رئيس التحرير
خالد مهران

نحو تحالف دولي "4"

أحمد عز العرب الرئيس
أحمد عز العرب الرئيس الشرفي لحزب الوفد


وقفنا في المقال السابق عند اعتراف بريزينسكي نفسه بجرائم الرجل الأبيض ضد العالم الإسلامي في القوقاز وأندونسيا والجزائر وليبيا. 

 ويستأنف برزينسكي عرض جرائم لرجل الأبيض ضد العالم الإسلامي قائلًا: 
في الماضي القريب في أفغانستان بين عامي 1979 و1989 قام الاتحاد السوفيتي بقتل حوالي مليون أفغاني مدني، وبعد ذلك بعشرين عاما قامت أمريكا بقتل ستة وعشرين ألف أفغاني في حربها التي دامت 15 عامًا في أفغانستان، وفي العراق قتلت أمريكا وحلفاؤها مائة وخمسة وستين ألف مدني في حربها خلال الثلاثة عشر عامًا الماضية، والخلاف بين تقدير عدد من قتلهم المستعمر الأوروبي، ومن قتلتهم أمريكا وحلفاؤها في العراق وأفغانستان قد يكون مرده التقدم التكنولوجي الذي نتج عن استعمال أكثر كفاءة للقوة والتحول في الجو العالمي، ومن الصادم كذلك بالنسبة لهذه الفظائع سرعة نسيان الغرب لها، ففي عالمنا الحالي في عصر ما بعد الاستعمار يبرز فكرا تاريخيا جديدا، وهو سخط شديد على الغرب وتاريخه الاستعماري في الدول الإسلامية وما وراءها يفسر تبريرًا لشعور هذه المستعمرات السابق بالحرمان وضياع الكرامة، أبرزها الشاعر السنغالي دافيد ديوب في قصيدته "الخفافيش". 

وفي ضوء كل هذه الجرائم فإن أمام أمريكا طريق مؤلم طويل نحو تصالح محدود مع العالم الإسلامي، ونفس الشيء بالنسبة لروسيا والصين، وبالنسبة لأمريكا سيحتاج الأمر صبرًا وإصرارًا لخلق علاقة تعاونية مع شركاء جدد خصوصًا روسيا والصين، وكذلك مجهودًا مشتركًا مع دول إسلامية راسخة مثل تركيا وإيران ومصر، وكذلك السعودية إذا استطاعت فصل سياستها الخارجية عن التطرف الوهابي، وبذلك يمكن إنشاء إطار أوسع لاستقرار إقليمي، أما حلفاؤنا الأوربيون الذين كانوا مسيطرين في هذه المنطقة فمازل يمكنهم المساعدة في هذا الخصوص. 

إن انسحابًا كاملًا لأمريكا من العالم الإسلامي الذي ينادي به الأمريكيون الانعزاليون قد يسبب حروبًا جديدة مثل حرب بين إسرائيل وإيران أو بين السعودية وإيران أو تدخلًا مصريًا على نطاق واسع في ليبيا، وقد تؤدي مثل هذه الحروب إلى مشكلة أعمق من انعدام الثقة في دور أمريكا في الاستقرار العالمي وبطريقة مختلفة، ولكن لا يمكن التنبؤ بنتائجها فإن روسيا والصين قد يكونان المستفيد الجيوسياسي الأول من مثل هذا التطور، حتى ولو كان النظام العالمى نفسه قد يصبح الضحية الجيوسياسية الأولى لمثل هذه السياسة. وأخيرا وليس آخرا ففى مثل هذه الظروف فإن أوروبا منقسمة وخائفة قد ترى دولها الحالية تبحث عن قوى تحميها وتتنافس فيما بينها لخلق ترتيبات منفصلة مع القوى الثلاث العظمى أمريكا وروسيا والصين. 

إن سياسة أمريكية بناءة يجب أن تحركها بصبر رؤية طويلة المدى وأن تبحث عن نتائج تحفز روسيا على التحقق التدريجي من أن مكانها الوحيد كدولة ذات نفوذ دولي هو في النهاية داخل أورويا، وربما لا يكون هذا إلا بعد زوال حكم بوتين، أما دور الصين المتزايد في الشرق الأوسط فيجب أن يعكس تفهما أمريكيا صينيا متبادلا، أن شراكة متنامية بين أمريكا والصين بالنسبة لمواجهة أزمة الشرق الأوسط هى شيء تاريخي وامتحان لقدرتهما على صياغة وتطوير استقرار عالمي على نطاق أوسع. 

ونقف عند هذه الفقرة لنستكمل عرض بريزينسكي حتى لا نترك فرص فضح الفكر الاستعماري الساذج الذي يطرحه علينا، فهو يظن أن اعترافه بجرائم الاستعمار في الماضي سينسينا جرائمه الحالية ويظن لسذاجته أننا يمكن أن نبتلع أكذوبته الجديدة من أن أمريكا على وشك الندم واتباع سياسة جديدة بناءة في العالم، وتحمله أحلامه ليعيد ترتيب العالم من جديد على نحو يعزل فيه أقوى خصوم أمريكا روسيا والصين عن بعضهما البعض ويجعل من الصين حليف أمريكا الأساسي وبالتالي عدوا لروسيا وينسى تماما أن الكلام عن تعاون مصرى تركي إيراني سعودي مع أمريكا في استقرار العالم هو جزء من أكاذيبه الجديدة وأحلام يقظته الخائبة. 

أين مؤامرة تقسيم الشرق الأوسط الجديد يا سيد بريزينسكي؟، ألا تسير أمريكا في تنفيذها بإصرار إجرامي حتى بعد أن ضرب عملاؤنا الأساسيون في المنطقة من عصابة الارهاب المتأسلم ضربة قاتلة على يد ثورة مصر المدجنية في 30 يونيه 2013. 

أفق من هلاوسك يا سيد بريزينسكي لقد وعدنا والتزمنا بعرض كلامك بأمانة كاملة وبنفس الأمانة سنفضح أكاذيبك ومحاولاتك الفاشلة لخداعنا من جديد.