فتنة «ريجينى» تهدد بضياع 68 مليار دولار استثمارات ومعاملات تجارية مع أوروبا
يبدو أن الأيام القادمة ستشهد تصعيدًا من الجانب الإيطالى على خلفية أزمة مقتل الطالب جوليو ريجينى، وعدم اقتناع روما بالروايات التى ساقتها وزارة الداخلية لتفسير مقتل «ريجيني»، وتوقعت الصحف الإيطالية أن تصل العلاقة بين مصر وإيطاليا إلى صدام كامل.
قضية الطالب «ريجيني» لن تقتصر مخاطرها على التضييق السياسى على مصر، ولكن هناك العديد من المخاطر الاقتصادية السلبية التى تنتظر القاهرة فى حالة قطع روما العلاقات الكاملة مع مصر، ما من شأنه أن تقوم باقى الدول الأوربية بمساندة روما، ووقف التعامل الاقتصادى مع الجانب المصرى، ما سيكون سببًا فى خسارة مصر 68 مليار دولار استثمارات ومعاملات تجارية مع أوروبا.
وكشفت إحصائيات وزارة الاستثمار أن حجم الاستثمار الإيطالى فى مصر يصل إلى 1,5 مليار دولار استثمارا أجنبيا مباشرا بخلاف نحو 14 مليار دولار فى البترول والغاز، بإجمالى عدد شركات 879 شركة عاملة بمصر، وتحتل الاستثمارات فى القطاع التمويلى المرتبة الأولى إذ تبلغ 919.47 مليون دولار بعدد شركات 6 شركات، وتبلغ الاستثمارات الصناعية نحو 253 مليون دولار، وتأتى الاستثمارات الخدمية فى المرتبة الثالثة بعدد 258 شركة باستثمارات 193 مليون دولار، وتبلغ الاستثمارات السياحية 76 مليون دولار بإجمالى 170 شركة لتحتل المرتبة الرابعة، تأتى الاستثمارات الإنشائية فى المرتبة الخامسة بعدد شركات 86 وحجم استثمار 8.83 مليون دولار.
وتعد محافظة القاهرة فى المرتبة الاولى من حيث تواجد الاستثمارات الايطالية بعدد 274 شركة واستثمارات تبلغ 1.145 مليار دولار، تليها محافظة الاسكندرية باستثمارات تقدر بـ149 مليون دولار بعدد شركات 84 شركة، وتحتل البحر الاحمر المرتبة الثالثة بحجم استثمارات 48 مليون دولار وعدد شركات 168 شركة، تأتى الجيزة فى المرتبة الرابعة باستثمارات 43.66 مليون دولار بعدد شركات 166 شركة.
وبحسب ارقام وزارة الاستثمار فإنه يبلغ حجم التبادل التجارى نحو 6 مليارات دولار سنويا، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية العام الماضى نحو 5,2 مليار دولار بما يعادل 6% من تجارة مصر مع العالم. وكشف عن أن برنامج مبادلة الديون، الذى تنفذه مصر مع إيطاليا بقيمة 300 مليون دولار، بدأ فى المرحلة الثالثة بقيمة 100 مليون دولار، وسوف يتم استخدام هذه الأموال لدعم التدريب المهنى والغذاء والبيئة والزراعة، كما تم تخصيص 13 مليون يورو كائتمان لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة. كما مولت إيطاليا قرضا ميسرا بقيمة 45 مليون يورو لتنمية صناعة الجلود والأثاث بمصر.
من جانبه يرى الدكتور أكرم بسطاوى، الخبير الاقتصادى، أنه من المنتظر خلال الفترة القليلة القادمة اتخاذ الجانب الإيطالى قرارا بخفض مستوى استثماراته المستقبلية فى مصر؛ نظرًا لأزمة الطالب الإيطالى جوليو ريجينى التى سيكون لها مردود سلبى على إقامة منطقة صناعية إيطالية فى العلمين، بخلاف الاستثمارات السابقة، وهناك الرخصة الممنوحة لشركة "إديسون" الإيطالية العاملة فى مجال الغاز والبترول بأبى قير، والمقدرة بقيمة 1,4 مليار يورو، وبخلاف كشف الغاز الأخير لشركة إينى الإيطالية، يصل إجمالى الاستثمارات لنحو 9 مليارات دولار.
وأشار إلى أن هناك مشكلة سوف تواجهها مصر فى حالة توقف العمل فى كشف الغاز الأخير بالبحر المتوسط وسط تردد انباء إيطالية تؤكد أن شركة "إيني" الإيطالية انسحبت من مشروع التنقيب عن الغاز فى البحر المتوسط، فى الحقل المكتشف جديدًا، حيث أعلنت عن اتجاهها لبيع حصصها فى حقول الغاز بمصر، بعد أقل من عام على اكتشافها.
وأشار إلى أن توقف أعمال الكشف فى بئر الغاز ستكون أولى ورقات روما فى أزمة قطع العلاقات مع مصر، والمشكلة فى هذا الأمر أن شركة "ايني" هى الوحيدة القادرة على استكمال الكشف وفقا للعقد المبرم معها، ما يؤثر على سير العمل وما كانت تأمله مصر من تحقيق نجاحات اقتصادية، منوها إلى أن قضية الباحث الإيطالى سيكون لها مردود سلبى على تبادل العلاقات التجارية مع مصر.
وأشار إلى أن الأمر قد يمتد ليصدر الاتحاد الأوروبى قرارًا بحظر المساعدات إلى مصر، خاصة أن مصر والاتحاد الأوروبى بينهما اتفاق على إقامة منطقة تجارة حرة خلال فترة انتقالية مدتها 12عامًا تنتهى بنهاية العام الحالى. ولفت إلى أن الاتحاد الأوروبى كان قد أعلن من قبل تقديم نحو 500 مليون يورو مساعدات لمصر خلال مارس الماضى، وهى المساعدات التى لم ترها مصر بسبب مقتل ريجينى.
وأوضح أن "الحكومة المصرية أعلنت فى أكتوبر الماضى أنه سيتم إطلاق برنامج المساعدات الفنية المقدم من الاتحاد لمصر بتمويل 20 مليون يورو، وهو ما يعنى إمكانية توقفها". فضلًا عن تداعيات ذلك على السياحة الإيطالية التى تشكل أهم الروافد السياحية لمصر؛ حيث وصلت أعداد السائحين الإيطاليين إلى مليون و300 ألف سائح سنويًا، لكنها تراجعت بشكل كبير بعد مقتل ريجينى، وكانت جمعية السياحة الإيطالية أعلنت وقف رحلاتها لمصر متخوفة من امتداد الأزمة إلى باقى الأسواق الأوروبية؛ حيث تستحوذ أوروبا على ما يقرب من 70% من السائحين الوافدين إلى مصر.
وقال الدكتور محمد حلمى، أستاذ الاقتصاد بـ«جامعة بنها»، إنه من المحتمل أن تتخذ روما إجراءات تبدأ بتحذير الإيطاليين من السفر إلى مصر واعتبارها بلدًا غير آمن من أجل إرضاء المجتمع الإيطالى، ثم يتبعها إجراءات بمنع سفر السائحين فى حالة عدم كشف الحقيقة، وهو ما سيكون سببا فى تحذير الإيطاليين والأوربيين من السفر إلى مصر واعتبارها بلدا غير آمن من أجل إرضاء المجتمع الإيطالى، ثم يتبعها إجراءات بمنع سفر السائحين فى حالة عدم كشف الحقيقة، وأضاف أن إيطاليا يمكنها أن تتخذ إجراءات فى قطاع السياح مثلما فعلت روسيا، خاصة أن السياح الإيطاليين يفضلون قضاء إجازاتهم فى شرم الشيخ والغردقة.
وأوضح أنه لا توجد حالات مماثلة مع إيطاليا تم فيها قتل وتعذيب أحد مواطنيها فى دولة أخرى واتخذت إجراءات سلبية ضدها لعدم الكشف عن الحقيقة. واعتبر الخبير الاقتصادى قرار إدارة متحف "تورينو" فى إيطاليا إطلاق اسم ريجينى على قاعة الآثار المصرية بالمتحف، دعاية سلبية للسياحة، لاسيما فى ظل زيارة الملايين لهذا المتحف، منوها إلى أن اعتبار مصر بلدا غير آمن للسياح ووقف رحلات الطيران سيوجه ضربة شديدة للسياحة المصرية خاصة مع تراجعها.
وقال الخبير الاقتصادى إن مصر سوف تخسر كثيرا فى حالة مساندة فرنسا أو بريطانيا لروما، حيث تستحوذ الاستثمارات الإنجليزية فى مصر على نصيب الأسد بنحو 25 مليار دولار بما يمثل نصف الاستثمارات الخارجية بمصر، ويقدر حجم الاستثمارات الفرنسية فى مصر بنحو 6.7 مليار دولار، تنفذها 646 شركة فرنسية، خاصة أن فرنسا تعد خامس أكبر مستثمر فى مصر.
وبالنسبة للاستثمارات الألمانية، قال إن هناك 935 شركة ألمانية أو ألمانية مشتركة تستثمر ما يقرب من 2 مليار و430 مليون يورو فى السوق المصرى فى الوقت الذى يقدر حجم الاستثمارات الأوروبية فى مصر، بـ 5 آلاف مشروع تقدر قيمتها بـ 40 مليار دولار.