والمشغلاتي، أما صفحات السوشيال ميديا فأغلبها مزيفة، والمشكلة أن الشباب لا يلتفت لإعلانات الجهات الرسمية بسبب عدم وجود وعي كافِ بهذه الفرص، فضلا عن حالة الشك الداخلية بأن الواسطة هي الضمان الوحيد للحصول على وظيفة في الحكومة، وهو ما يحتاج لنوع من التوعية الإيجابية للشباب».
ومن جانبها، قالت ألفت المزلاوي، أمين سر لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، إن هناك الكثير من الشبكات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تعمل على التلاعب بأحلام الشباب الذي يبحث عن وظائف، بهدف النصب والاستيلاء على أموالهم، مشيرة إلى أن قانون الخدمة المدنية قنن التوظيف بأن لا يكون إلا عن طريق مسابقات عامة معلن عنها.
وأضافت «المزلاوي»، أن بعض الشباب يقعون فريسة لهذه الصفحات لأنه يراها «سبيل وحيد» للحصول على وظيفة هروبًا من شبح البطالة، لكنها غالبا ما تكون «مصيدة أحلامهم».
وأوضحت أن تزايد عمليات النصب في الفترة الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام الحسابات الوهمية يستوجب تصديا عاجلا من الحكومة، متابعة أن الأمر يشكل خطرًا على الشباب، مطالبة وزارة العمل ومباحث الإنترنت بضرورة ملاحقة هذه الصفحات والعاملين عليها.
واقترحت البرلمانية وضع ضوابط جديدة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي باشتراط تقديم بطاقة الرقم القومي لإنشاء الحسابات، بإشراف وزارة الاتصالات، للحد من انتشار حالات النصب عبر التواصل الاجتماعي.