رئيس التحرير
خالد مهران

الوزيرة والعميد

محمد سعد عبد الحفيظ
محمد سعد عبد الحفيظ


قبل نحو 10 سنوات، زرت معهد القلب لعيادة زميل تم حجزه لإجراء عملية قسطرة بالقلب، ورغم أن زيارتى لم تستغرق أكثر من نصف ساعة فإننى شعرت بالقرف الذى يصل إلى حد الغثيان نتيجة ما وقعت عليه عينى من مشاهد لا تليق بصرح طبى حكومى من المفترض أنه كبير.

قبل شهور قليلة، عاودت زيارة المعهد مع زميلين صحفيين دخلا فى مشكلة مع أفراد أمن المعهد، وقبل توجهى إلى مكتب عميد المعهد الدكتور جمال شعبان، تجولت فى طرقات المعهد بصحبة أستاذة من أساتذته، الوضع اختلف 180 درجة، عما كان عليه قبل 10 سنوات، النظافة بلغت حدها الأدنى، وإلى حد ما اختفى الزحام وتكدس المرضى أمام البوابات، ولم أر مريضا يتناول علاجه فى الطرقات.

خلال حوارى معه لفت نظرى أن شعبان مهتم بكل التفاصيل، يشعر بالغبن نتيجة اهتمام وسائل الإعلام وأجهزة الدولة المختلفة بمؤسسات علاجية خاصة أو تابعة لجمعيات أهلية وإهمالها للمعهد الحكومى الذى يعالج الغلابة بالمجان فى «الكيت كات» وبفرعه الجديد بأرض مطار إمبابة.

الأسبوع الماضى، زارت وزيرة الصحة هالة زايد المعهد، ووجهت للعميد نقدا أمام مرءوسيه، واتهمته أنه «وسخ المعهد»، فرد عليها شعبان، وهو أستاذ فى مجاله وله أبحاث ودراسات منشورة فى دوريات أجنبية عديدة، قائلا: «حضرتك بكلامك ده بتهدمى مجهود العاملين فى المعهد»، لم تقبل الوزيرة رد الأستاذ وقالت له: «متنساش نفسك انت بتكلم وزيرة»، فرد عليها العميد: «وزيرة على عينى وراسى، بس كلام سيادتك لا ينطبق على الأرض، أنا استملت المعهد خرابة».

بعد تلك الواقعة بساعات أصدرت الوزيرة قرارا بإقالة شعبان من منصبه بحجة أنه قصر فى واجباته الوظيفية، وكلفت نائبه بخلافته.

بحسب بيان صادر عن وزارة الصحة نهاية العام الماضى، فإن معهد القلب أجرى 4952 عملية، ضمن مبادرة الرئيس للقضاء على قوائم الانتظار، وأشادت الوزارة على لسان متحدثها الرسمى بدور المعهد، باعتباره أعلى مستشفى قام بإجراء علميات ضمن المبادرة.

بعد قرار إقالة شعبان أصدرت وزارة الصحة بيانا آخر اتهمت فيه شعبان بالتقصير، وقالت الوزارة فى بيانها إن اللجنة التى تم تشكيلها لمتابعة إنهاء قوائم الانتظار تبين لها وجود عدد 3598 مريضا لم يسجلوا من خلال المعهد ضمن منظومة قوائم الانتظار، مما يؤجل إجراء جراحاتهم العاجلة، وأضاف المتحدث باسم الوزارة: أن اللجنة تبين لها أيضا أن عدد العمليات التى أجريت فى الفترة من 1 يناير 2019 وحتى 5 مارس الحالى 79 عملية جراحية فقط من أصل 660 حالة مسجلة على منظومة قوائم الانتظار.

البيانان الصادران عن الوزرة فى أقل من شهر يكشفان حجم التناقض، ومن إشادة بالمعهد باعتباره من أفضل المؤسسات العلاجية، إلى اتهام بالتقصير بناء على متابعة لجنة، ما بين البيانين كانت المواجهة بين الوزيرة وعميد المعهد.

لا أريد أن أتورط فى التعاطف مع عميد المعهد المحتفى به، لكن بحسب مصدر فى المعهد فإن عدد العمليات التى تم إجراؤها خلال 65 يوما هى 3598 عملية مجانية أجريت دون انتظار موافقة الدولة على قرارات العلاج المجانى تحت مسمى طوارئ، منها 3166 عملية قسطرة و502 عملية قلب مفتوح، وأشار المصدر نفسه إلى أن انتظار عمليات القسطرة كانت تستمر لنحو 95 يوما، وعمليت القلب المفتوح كانت تنتظر 165 يوما، وهو ما تمكن شعبان من القضاء عليه.

وقال المصدر إن سبب الأزمة أن شعبان أجرى تلك العمليات خارج المنظومة الإلكترونية لبرنامج قوائم الانتظار، فضلا عن أنه توسع فى العلاج المجانى، واتخذ بعد تعيينه بأيام قرارا بتحويل دور بالمعهد كان مخصصا للعلاج الفندقى وفتحه أمام العلاج بالمجان لـ«الغلابة».

الشواهد تكشف أن للواقعة جانبين، الأول أن عميد المعهد كان له رؤية للإصلاح والتطوير منذ أن كان أستاذا بالمعهد، وبمجرد توليه منصبه عمل على تنفيذها وحقق نجاحا لفت له الأنظار، فلاحقه الإعلام باعتباره «ليمونة فى بلد قرفانة»، وهو ما يزعج بعض المسئولين، الجانب الثانى أن العميد، تحايل كى يعالج فقراء مرضى القلب بالمجان.

اللافت أن شعبان الذى لقب على منصات التواصل الاجتماعى بـ«طبيب الغلابة» تحول إلى بطل شعبى، ليس لأنه طور المعهد، أو لأنه قرر علاج الغلابة بالمجان، لكن لأن حالة الغضب تجاه سياسات السلطة دفعت الناس إلى التعاطف مع كل من تعصف به تلك السلطة بغض النظر عن الأسباب.

نقلًا عن "الشروق"