السيد عثمان يكتب:الأمن المصري في الصحراء الغربية.. الاعتراف بالخطأ منزوعاً منه إدارة الأزمة
على النقيض تماماً لجغرافية الإرهاب في مصر والتي تتركز اغلب مواجهتها في محافظة شمال سيناء، جاء حادث القتل الخطأ من جانب القوات المصرية لفوج سياحي مكسيكي الجنسية، في واحة الفرافرة بالصحراء الغربية أثناء مطاردة مجموعه مسلحه يعتقد انها تابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي.
وهو ما اكد عليه التنظيم لاحقا والذي نشر بياناً عبر بعض مؤيديه على موقع "تويتر" قال فيه إنه صد هجوما للجيش المصري في الصحراء الغربية. وبالرغم من سلبيات الحادث وتداعياته، إلا ان الدولة المصرية، امتلكت الشجاعه بما يكفي للإعتراف بخطأها، وقليلة هي الدول التي تستطيع ان تواجه شعبها والعالم في معالجة مثل ذلك النوع من القضايا، لكن ينتقصنا مع تلك الشجاعه ما يطلق عليه خلية عمل لـ"إدارة الأزمة"، في ظل التباينات التي ظهرت في الروايات الرسمية وغير الرسمية.
حيث تمحورت اغلب الرويات الرسمية حول بيان وزارة الداخلية والتي نصت فيه على قيام قوات مشتركه من الجيش والشرطة بملاحقة عناصر ارهابية بمنطقة الواحات بالصحراء الغربية، وتم التعامل بطريق الخطأ مع اربع سيارات كانت موجوده بمكان الحظر، وتبين انها تابعه لفوج سياحي مكسيكي، واسفر الحادث عن مقتل 12 شخاصا واصابة 10 اخرين، فيما لم تختلف رواية وزارة الخارجيه عن ذلك السياق، بينما زادت عليها وزارة السياحة بتصريح رشا العزايزي المتحدثة الرسمية باسم الوزارة والتي اكدت أن السيارات المستخدمه للفوج السياحي المكسيكي ليست مرخصة، وأنه لم يحصل على التصاريح اللازمة للخروج في “رحلة سفاري”، كما لم يبلغ بأية إخطارات بشأن الرحلة أو مسارها. وفيما يتعلق بمعالجة وسائل الإعلام المصرية للحادث، تركزت اغلبها حول قيام قوات الجيش والشرطة بتصفية إرهابيين في منطقة الواحات بالصحراء الغربية، وتم نسج اغلب الرويات حول تبعية تلك العناصر إلى جماعة "المرابطين"، التابعة لضابط الصاعقة المصرية السابق هشام عشماوي، كما اكدت تلك الروايات تورط تلك المجموعة في مقتل المواطن الكرواتي الذي تم اختطافة من مدينة السادس من اكتوبر بمحافظة الجيزة.
وقد تبدلت تلك الرويات عقب 24 التالية للحادث، حيث بدت جميع الوسائل الإعلامية المصرية في تبني رواية وزارة الداخلية فيما يتعلق بالقضية. وبين هذا وذاك جاءت اغلب الرويات غير الرسمية سواء كانت شهادات لناجين من الحادث أونقابة المرشدين السياحيين حول استوفاء الفوج السياحي لكافة التراخيص المطلوبة، كما لم تأت إليهم أي إشارات بشأن منعهم من مزاولة نشاطهم بناء على تجولهم داخل مناطق محظورة، كما انهم لم يتلقوا اي معلومات متعلقة بوجود اشتباكات قريبه منهم، وهو ما يدحض الروايات الرسمية والتي اكدت عكس ذلك. ما يعني لدى الكثيرين ان اجهزة الدولة بشتى الطرق تحاول التنصل من المسؤولية بأسباب سهل مكاشفتها، بدليل ان بيان المرشدين السياحيين اكد بالمستندات حصول الفوج على التراخيص كافة، كما سُمح بمرافقة مندوب شرطة للمجموعة، اثناء تجوالهم. وخلافا لما سبق فقد جاء الأداء المكسيكي متناغما مع مطالبها بشأن إدارة الأزمه، حيث ادان الرئيس المكسيكي "إنريكي بينا نييتو" الحادث على صفحته الشخصية في موقع "تويتر" ووصفه بأنه مأساوي وطالب بإجراء تحقيق كامل. فيما جاءت وزيرة الخارجية "كلاوديا رويس ماسيو"، بنفسها للقاهره وقابلت مصابي الحادث ووزير الخارجيه المصري ورئيس الجمهورية، للتباحث بشأن ما حدث، فيما ذكرت وزارة الخارجية المكسيكية على موقعها الإلكتروني أن مكسيكو تطالب القاهرة بتقديم تعويضات مناسبة لأسر ضحايا الهجوم.
وجاءت تلك الخطوة عقب استدعاء السفير المصري ياسر شعبان، وتسليمه مذكرة بثلاثة مطالب للحكومة المكسيكية طالبت بضرورة فتح تحقيق شامل وشفاف، ومعاقبة المسؤولين حسب المعايير الدولية، إضافة لإبلاغها بمستجدات التحقيق الذي تجريه لجنة مصرية.
وعودة مجددا لسياقات الحادث، فبالتاكيد يوجد قصور لدي الأكمنة التفتيشية التي قامت بالفحص الأمني للفوج السياحي، والتي لم تبلغهم او تعترض على خط سيرهم بالمنطقة المحظورة إذا كان هذا ماحدث بالفعل .
وهو ما يعكس قصور امنيا، وصل إلى تغافل إعطاء بيانات التحذير الأولية، بحسب شهادات الناجون، ما يوحي للمتابعين بأن قوات الأمن اصبحت تتعامل بمنطق الضرب في المليان دونما التأكد من الهوية. كما يذكر انه لم يتم تمشيط واسع النطاق لمنطقة الواحات كما ذكرت القوات الأمنية، منذ حادث الفرافرة، ما يدلل لدى الكثيرين على ان القوات الأمنية اصبحت تتخذ من مكافحتها للإرهاب ذريعة للتنصل من مسؤولية الحادث. وبناء على ما سبق تتطلب معالجة الحادث من الخارجية ووسائل الإعلام المصرية التعامل بدقة وبحنكه ولا بد ان تكون ممنهجه، فمكافحة الإرهاب تتوجب المصارحه والمكاشفه بعيدا عن اللاشفافية والتعتيم الذي من شأنه أن يفقدنا المصداقية امام انفسنا والعالم.
لا سيما ان هناك بعض وسائل الإعلام المعارضه التي ستختزل الحادث في كونه عملية قتل عشوائي قامت به القوات المصرية في منطقة الواحات، وبالتالي فإن ما تقوم به تلك القوات في شبه جزيرة سيناء هو تصفية مشابهه لما حدث في الواحات.
ختاما ثمة تأثير سلبي على القطاع السياحي جراء الحادث، والذي كان في طور التعافي، خاصة في تلك المنطقة وربما يؤثر ذلك على مجري الاقتصاد المصري والذي يعتمد بشكل كبير على ذلك القطاع، وعلى الدولة ان تعوض اهالي الواحات، لا سيما ان مصدر دخلهم يعتمد بشكل كبير على السياحه في تلك المناطق، والتي ستشهد انتكاسه جديده خلال الايام المقبلة.