فلسطين.. غابت عربيا وظهرت في هارفارد
بالتزامن مع العملية العسكرية التى شنها جيش الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة الأسبوع الماضى والتى سقط فيها عشرات الشهداء بينهم 8 أطفال من أسرة واحدة تنتمى إلى عائلة السواركة، وبينما أصيب الشارع العربى بحالة من الخرس على تلك الانتهاكات، قرر طلاب كلية الحقوق بجامعة هارفارد الأمريكية فى نيويورك الاحتجاج على الجرائم الإسرائيلية بطريقتهم.
وبحسب فيديو تداوله نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى، ظهر طلاب هارفارد وهم يقاطعون كلمة للقنصل الإسرائيلى فى نيويورك دانى دايان، عندما كان يستعد لإلقاء محاضرة فى إحدى قاعات كلية الحقوق.
غادر طلاب الحقوق القاعة مع بدء كلمة القنصل الإسرائيلى والتى خصصها للحديث عن «الاستراتيجية القانونية للمستوطنات الإسرائيلية»، ورفعوا لافتات وشارات سوداء، كتب عليها عبارات تعبر عن تضامنهم مع فلسطين ورفضهم للعدوان الإسرائيلى.
ورغم مغادرة معظم الطلاب القاعة استمر دايان فى إلقاء محاضرته أمام مدرجات شبه خالية، فيما نظم الطلاب وقفة احتجاجية خارج القاعة ضد استضافة جامعتهم للقنصل الذى وصفوه بـ«مجرم حرب»، فى الوقت الذى تتعرض فيه غزة للقصف بالطائرات الإسرائيلية، ورفضا لمحاولة المسئول الإسرائيلى إضفاء الشرعية على سياسة السطو التى تتبعها تل أبيب لإقامة مستوطنات على أرض يملكها أهل فلسطين.
دايان نشر على حسابه بموقع «تويتر» صورا للمحاضرة من إحدى الزوايا تجنب فيها إظهار المدرجات الخاوية، وأرفقها بكلمات شكر لإدارة كلية القانون بجامعة هارفارد العريقة التى أتاحت له الفرصة لتقديم محاضرة يشرح فيها موقف دولته من المستوطنات.
قلب فيديو طلاب هارفارد المواجع على الجمهور العربى الذى صمت مكرها على جرائم العدو الصهيونى ضد أهل فلسطين منذ سنوات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعى استدعى البعض مشاهد من تفاعل الجامعات والميادين مع أهل غزة ومع المقاومة الفلسطينية بكل أطيافها إبان الاعتداءات الإسرئيلية السابقة، ونشروا فيديوهات من مظاهرات الغضب التى انطلقت فى العواصم العربية نهاية 2008 مع فيديو طلاب هارفارد مصحوبة بعبارات اعتذار عن الحالة التى وصلنا إليها «الخرس يصيب الجامعات العربية وطلاب هارفارد ينتفضون ضد جرائم إسرائيل».
ليس من الانصاف لوم الشارع العربى على غضه الطرف عن اعتداءات إسرائيل المتكررة على أهل غزة ولا على تراجع القضية الفلسطينية فى سلم أولوياته، فالتشويه المتعمد للمقاومة وتحويلها من حائط صد وخط دفاع أول عن القضية العربية الأم إلى كيان متهم بالإرهاب تم التخطيط له وتنفيذه وتسويقه من خلال منصات إعلامية تابعة للأنظمة العربية، حتى تتمكن تلك الأنظمة من فتح خطوط الاتصال والتطبيع مع العدو الصهيونى دون أى محاولات عرقلة أو رفض من شعوبها.
سقطت القضية الفلسطينية عمدا ومع سبق الاصرار ووصل الأمر إلى تباهى رئيس الوزراء الصهيونى بنيامين نتنياهو بعلاقات بلاده العلنية والسرية مع أنظمة عربية، حتى أنه أعلن مؤخرا أن إسرائيل دخلت فى أحلاف عسكرية وأمنية للحفاظ على أمن وأراضى دول الجوار «نحن أقوياء لدرجة أننا قادرون على منع الاستيلاء على هذه الدول»، قال نتينياهو خلال مؤتمر فى البرلمان الإسرائيلى لإحياء الذكرى الـ 25 لتوقيع معاهدة السلام مع الأردن الأسبوع الماضى.
لم تسقط القضية من حسابات الشارع العربى بسبب حملات التشويه المتعمد التى طالت المقاومة وأهل فلسطين فقط، فالعنف الذى تواجه به الأنظمة المظاهرات والاحتجاجات وعلميات الاعتقال الممنهجة التى ترتكز على قوانين «منع التظاهر» أشاعت الخوف وجعلت الشباب يفكر ألف مرة قبل النزول إلى الشارع للتعبير عن تضامنه أو رفضه لتطبيع حكوماته مع المعتدى.
بالطبع لن تطول تلك الحالة، ولن تستمر عمليات حصار الجماهير العربية، كما لن تنجح عمليات التشويه الممنهج للقضية الفلسطينية، فالشعوب التى تمكنت مؤخرا فى السودان والجزائر ولبنان والعراق من نفض الخوف عن كاهلها وقلب الموازين ستعيد ترتيب قضاياها وستعود فلسطين إلى موقعها الطبيعى قضية العرب المركزية وستظل إسرائيل هى العدو مهما حاولوا تغيير عقيدة الشعوب.
نقلًا عن "الشروق"