عادل توماس يكتب.. اجتماع فندق الماسة ونقل مفاجئ يثير تساؤلات حول معايير التنقلات في مصلحة الضرائب

في عالم الإدارة العامة هناك نوعان من المسئولين: الأول يرى منصبه فرصة للإصلاح والتطوير والثاني يرى المنصب كقلعة محصنة لا تقبل التغيير وعندما يلتقي هذان العالمان تحدث أشياء مثيرة للاهتمام كأن تجد مسؤولة نفسها في مكان مختلف تماما عما بدأت فيه، ليس بسبب فشلها، بل لأنها حاولت النجاح في المكان الخطأ!
في فندق الماسة، اجتمع وزير المالية ونوابه ورئيسة مصلحة الضرائب مع رؤساء المأموريات من مختلف محافظات مصر في لقاء بدا منذ لحظاته الأولى وكأنه أحد طقوس البيروقراطية التي تعقد لإثبات أن الاجتماعات تحدث وليس بالضرورة لإنتاج قرارات حقيقية عنوان الاجتماع؟ قانون التسهيلات الضريبية النتيجة؟ لا شيء سوى “ربنا معاكم” ودعوات من الحضور بالصبر في نهار رمضان!
لكن، لم يكن هذا ما شغل أذهان الحاضرين، فالحديث الأبرز في أروقة الفندق لم يكن عن التسهيلات الضريبية بل عن القرار المفاجئ بنقل مديرة مأمورية ضرائب المعادي إلى مأمورية ضرائب بولاق الدكرور بعد أسابيع فقط من تعيينها بقرار مباشر من وزير المالية، وهذا القرار أثار من الأسئلة أكثر مما قدم من إجابات!
رحلة مديرة
السيدة التي طالها قرار النقل ليست مجرد موظفة في الجهاز الإداري، بل حاصلة على دكتوراة في التهرب والتجنب الضريبي، وقضت ثلاث سنوات كرئيسة مأمورية، ونجحت في تحويلها إلى نموذج إداري يُحتذى به، وعندما وصلت إلى مأمورية المعادي، بدأت خطة إصلاحية طموحة تضمنت إعادة هيكلة الإدارات الداخلية، وتحسين كفاءة العمل، وإعادة الانضباط الإداري لتقديم خدمات ضريبية أكثر دقة وفعالية، لكن وكما تقول القاعدة الذهبية للإدارة في أماكن كهذه: "إصلاح أكثر من اللازم قد يكون خطأً إداريًا قاتلا، لماذا؟ لأن بعض العاملين بالمأمورية لم يجدوا في التغييرات الجديدة سوى تهديد مباشر لمناخ الراحة المؤسسية، حيث لا توجد مساءلة، وحيث يبقى كل شيء كما هو منذ سنوات، ومن هنا بدأ التململ، ثم الهمس، ثم الاتصالات الهاتفية، ثم الاجتماعات المغلقة، ثم صدر القرار بالنقل!
من يستحق النقل؟
أحد الموظفين في مأمورية المعادي، فضل عدم ذكر اسمه، صرح قائلا: "المديرة كانت تسعى جاهدة لتحسين الأداء، لكن بعض الزملاء لم يتقبلوا التغييرات الجديدة، وكانت لهم ردود فعل عكسية."
وهنا، تبرز الأسئلة الأكثر إلحاحا: هل أصبحت قرارات النقل أداة لمعاقبة الكفاءات بدلًا من مكافأتهم؟ وهل هناك معايير واضحة لتنقلات القيادات أم أن المصالح الداخلية هي التي تحدد مصيرهم؟ وهل تتحول الإصلاحات الإدارية إلى مجرد شعارات فارغة إذا كانت النتيجة النهائية هي إقصاء من يحاول تطبيقها؟ الرسالة واضحة: لا تقترب من عش الدبابير!
في الإدارات التي تحصنت ضد التغيير، لا يكفي أن تكوني ذو كفاءة، بل عليك أن تتقني فن البقاء ضمن الخطوط غير المعلنة فالتوازنات الداخلية أهم من الكفاءة، والحفاظ على “الوضع القائم” أكثر قيمة من أي إصلاح حقيقي.
في هذا السياق، لا عجب أن تستخدم قرارات النقل كأداة تحذيرية لأي شخص تسوّل له نفسه أن يجرب “التغيير الزائد عن الحد”!، لكن المثير هنا أن قرار النقل لم يكن صادرا من الوزير نفسه، بل من رئيسة مصلحة الضرائب، التي استغلت التفويض الصادر لها من الوزير، لتصدر القرار بشكل منفرد، مما يفتح باب التساؤلات حول استخدام التفويضات في مثل هذه القرارات الحساسة.
وفي النهاية نقول إن بعض المعارك لا تخاض بالسيوف، بل بالملفات، وبعض الإقصاءات لا تحدث بسبب الفشل، بل بسبب محاولة النجاح في المكان الخطأ!"