أمريكا وتركيا وقطر وحماس بالقاهرة.. يا للهول!!
من يطالع عناوين الأخبار فى الأيام الماضية، قد يصاب بدهشة كبيرة، حينما يقرأ مثلا: «الرئيس الأمريكى جو بايدن يتصل بالرئيس عبدالفتاح السيسى ويشكره على دوره فى وقف المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين».
وبعدها بأقل من أربعة أيام عنوان آخر يقول: «بايدن يتصل بالرئيس السيسى مجددا للبحث فى قضايا ومشكلات المنطقة».
عنوان آخر فى أخبار يوم الثلاثاء الماضى يقول: «الرئيس السيسى يلتقى فى القاهرة وزير خارجية قطر، ويتلقى دعوة لزيارة الدوحة من الأمير تميم بن حمد أمير قطر».
قبلها بأيام قليلة كانت هناك عناوين تقول: «محادثات مصرية تركية لتحقيق المصالحة بين البلدين، بناء على رغبة تركية».
لكن هذه الأخبار الثلاثة المهمة، وغيرها من الأخبار المماثلة تؤكد حقيقة واحدة ووحيدة وصحيحة، وهى أن العلاقات بين الدول لا تعرف الصداقة أو العداوة الدائمة، بل تعرف المصالح الدائمة، لكن بعض العقول المتحجرة تعتقد ان علاقات الدول لا تعرف الا اللونين الابيض والاسود.
بعض البسطاء أو الجهلاء او متحجرى العقول ظنوا مثلا أن الرئيس الأمريكى جو بايدن لن يتواصل مع قادة المنطقة العربية والشرق أوسطية، ومن بينهم الرئيس السيسى، بالنظر إلى تصريحاته ومواقفه وآرائه خلال حملته الانتخابية، بل أن بعضهم توهم أن بايدن سوف يعيدهم للمشهد السياسى مرة أخرى، بعد أن عاشوا أربع سنوات عجاف فى ظل إدارة دونالد ترامب. هؤلاء تناسوا أن علاقة البلدان تحكمها المصالح، وهكذا فإن بايدن اتصل بالسيسى مرتين خلال أربع أيام، وكان هو المبادر بالاتصال فى المرتين.
وحينما حدث كل ذلك فإن المراهنين على استمرار غضب بايدن من المنطقة بأكملها، أصيبوا بإحباط شديد، والسبب أنهم تناسوا قاعدة المصالح الدائمة.
نفس الأمر حدث فى الحالة القطرية رغم أنه لا يمكن مقارنتها بالمرة مع الحالة الأمريكية، ولكن نتحدث عن تشابه النموذجين، كثير من المصريين لم يتصوروا للحظة أن تكون هناك مصالحة أو تقارب أو علاقة طبيعية بين مصر وقطر. لكن هؤلاء نسوا تماما أن أسباب الخلاف قد تختفى أو تقل أو تتلاشى، أو أن البلدين قررا إدارة علاقات عادية حتى فى ظل الاختلافات الموجودة لأسباب تخص كل طرف.
ثم تكرر الأمر للمرة الثلاثة مع الحالة التركية، الكثيرون اعتقدوا أنه طالما استمر رجب طيب أردوغان رئيسا لتركيا، فلن تتحسن العلاقات مع مصر أبدا، بالنظر إلى كل ما فعله أردوغان ضد مصر وحكومتها ونظامها ورئيسها، وتأييده المطلق لجماعة الإخوان واحتضانه ودعمهم لهم، ثم فوجئ هؤلاء البسطاء بأن أردوغان ونظامه و«حزبه الإسلامى»، يبيع كل من اعتقدوا أنهم أصدقاؤه وضيوفه وأنصاره. ويلح على مصر من أجل المصالحة بأى ثمن.
يمكن أن نختلف مع أردوغان على كل شىء، وننتقده بسبب مواقفه التى أضرت بالأمة العربية لكن المؤكد أنه برجماتى نفعى من طراز فريد. ولذلك حينما تأكد أن مصر، التى حاربها طويلا، يمكن أن تسبب له خسائر استراتيجية فى العديد من المناطق من شرق المتوسط إلى ليبيا إلى الخليج وأفريقيا، بدأ يتقرب من مصر ويخطب ودها ويطلب مصالحتها.
ما فعله أردوغان هو أمر شائع كثيرا فى العلاقات بين الدول، لكنه غريب جدا لمن يعتقدون أن الحياة والعلاقات الدولية تقوم على العواطف والمشاعر والحب والكره، مثل هؤلاء يصدمون بقوة حينما يكتشفون أن المصالح هى التى تغلبت وانتصرت.
النموذج نفسه تكرر قبل أيام مع ليبيا، حينما تعاملت مصر مع الحكومة الليبية الجديدة بانفتاح كامل، واستقبلت رئيسها عبدالحميد الدبيبة فى قصر الاتحادية بالقاهرة، فى أول خروج له من ليبيا، بعد توليه المنصب.
نفس الأمر حدث منذ عامين مع حركة حماس فى غزة، التى اكتشفت أنه لا يمكن تحمل معاداة مصر، ولذلك تناست مؤقتا انتماءاتها الإخوانية، من أجل مصالحها العملية.
ظنى الشخصى أنه لا يمكن أن نلوم الناس البسيطة التى تعتقد أن علاقات الدول تقوم فقط على المبادئ الجامدة، والعواطف، لكن علينا أن نلوم بعض أجهزة الإعلام التى تصور لهم ذلك، وتجعلهم يعتقدون أن علاقاتنا بهذه الدولة أو تلك، سوف تظل متوترة طول العمر، فى حين أن أول وأهم مبادئ السياسة أنه لا يوجد شىء ثابت.. الكل متحرك ومتغير ولا دائم إلا وجه الله تعالى.
نقلا عن "الشروق"