قضية السد الإثيوبي. والصعيد المزيف في مسلسلات رمضان
البيان الذى أصدرته وزارة الرى المصرية، قبل أيام، ردًا على الإجراءات التى اتخذتها إثيوبيا بغية الاستعداد للتخزين الثانى فى سدها، يدل على أن مصر تدرك جيدًا الآثار السلبية المترتبة على ما تنوى أديس أبابا فعله، ويبين فى الوقت نفسه أن افتراض «حسن النية» الوارد فى اتفاق إعلان المبادئ لم يكن فى محله.
انتهكت إثيوبيا هذا الاتفاق تمامًا حين انفردت بالملء الأول، وتعاملت بسوء نية فى كل شىء. اليوم تزعم أن مصر والسودان تخرجان على الإعلان، وصوتها مسموع.
لقد صدر التقرير الأمريكى للمخاطر فى عام 2021، ولم يذكر كلمة واحدة عن مشكلة السد الإثيوبى. أمر مؤسف أن واشنطن لا تستشعر خطرًا حيال تهديد وجودى لدولتين. ومؤسف أن صوتنا لم يصل. لهذا يا ليت يتم تعيين «مبعوث مصر لشؤون المياه». وهنا يمكن أن يكون السيد عمرو موسى اختيارًا جيدًا. للأسف، إن أغلب ما جرى ويجرى بخصوص السد الإثيوبى محجوب عن الناس، والساسة فى البلدان الثلاثة ينطقون بما يزيد من حيرتنا، والعالم فى صمت مطبق، والأيام تمضى دون أن تنجلى الرؤية، ودون أن يملؤنا اليقين فى انعقاد العزم على الحسم، بينما يتبدى قابل الأيام ضائعًا فى أفق ملبد بغيوم الريبة والخوف والغيظ.
إن أهداف السد الإثيوبى كانت واضحة منذ البداية، فلو كان الأمر توليد كهرباء لأقامته فى مكان آخر داخل البلاد. لكنها شيّدته فى المنطقة التى يتدفق فيها ما تبقى من النيل الأزرق للسودان ومصر. وها هى النوايا تتضح من حديثها عن إعادة توزيع حصة الدولتين من ماء يمثل أقل من 7% مما يسقط على إثيوبيا.
(2)
أهملنا إفريقيا منذ تعرض مبارك لمحاولة اغتيال 1995، وها نحن ندفع الثمن. كنت قد قدمت اقتراحًا قبل سنين، أجدده هنا: تمنح مصر جائزة سنوية تحت اسم «جائزة وادى النيل» فى ثلاثة فروع: الأدب، والعلوم الإنسانية، والعلوم التطبيقية. ويكون مقدارها مائة ألف دولار لكل فرع، وتقتصر على دول حوض النيل الإحدى عشرة، ويكون لها مجلس أمناء يمثل هذه الدول جميعًا، وكذلك لجان تحكيمها المتجددة مع كل دورة، وتوضَع لها شروط النزاهة والرسوخ والذيوع كافة. هذا عن الجانب الثقافى، أما السياسى والاقتصادى والعسكرى فله مجاله، ولا تناقض بين هذه المسارات أبدًا، بل هى تتكامل فى الواقع، ويخدم بعضها بعضًا، ولاسيما إن أضفنا إلى هذا مسارات أوسع، مثل المنح الدراسية لطلاب دول الحوض، والبرامج الإعلامية المشتركة، وكذلك الإنتاج السينمائى، وغيرها.
(3)
إذا وقعت تشاد فى فوضى، فقد تتقدم عناصر من بوكو حرام فى نيجيريا المجاورة أو أى عناصر أخرى من «السلفية الجهادية» داخل الأراضى التشادية، ولاسيما أن قوات من تشاد تسهم فى قتالها منذ مدة. وإذا صار لهؤلاء الإرهابيين وجود هناك، فإنهم قد يتسللون إلى ليبيا مستقبلًا، وبذا تكون مصر معنية بالأمر.
(4)
أغلب الصعيد المعروض فى المسلسلات هو من صنع خيال مؤلفى السيناريوهات والقصص التى أُعدت على عجل. شىء مؤسف ألا يجد الصعايدة صوتًا حقيقيًا لهم فى الدراما والسينما، رغم أن الروائيين وكُتاب القصة والسيناريو من بينهم يُعدون بالآلاف. الصعيدى الصلب الكادح صاحب القيم والطقوس والغناء منسىّ، ومحجوب عمدًا لحساب الصعيدى المزيف، الذى يقدمونه ليخفوا حقيقة ابن الصعيد هنا، ويسهلوا تسويق الصعيدى المتخيل هناك، حيث الفضائيات الخليجية.
(5)
سُئل نزار قبانى: لماذا لا يحكم الشعراء العالم العربى ويقيمون مدينة فاضلة؟. أجاب: لم يطلب أحد منهم هذا، وجميع مقاعد الحكم مشغولة، وأنبياء الديمقراطية فى بلادنا كثر، ويخاف الشعراء على زوجاتهم من الترمل، وأبنائهم من اليتم، والقصائد تخاف أن يخطفها رجال المباحث، ثم تسجل القضية باسم مجهول.
(6)
هناك فرق بين «الدولة» و«الأمة». فى العالم مئات الدول، بعضها قديم، وبعضها حديث.. بعضها مستمر، وبعضها قابل للاختفاء. لكن هناك دولًا قليلة جدًا تحمل صفة «الأمة»، وهى عَصِيّة على الغياب، تتراجع ثم تعود إلى مكانتها، أقدمها مصر، فهى «أمة الأمم»، وهذه هويتها، رغم توالى القرون واختلاف الأحوال.
(7)
وَارَى الثرى، يوم الأحد الماضى، جثمان رجل كبير. إنه المستشار هشام البسطاويسى، نائب رئيس محكمة النقض السابق. كان، رحمه الله، قاضيًا نزيهًا مؤمنًا بجلال دوره، لا يريد منه إلا إقامة العدل بين الناس، ويفهم أن القضاء المستقل العادل المنصت إلى صوت الضمير اليقظ وما تتطلبه المصلحة العامة هو أساس رفعة الأمم.
(8)
فى حديث لراديو «سوا»، بمناسبة اليوم العالمى للكتاب، قلت إن الكتاب الورقى فى أزمة، ولاسيما عند العرب، فحتى الآن لم نحل مشكلة التوزيع، وقوانين الملكية الفكرية إما غائبة أو تطبيقها مهمل، مؤكدًا أن الثقافة بعمومها لا تمثل أولوية رغم أنها حائط الصد الأول ضد الجهل والتخلف والتطرف.