السيد خيرالله يكتب: زيارة ماكرون ضربة في مقتل لاحفاد العم سام

فى الوقت الذى كان فيه الرئيس الفرنسى ماكرون يطير فوق البحر المتوسط متجها إلى القاهرة، كان رئيس حكومة التطرف فى تل أبيب يطير فوق الأطلنطى متجها إلى واشنطن.. ولكن ما أبعد المسافة بين سعى الاثنين.
فالرئيس الفرنسى جاء يعقد قمة مع الرئيس السيسى وملك الأردن، ثم جاء يسعى إلى وقف حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين فى غزة بأى طريقة، بينما رئيس حكومة التطرف ذهب يسعى إلى مباركة أخرى من المواصلة الإبادة!.
ما أبعد المسافة بين ماكرون وهو يجىء مُنبها العالم إلى خطورة استمرار هذا القتل الجماعى فى غزة، وبين نتنياهو وهو يحصل قبل ذهابه إلى العاصمة الأمريكية على ٢٠ ألف بندقية أمريكية كان بايدن قد علّق تسليمها لإسرائيل.
وعندما يجىء رجل مثل ماكرون إلى قاهرة المعز، فمجيئه مختلف عن مجىء أى سياسى أوروبى آخر إلى مصر.. ذلك أن فرنسا عاشت تضع لنفسها مسافة تُبعدها عن السياسة الأمريكية، وتضمن لها الحد الأدنى من الاستقلالية عن السياسة التى تتبعها بلاد العم سام فى أنحاء العالم.. عاش قصر الإليزيه يحرص على ذلك، وعاشت عاصمة النور تتمسك بما تستطيعه من استقلالية عن القرار الأمريكى.
عاشت باريس تمارس استقلاليتها عن أحقية تراها لنفسها، وعاشت تستند إلى حقيقة تقول إن فرنسا بلد ثقافة، وأنها يكفيها أن تكون بلدا للفيلسوف ڤولتير لتكون متقدمة على الولايات المتحدة الأمريكية فيما تتبعه من سياسات، أو تقف إلى جوارها إذا عز عليها أن تتقدم عليها.
وعندما دخل ماكرون قصر الإليزيه كان شابا فى عز الشباب، وكان طموحه السياسى على مستوى القارة لا على مستوى بلاده فقط يسبقه، ولم تكن مجلة «تايم» الأمريكية تبالغ عندما وضعت صورته على غلافها يوم دخوله القصر، ولا كانت المجلة تبالغ حين كتبت تحت الصورة على الغلاف: الرجل القادم فى أوروبا.
ورغم أن المشروع النووى الإسرائيلى قام على أساس فرنسى فى الأصل، ورغم أن هذه حقيقة لا ينساها أحد، إلا أن ذلك لم يمنع الرئيس الفرنسى من اتخاذ سياسة مختلفة تمامًا عن السياسة الأمريكية فى ملف غزة.. وكان ذلك واضحا فى رفض باريس استمرار حرب الإبادة، وفى سعيها لوقفها بأى ثمن، ثم فى رفضها الكامل لموضوع التهجير.. وربما لهذا سوف يزور ماكرون العريش، وسوف يكون وجوده هناك تجديدا لما تعلنه بلاده وترفضه فى قضية الإبادة وفى قضية التهجير على حد سواء
زيارة ماكرون للقاهرة، وما تحمله من دلالات عميقة، تزامنت مع شراكة دشنتها الدولة المصرية مع أوروبا الموحدة، تجلت في أحدث صورها مع تمرير حزمة من الدعم الأوروبي، في الأسبوع الماضي في انعكاس صريح لاعتراف قارى جماعي بأهمية تعزيز التقارب مع الدولة المصرية، وهو ما بدا كذلك في العديد من المشاهد الأخرى ربما أبرزها في قدرتها على التأثير في مواقف قوى رئيسية داخل القارة العجوز تجاه العدوان على قطاع غزة، والذي أسفر عن سلسلة من الاعترافات بدولة فلسطين، أبرزها إسبانيا والتي تعد هي الأخرى شريك متوسطي فاعل، باعتبارها وضعت حجر الأساس للشراكة الأولى في التسعينات من القرن الماضي، وهو ما يأتي في لحظة تبدو فارقة في تاريخ العالم، وتشهد مخاضا غير مسبوق للنظام الدولي، في إطار تحولات كبيرة مع صعود قوى جديدة من شأنها المشاركة في صناعة القرار العالمي، مع ارتباك كبير في طبيعة الدور الأمريكي خلال المرحلة المقبلة.