أحمد عز العرب الرئيس الشرفي لحزب الوفد يكتب: نحو تحالف دولي جديد "1"
خرج علينا الثعلب العجوز زيجنيو برزينسكي، مستشار الرئيس الأسبق كارتر للشئون الخارجية، وأحد أشد صقور اليمين الأمريكي تطرفًا في الدفاع عن الهيمنة الأمريكية على العالم، والتي تراجع فيها مؤخرًا أزاء تراجع القوى الأمريكية عن السيطرة المنفردة على العالم بحكم واقع التحديات المؤلمة التي تواجهها، خرج علينا بنظرية جديدة عن تحالف دولي جديد قد تسترد به أمريكا ما يمكن إنقاذه من نفوذها المتراجع، ففي المجلد 11 من مؤلفاته بتاريخ 6 نوفمبر 2015 والذي نشر في 17 أبريل عام 2016 يدعو برزنسكي لرؤية جديدة لعلها تعوض بعض ما ضاع على أمريكا من نفوذ فيقول بالحرف الواحد:
بينما ينتهي عصر السيطرة الأمريكية المنفردة على العالم، فإن أمريكا تحتاج إلى أخذ المبادرة في إعادة صياغة القوة العالمية، وهناك خمس حقائق أساسية بالنسبة لإعادة توزيع القوة السياسية العالمية والعنف السياسي، ويقظته العنيفة في الشرق الأوسط، فهذان الموضوعان يحددان اقتراب تحالفات دولية جديدة.
وأول هذه الحقائق أن أمريكا مازالت أقوى دولة في العالم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًاَ، ولكن نظرًا للتحولات الجيوسياسية في توازن القوى الإقليمي، فإن أمريكا لم تعد القوة الإمبراطورية العالمية، كما أن ليس هناك أي قوة أخرى عالمية تدعى أنها القوة الإمبراطورية الجديدة بدلًا من أمريكا.
والحقيقة الثانية أن روسيا تمر بآخر إرهاصات تراجعها الإمبراطوري وهى عملية مؤلمة لها، وروسيا ليست مستبعدة تمامًا من النفوذ العالمي إذا تصرفت بحكمة فيمكنها التحول إلى دولة أوروبية كبيرة، ومع ذلك فحاليًا تتحول روسيا بلا داعي إلى معاداة بعض رعاياها السابقين في العالم الإسلامي الجنوب غربي لما كان يومًا ما إمبراطوريتها الضخمة، كما تعادي أوكرانيا وروسيا البيضاء، فضلًا عن جورجيا ودويلات البلطيق.
والحقيقة الثالثة هى أن الصين تصعد صعودا ثابتًا رغم تباطؤ خطوات صعودها مؤخرًا، ولكنها مع ذلك تواصل الصعود إلى مرتبة المساوي لأمريكا ومنافسها المحتمل ولكن الصين في الوقت الحالي حريصة على ألا تسبب تحديًا مباشرًا لأمريكا، فعسكريًا يبدو أن الصين تحاول تطوير جيل جديد من الأسلحة، بينما تحافظ على حريتها المحدودة الحجم جدًا الآن.
والحقيقة الرابعة هى أن أوروبا الآن لا تستطيع أن تكون قوة دولية ولا يبدو أنها ستستطيع ذلك مستقبلًا، ولكنها تستيطع أن تلعب دورًا بناءً في مواجهة التحديات المرحلية لسلام العالم، بل عدم فنائه وبالإضافة لذلك فإن أوروبا حليف سياسي وثقافي ومساندة لمصالح أمريكا في الشرق الأوسط، وصلابة أوروبا داخل حلف الناتو ضرورية لحل إيجابي للمشكلة الروسية الأوكرانية.
والحقيقة الخامسة هى أن اليقظة العنيفة حاليًا بين الدول التي كانت مستعمرات أوروبية في شعوب إسلامية فهذه اليقظة تبدو من جهة رد فعل متأخرا للقهر العنيف الذي تعرضت له والذي كان معظمه يتم على يد قوى أوروبية، فهو يشعل شعورًا عميقًا بالظلم له دوافع دينية توحد أعداد كبيرة من المسلمين ضد العالم الخارجي، ولكن في نفس الوقت وبسبب الطائفية داخل العالم الإسلامي، والتي لا دخل للغرب بها فإن الغليان الأخير لمشاعر تاريخية عامل مفتت للعالم الإسلامي، وإذا أخذنا كل هذه العناصر في بودقة واحدة فإن هذه الحقائق الخمس تؤكد لنا أن على أمريكا أخذ المبادرة في إعادة صياغة صرح القوة العالمية بصورة تجعل العنف الذي يتفجر من وقت لآخر داخل العالم الإسلامي ويتدفق إلى خارجه، وربما يمتد مستقبلًا إلى مناطق أخرى فيما يعرف بالعالم الثالث يمكن احتواؤه دون تحطيم النظام العالمي، فنستطيع صياغة هذا الصرح الجديد عن طريق التوسع في شرح هذه الحقائق الخمس.
ونقف عند هذه الفقرة من عرض برزينسكي لنستأنف في المقال التالي عرض وجهة نظره.
ولكننا لا يمكن إطلاقًا أن نترك هذه النقطة قبل أن نقول لبرزينسكي الكذاب إن تفجر الطائفية الدينية داخل العالم الإسلامي، لم يكن لأسباب لا دخل للغرب بها، فالكذاب يغفل أن أكبر صراع طائفي داخل العالم الإسلامي وخاصة بين السنة والشيعة كان مائة في المائة صنع المخابرات الأمريكية، ولن نحتاج لدليل أكبر من اعتراف ريتشارد نكسون نفسه في كتابه "1999- نصر بلا حرب"، أن حرب الإبادة بين العراق وإيران كانت نتاج الخطة الأمريكية وأن ثماني سنوات من الإبادة من عام 1980 حتى عام 1988 كانت بمباركة أمريكية كاملة وكانت أمريكا تسلح الطرفين وتساعدهما على استمرار الحرب كما يعترف نيكسون نفسه في كتابه المذكور أعلاه والذي ندعو السذج في عالمنا العربي لقراءة هذا الكتاب لإدراك ما يحكيه في الظلام الشرير الأمريكي.