السيدخيرالله : فساد المحليات.. والقضاء على قانون السداح مداح والفهلوة في معركة مخالفات البناء
كيف زادت عشوائيات الإسكان والتعديات على أراضى الدولة والبناء المخالف، بهذه الصورة للدرجة التى دفعت الرئيس عبدالفتاح السيسى للمطالبة بالقبض على المخالفين حتى يكونوا عبرة لغيرهم؟!.
الإجابة هى: بسبب الزواج الحرام بين المخالفين وقطاع كبير فى المحليات خلال العقود الخمسة الأخيرة، وبالتالى فإن بداية الحل هى وقف هذه العلاقة الحرام والطلاق القسرى بينهما..
لمن لا يدرك حقيقة المشهد، عليه أن يجرب السير فى غالبية شوارع مصر التى تم بناؤها فى العقود الأربعة أو الخمسة الماضية، وباستثناءات قليلة جدا فى بعض المدن الجديدة، فإن الأصل فى المبانى المصرية كان هو العشوائية. جربوا أن تسيروا فى أى شارع جانبى فى «يمين فيصل» حتى امتداداته إلى الدائرى، أو «شمال الهرم» أو المسافة المحصورة بين شارع السودان بالجيزة وطريق مصر الإسكندرية الصحراوى، أو فى منشية ناصر، أو فى العديد من الشوارع المشابهة فى المحافظات المختلفة، وسوف تكتشفون أن العشوائية هى الأصل، والتنظيم هو الاستثناء..
وهذه الظاهرة لا يمكن أن نحملها للأفراد المخالفين فقط، بل الأصل أن نحملها للجهة التى سمحت لهم بذلك.
يصعب وجود بناء مخالف من دون وجود مستفيد فى جهة مسئولة من هذا البناء .
إنه ميراث الفوضى والعشوائية ومخالفة القانون والاستهانة به وتجاوزه.. ميراث ثقيل من الفساد والمفسدين التى غابت ضمائرهم فاستباحوا كل شىء على حساب مصلحة الوطن تحت مظلة قانون "السداح مداح" و"الفهلوة" و"مشى حالك" الذى ساد طوال الأربعين عاما الماضية وابتلع فى طريقه كل القيم والأخلاق واحترام القانون .
وكنا نتوقع ونستبشر خيرا بـ25 يناير إلا أنها أخرجت أسوا ما فينا أو فى فئة ليست بالقليلة منا راحت كالذئاب الجائعة تنهش فى جسد البلاد بالتعدى والفوضى والعشوائية وتدنى الأخلاق وغياب الوعى حتى استيقظنا على الكارثة.
من حق الرئيس السيسى أن يغضب ويثور مما يراه على أرض الواقع، ومما يعرفه ويقرأه من أرقام محزنة ومأساوية ومغزية عن حجم المخالفات فى البناء والتعديات على الأراضى الزراعية.. ومن حقه أن يغضب من الأيدى المرتعشة والمتهاونة والخائفة وغير القادرة على أداء مهمتها الوطنية والحفاظ على مقدرات الدولة من التآكل والنهب من المحافظين ورؤساء المدن والعمد.
فالرئيس ليس وحده الذى تقع على عاتقه مسئولية المواجهة وخوض معركة البناء والتنمية، فلابد أن يتكاتف الجميع من مسئولين ومحكومين بوعى ومسئولية وضمير وطنى وشرف فى أداء المهمة.. فلابد من أدوات وضمائر يقظة مع الرئيس فى هذه المعركة الشرسة والصعبة.
كما قال الرئيس بالأمس "اللى مش قد المسئولية يعتذر عنها.. فالمرحلة تحتاج إلى رجال".. وهى الكلمة التى ضربت فى عمق المشكلة التى تعيشها مصر فى أداء المهام من بعض المسئولين فى المحافظات والمدن بالأداء الوظيفى البائس البليد وليس بروح المسئولية فى مرحلة ما بعد 30 يونيو لتنفيذ القانون بحسم وقوة ودون خوف ومواجهة كل من يسعى لمخالفته مهما كان نفوذه فلا أحد فوق القانون.. وهذه الكلمة على وجه الخصوص كررها الرئيس فى خطاباته السابقة.
ما شاهده الرئيس من تعديات فى إحدى قرى مصر هو جزء بسيط من تعديات فاقت المنطق والعقل، وتكشف عنها الأرقام المفزعة، فخلال الفترة من 25 يناير 2011 حتى يوليو 2018 بلغت التعديات على الأراضى الزراعية حوالى 2 مليون حالة تعد، وفى عام 2017 أصدرت وزارة التنمية المحلية تقرير خاص بمحافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ورد فيه أن عدد المبانى المخالفة تقدر بقيمة 257 ألف مخالفة مما يعنى تقليل مساحة الرقعة الزراعية المستخدمة للزراعة. وكشف حصر آخر لوزارة الإسكان عام 2018، أنه بلغ 2 مليون و800 ألف عقار مخالف، ووصل إلى 3 ملايين عقار مخالف، وفق لتقديرات لجنة الإسكان بمجلس النواب، ورصد التقرير انتشار العقارات والمناطق العشوائية فى 226 مدينة تشكل القطر المصرى، ووصلت نسبة العشوائية من المبانى إلى 40% فى محافظات الإسكندرية والشرقية والقاهرة والجيزة والقليوبية والتى تعد أكثر المحافظات فى انتشار المبانى العشوائية .
هل يمكن الصمت على هذا الوضع.. من تراخى وتهاون فى مواجهة هذه التعديات.. المحاسبة واجبة.. وتفعيل القوانين وتنفيذها بقوة وحسم هو الحل الآن وفى المستقبل.. والمسئولية تقع على عاتق الجميع بأدوات مختلفة. فالحفاظ على مقدرات الدولة وأراضيها الزراعية حرب لا تقل فى قسوتها عن الحرب ضد الإرهاب وأظن أن حسمها قد بدا بقرار الرئيس بتولى اللواء أركان حرب حسن عبد الشافى منصب رئيس هيئة الرقابة الإدارية .
لم يكن الفساد مجرد كلمة تُطرق إلى الآذان وتمر مرور الكرام دون التوقف عندها ولكنه يمثل خطورة حقيقية تواجهها أي دولة لا تقل عن الارهاب نظرًا لانه يعوق مسيرة التنمية؛ ويعد"صداع" في رأس حكومات الدول بكافة مستوياته لانه لايمكن محاصرته إلا بمواصلة الجهود وإصلاح المحليات في المقام الاول للتصدي له.
وقد أكد عدد من الخبراء في الشأن السياسي والإقتصادي أن الروتين في المحليات وعدم تغيير الأوضاع بها أدى لتفشي ظاهرة الفساد ويرجع ذلك إلى أنه على مدار العقود الماضية حتى منتصف عام 2013م شهدت الاجهزة الادارية بالدولة حالة من عدم الاستقرار ما بين عدم الانضباط الاداري وعدم تطبيق القانون، فضًلا عن تدني أجور العاملين وغياب الضمير دفعهم للضغط على المواطن لتقاضي الرشاوي، فضًلا عن تطبيق البيروقراطية داخل المؤسسات لتسيير الأعمال. وأشار الخبراء إلى أننا بحاجة لثورة إدارية شاملة تبدأ في المحليات وتتضمن إعداد العنصر البشري إعداد جيد لمكافحة الفساد، و تطوير اللوائح والقوانين المطبقة، وتطبيق نظم الحوكمة والتحول الرقمي مما سيحد من الفساد، مؤكدين أن الدولة تعمل حاليًا على تطبيق استراتيجية للحوكمة الرشيدة، و تشديد الاجراءات من قبل الاجهزة الرقابية على الفاسدين والمرتشيين مما سيحد بشكل كبير على ظاهرة الفساد