أخطر «4» أوراق ضغط أمام مصر لـ«تركيع» إثيوبيا وحل أزمة «سد النهضة»
وصلت مفاوضات «سد النهضة» إلى مرحلة حرجة وحساسة؛ بعد رفض إثيوبيا التوقيع على الاتفاق النهائي في واشنطن نهاية الشهر الماضي، وبعد أن وقعت عليه مصر بشكلٍ منفردٍ.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل هاجم وزير الخارجية الإثيوبي، غيدو أندرجاتشاو، مصر وأمريكا، متهمًا أمريكا بالانحياز لصالح مصر في مفاوضات سد النهضة.
وشدد على أن إثيوبيا تقيم سداً على أراضيها وتحت سيادتها الكاملة، ولا ينبغي تدخل الولايات المتحدة أو دولة أخرى في تحديد مصلحتها، مبدياً دهشة أديس أبابا من صدور مثل هذا البيان من دولة عظمى.
من جهته أعلن وزير الري الإثيوبي، إن بلاده ستبدأ في موسم الأمطار القادم في يوليو، بعملية تخزين المياه في السد وستليها اختبار توليد الطاقة في مارس2021.
من جانبه تلقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالا هاتفيا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبحث الجانبان تطورات ملف سد النهضة. وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي إن الرئيس الأمريكي أعرب عن تقديره لقيام مصر بالتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق الذي أسفرت عنه جولات المفاوضات حول سد النهضة بواشنطن خلال الأشهر الماضية، باعتباره اتفاقا شاملا وعادلا ومتوازنا، مؤكدا أن ذلك يدل على حسن النية وتوفر الإرادة السياسية الصادقة والبناءة لدى مصر.
كما أكد الرئيس الأمريكي استمرار الإدارة الأمريكية في بذل الجهود الدؤوبة والتنسيق مع مصر والسودان وإثيوبيا بشأن هذا الملف الحيوي، وصولا إلى انتهاء الدول الثلاث من التوقيع على اتفاق سد النهضة.
وقال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، إن الولايات المتحدة الأمريكية شعرت بخيبة أمل شديدة لغياب إثيوبيا عن اجتماع بشأن سد النهضة.
وترأس الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم، اجتماعًا موسعًا لقيادات القوات المسلحة، بمقر الأمانة العامة لـ وزارة الدفاع، بحضور الفريق أول محمد زكى، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، والفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة.
وقال السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، إن الرئيس أشاد الرئيس بجهود القوات المسلحة لتحقيق الأمن والاستقرار والتصدي للعمليات الإرهابية بالبلاد، بالتعاون مع جهاز الشرطة المدنية، وما يبذلونه من تضحيات فداءً للوطن وحفاظًا على أمنه وسلامته ومقدرات شعبها، مؤكدًا ضرورة الاستمرار في التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر والاستعداد القتالي، وصولًا إلى أعلى درجات الجاهزية لتنفيذ أية مهام توكل إليهم لحماية أمن مصر القومي، في ظل التحديات الراهنة التي تموج بها المنطقة.
والسؤال الآن: ما السيناريوهات المتوقعة أمام مصر للخروج من هذه الأزمة؟
يقول الدكتور نصر الدين علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، إنه يتوقع حدوث تدخل أمريكي، من أجل عودة إثيوبيا للمفاوضات، معبرا عن خشيته أن تعود إثيوبيا للمفاوضات بشروط، وفي هذا الحالة يجب على مصر أن ترفض ذلك، وأن تتمسك بما وافقت عليه إثيوبيا في مفاوضات واشنطن، وبما جاء في الاتفاق النهائي الذي صاغته وزارة الخزانة الأمريكية.
وأشار «علام» إلى أن أمريكا هي الداعم الأساسي لإثيوبيا في كل شيء، في الاقتصاد والسياسة والجيش. ثانيا من مصلحة أمريكا عدم دخول طرف آخر في المفاوضات لاسيما الصين. ثالثا إثيوبيا حصلت على أكثر مما كانت تحلم به، حصلت على الاعتراف بالسد وسعته، وحصلت على موافقة الجانب المصري بشراء الكهرباء، لكن احتكار النيل الأزرق خطير جدا على مستقبل الشعب المصري، وبالتالي هو يستبعد حصول إثيوبيا على أي دعم دولى لمواقفها.
وتوقع أن تعمل مصر مع الجانب الأمريكي وأن تحاول إنهاء الموضوع بالتفاوض، لأن البديل هو الدخول في «دوشة»، لكن لابد لمصر أن تكون مستعدة للسيناريو الأسوأ والأخطر، بما في ذلك السيناريو العسكري.
وأضاف «علام» أن قيام إثيوبيا بملء وتشغيل السد قبل التوقيع على الاتفاق يُعد عملًا عدائيًا صريحًا، وفي هذه الحالة وكما جاء في بيان الخارجية المصرية كل السبل تصبح متاحة للتعامل مع التعنت الإثيوبي، كما يجب على العرب استخدام سلاح استثماراتهم في إثيوبيا، ويجب التواصل مع المنظمات الدولية والدول الكبرى لمنع تمويل أي شيء في إثيوبيا، ويمكن أيضا استخدام قناة السويس، من خلال منع مرور السفن التجارية الإثيوبية فيها من أجل عمل حصار اقتصادي على إثيوبيا.
وتابع: «وبالتالي هناك خيارات كثيرة يمكن لمصر أن تصعد بها دون الخيار العسكري، لكن يظل الخيار العسكري موجودا، لاسيما وأن الخيار العسكري لأي دولة هو جزء كبير من قوتها الشاملة، ومن الخطأ عدم وضع هذا الخيار في الاعتبار، وعدم وضعه في الاعتبار يعد تهريجًا»، لافتا إلى أن القوات المسلحة أحد عناصر القوة الشاملة الرئيسية للدولة وفي العلاقات الدولية أيضا.
ويقول الدكتور عباس شراقي، رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، إن هناك ثلاثة سيناريوهات بعد رفض الجانب الإثيوبي التوقيع على الاتفاق، السيناريو الأول هو استجابة إثيوبيا ورضوخها للمطالب الأمريكية والمصرية ومن ثم قيامها بالتوقيع على الاتفاق قبل ملء سد النهضة، وفي هذا الحالة يكون قد تم حل المشكلة. السيناريو الثاني هو قيام الجانب الإثيوبي بتأجيل التوقيع على الاتفاق لما بعد إجراء الانتخابات الإثيوبية مع عدم ملئ وتشغيل السد إلا بعد التوقيع على الاتفاق النهائي، وفي هذه الحالة سوف توافق أمريكا ومصر على ذلك. السيناريو الثالث هو قيام الجانب الإثيوبي بملء وتشغيل السد قبل التوقيع على الاتفاق النهائي، وفي هذه الحالة سيكون هناك موقف مصري مختلف، وهذا الموقف يعود للقيادة السياسية، وهنا يعود الحديث عن السيناريو العسكري.
وتابع: لكن يمكن لمصر قبل ذلك أن تلجأ إلى الأمم المتحدة، لاسيما في ظل وجود الطرف الأمريكي والبنك الدولي، اللذين شهدا المفاوضات، ومن هنا يمكن لمصر الحصول على الضوء الأخضر من الجانب الأمريكي للذهاب إلى الأمم المتحدة، لأن عدم موافقة أمريكا على لجوء مصر للأمم المتحدة سيضعف الموقف المصري، مؤكدا أن قيام إثيوبيا بملء وتشغيل السد دون التوقيع على الاتفاق النهائي يعني قيامها بضرب المعاهدات والاتفاقيات عرض الحائط، وهذا لن توافق عليه مصر، متوقعا عدم قيام إثيوبيا بملء وتشغيل السد هذا العام، لاسيما وأن إنشاءات السد ما زالت لا تسمح بالملء والتشغيل كما أن السد غير جاهز هندسيا، وبالتالي أقل شيء سوف تقبله مصر هو قيام إثيوبيا التوقيع على الاتفاق النهائي بعد الانتهاء من الانتخابات مع عدم ملء وتشغيل السد إلا بعد التوقيع على الاتفاق النهائي.
بدوره، أكد الدكتور هاني رسلان، رئيس بحوث السودان ودول حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن بيان إثيوبيا الأخير لم يحدد موعد التخزين، مشيرًا إلى أن البيان الإثيوبي يتحدى البيان الأمريكي الذي أكد عدم شروع إثيوبيا في ملء السد إلا بعد التوقيع على الاتفاقية بين الدول الثلاثة.
وأضاف «رسلان» إن إثيوبيا لديها طلبات لا تتوافق مع القوانين الدولية، ولا مع المنطق أو حتى العقل، لافتًا إلى أن البيان الإثيوبي يعد تخبطًا كبيرًا من أديس أبابا نتيجة لجهود المفاوض المصري.
وتابع: «عملية التخزين هذا العام ستكون صعبة وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، عن أن التوليد للكهرباء سيبدأ في عام 2021 وليس مايو 2020».
ويقول اللواء حمدي بخيت عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، بهذه المواقف إثيوبيا أثبتت أنها دولة ليس لها مصداقية أمام المجتمع الدولي، وأنها تتحدى المجتمع الدولي وتتحدى إرادة شعوب وادي النيل، وهذا الموقف يتيح لمصر إدانتها أمام المجتمع الدولي، مستبعدًا لجوء مصر للخيار العسكري قائلًا: «مصر ما زالت ملتزمة بالحل السياسي والتفاوض في هذا الملف.. أنا لا أربط حديث الرئيس عن استعداد القوات المسلحة بأي شئ يخص سد النهضة.. استعدادات القوات المسلحة في الحرب على الإرهاب وفي التهديدات التي بدأت حول الحدود الغربية والجنوبية وفي شمال سيناء.. لكن أزمة سد النهضة لن يكون عن طريق الخيار العسكري.. ولكن سيكون عن طريق وضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته.. وهنا تصبح كل الخيارات متاحة أمام مصر للدفاع عن حقوقها المائية».