رئيس التحرير
خالد مهران

نحو تحالف دولي جديد "2"

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب

وقفنا في المقال السابق عند تعليقنا على برزينسكي الكذاب الذي ينكر أي صلة للاستعمار الغربي بالصراع الشيعي السني في الشرق الأوسط، وواجهناه باعترافات ريتشارد نيكسون نفسه بأن الحرب العراقية الإيرانية من عام 1980 حتى 1988 كانت من صنع وتسليح أمريكا للطرفين، ويستطرد برزينسكي في هذا المقال عرض نظريته عن التحالف الدولي الجديد الذي يراه في ضوء عدم انفراد أمريكا بالهيمنة على العالم رغم أنها مازالت أقوى دولة عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا. 

ويقول برزينسكي إن الحقائق الخمس التي أوضحها في مقاله السابق يمكن التوسع في شرحها على النحو التالي: 
أولًا: تستطيع أمريكا أن تكون فعالة في مواجهة العنف في الشرق الأوسط إذا أنشأت تحالفًا يضم بدرجات متفاوتة روسيا والصين، ولتمكين مثل هذا التحالف من القيام يجب أولًا إثناء روسيا عن اعتمادها على استعمال القوة منفردة ضد جيرانها وخاصة أوكرانيا وجورجيا ودويلات البلطيق، كما يجب إثناء الصين عن فكرة أن السلبية الأنانية في وجه تصاعد أزمة الشرق الأوسط ستثبت أنها ستفيد الصين في طموحاتها السياسية والاقتصادية عالميًا فهذه الاندفاعات قصيرة النظر سياسيًا يجب تحويل مجراها إلى رؤية أكثر عمقًا. 

وثانيًا: روسيا تتحول الآن لأول مرة في التاريخ إلى دولة قومية حقيقية، وهو تطور ضخم لا ينتبه له الكثيرون، فالإمبراطورية القيصرية بأجناسها المتعددة السلبية سياسيًا إلى حد كبير انتهت عند نهاية الحرب العالمية الأولى، وإقامة الشيوعيين لما زعموا أنه اتحاد توافقي اسموه "اتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفيتية"، الذي كانت القوة فيه في يد روسيا وحدها حل محلها، وانهيار الاتحاد السوفيتي في نهاية عام 1991 أدى إلى ظهور فجائي لدولة روسيا في أغلبيتها كوريث لها، وتحول الجمهوريات السوفيتية السابقة غير الروسية إلى دول مستقلة رسميًا، وتدعم هذه الدول حاليًا استقلاليتها، وكلا من أمريكا والصين في مناطق مختلفة وبطرق مختلفة تستغلان هذه الحقيقة الجديدة ضد مصلحة روسيا، وفي هذه الأثناء يعتمد مستقبل روسيا على قدرتها في أن تصبح قوة كبرى ذات نفوذ في صورة دولة قومية وجزء من أوروبا موحدة، فإن لم يفعل ذلك قد يكون له آثار درامية سلبية على تحمل روسيا للضغط الديموجرافي الصيني المتزايد، وهو ضغط سيتزايد بتزايد قوة الصين، وعلينا أن نتذكر المعاهدات غير المتكافئة التي فرضتها روسيا على الصين في الماضي. 

وثالثًا: فإن النجاح الاقتصادي الضخم الذي حققته الصين يحتاج إلى صبر دائم وإلى إدراك الصين أن الاستعجال السياسي سيقود للضياع الاجتماعي، فأحسن احتمال سياسي للصين في المستقبل القريب هو أن تصبح شريك أمريكا الرئيسي في احتواء الفوضى العالمية التي تنتشر حاليًا "بما فيه تجاه الشمال الشرقي" من الشرق الأوسط، فإن لم يتم احتواء هذه الفوضى فإن عدواها ستنتقل إلى أراضي روسيا الجنوبية والشرقية وكذا للأجزاء الغربية من الصين والعلاقات القوية بين الصين والجمهوريات الجديدة في وسط آسيا والمستعمرات البريطانية السابقة المسلمة في جنوب غرب آسيا "وخاصة باكستان"، وخاصة مع إيران ذات الأهمية الاستراتيجية والقوة الاقتصادية، فهذه كلها أهداف طبيعية للامتداد الجيوسياسي الصيني، ولكن يجب أيضًا أن تكون أهدافًا لتوافق دولي صيني أمريكي. 

ورابعًا: فإن الاستقرار المعقول لن يعود إلى الشرق الأوسط لو كانت التشكيلات المحلية المسلحة تعتقد أنها تستطيع في نفس الوقت أن تكون مستفيدة من تحالف إقليمي جديد بينما تستطيع كذلك استخدام العنف الشديد، فقدرة هذه الجماعات على التصرف بطرق وحشية لا يمكن احتواؤها إلا بالضغط المتزايد الفعال ولكن الانتقائي النابع من قاعدة أمريكية روسية صينية تتعاون معًا وتقدر في نفس الوقت على تقوية فرصة استعمال القوة بطريقة مسئولة من دول المنطقة المستقرة "وهى بالتحديد إيران وتركيا وإسرائيل ومصر"، وهذه الدول من حقها أن تتلقى مساعدة انتقائية من أوروبا، وفي الظروف الطبيعية يمكن أن تكون السعودية لاعبًا هامًا ضمن هذه المجموعة، ولكن الميل الحالي للحكومة السعودية بالاستمرار في نشر الفكر الوهابي المتزمت رغم الجهد التحديثي الذي تقوم به يلقي بالشك القوي في قدرة السعودية على القيام بدور إيجابي مهم وبناء. 


ونقف عند هذه الفقرة ونترك للمقال القادم عرض الحقيقة الخامسة وتعليقنا على محاولة برزينكسي المكشوفة للسيطرة من جديد على المسرح العالمي، وضرب القوى المشتركة في صراع الشرق الأوسط بعضها ببعض.