مهارات التفاوض
هو مشهد يُدرَّس فى العلاقات الدولية، هذه المفاوضات «الماراثونية» التى تجرى حاليا بين الولايات المتحدة وإيران، فرغم أنه لا يوجد تواصل مباشر بين الجانبين، إلا أن مفاوضات فيينا من أجل العودة إلى الاتفاق النووى (5+1، وتضم إيران وفرنسا وبريطانيا وألمانيا بجانب الولايات المتحدة) حدث فيها بعض التقدم، وتشكلت مجموعات عمل هدفها الوصول لنص جديد للاتفاق النووى.
والحقيقة أن التشدد الإيرانى فى هذه المفاوضات لم يكن بالشعارات ولا هتاف «الموت لأمريكا» (حتى لو ردده كثير من المتشددين هناك)، إنما بالرد العملى على تخريب مفاعل نطنز من قبل الموساد الإسرائيلى برفع درجة التخصيب إلى 60% (مسموح فقط 3.67% وفق الاتفاق النووى الذى وقَّعت عليه إيران فى 2015 قبل أن تتخلى عنه إدارة ترامب)، وهو أمر استفز الأمريكيين والأوروبيين الذين مارسوا ضغوطًا على إيران دون أن يوقفوا التفاوض معها.
يقينًا الولايات المتحدة تبحث عن انتصار دبلوماسى وسياسى جديد عبر التفاوض مع إيران، خاصة عقب فشل سياسة ترامب فى الضغوط القصوى من أجل انهيار إيران أو تغيير سلوكها أو تراجعها عن برنامجها النووى، أو حتى التوقف عن تدخلها فى شؤون الدول العربية.
صحيح أن إيران عانت اقتصاديًا، إلا أنها لم تنهر، وهذا ما جعل الإدارة الأمريكية الجديدة تعود لسياساتها الاحتوائية التى اتبعها أوباما بحق إيران وتقوم على معادلة رفع العقوبات الاقتصادية فى مقابل القضاء على مشروعها النووى وإنهاء أى طموحات إيرانية بامتلاك سلاح نووى.
وللوصول إلى هذه المعادلة، فإن الأمر تطلب الدخول فى مفاوضات شاقة بين الجانبين لم يفرق فيها الخطاب العدائى الذى يروجه كثيرون ضد أمريكا داخل إيران والعكس، كما لم تقطع إيران مفاوضاتها مع أمريكا نتيجة انتقادات الأخيرة لملفها فى حقوق الإنسان، إنما قدمت نفسها للعالم باعتبارها تمتلك أوراق ضغط ومساومة فرضت عليهم التفاوض معها.
قنوات التفاوض بين الغرب وإيران لا ترجع إلى وجود مؤامرة كونية على العرب أبطالها كل دول العالم تقريبًا مع إيران، إنما إلى نجاح الأخيرة فى امتلاك أوراق للتفاوض جعلتها رقمًا مهمًا فى المعادلة الدولية والإقليمية حتى لو كان كثير من هذه الأوراق مؤذية لدول كثيرة فى المنطقة، إلا أنها مثلت فى النهاية أوراقًا للمساومة والضغط.
قيمة أى مفاوضات فى دلالتها الديناميكية، أى فى قدرتها على أن تُحدث تغييرًا فى مواقف الدول عبر التفاوض والوسائل السلمية، وهو أمر ليس سهلًا لأنه يتطلب امتلاك أوراق ضغط ومساومة تحميك أثناء عملية التفاوض، وتجعل هناك فارقًا بين المرونة والتنازل، فلو كنت تمتلك أوراق قوة وضغط فإنك ستكون مفاوضًا مرنًا تعدل فى التكتيكات، أما إذا كان ما تمتلكه مجرد شعارات (هواء) فستكون مفاوضًا متنازلًا لأنك ستنكشف عند أول «ضغط».
نقلا عن "المصري اليوم "