رئيس التحرير
خالد مهران

أمريكا وأفغانستان

عمرو الشوبكي
عمرو الشوبكي

خطاب الرئيس الأمريكى جو بايدن، أمس، تجاه أفغانستان فيه كثير من الوضوح، وكثير من المغالطات.. فقد قال بصراحة إن أمريكا لن تحارب محل الأفغان فى بلد لا يرغب جيشه فى القتال، «فهل يفترض أن يقاتل الأمريكيون بدلًا منهم؟»، وأسهب فى الحديث عن مثالب الحكومة والرئيس والجيش، وفى نفس الوقت وصف أفغانستان بأنها «مقبرة للغزاة».

وقد عكس هذا الجانب من خطاب بايدن حالة غريبة تصاعدت فى السنوات الأخيرة طالبت بالانسحاب الغربى من المنطقة وتركها تدير صراعاتها وحروبها ومشاكلها بنفسها، والمطلوب فقط ألا تكون هذه البلاد مصدرًا للإرهاب أو اللاجئين، أما نظمها السياسية أو جماعاتها المتطرفة أو الإرهابية فستبقى شأنًا داخليًا طالما لا تؤثر على الدول المتقدمة.

أما المغالطات التى تضمنها خطاب بايدن فكانت كثيرة، فقد تحدث عن المليارات الأمريكية التى أنفقت على أفغانستان وجيشها، وقال إن هناك تريليون دولار أنفقتها بلاده فى أفغانستان دون عائد، وأضاف أن أمريكا لم ترغب فى بناء دولة أفغانستان، وهى مغالطة فادحة، فقد سعت أمريكا ليس فقط لبناء دولة هناك وإنما زرعها وزرع نخب أُعدت خارج الحدود فى بيئة اجتماعية وسياسية مخالفة لها، وكانت النتيجة فشلًا مدويًا.

إن تداعيات الغزو الأمريكى لكل من أفغانستان والعراق كانت كارثية، وعكست أوهامًا سياسية لمشروع تصنيع نموذج سياسى يُدار من واشنطن بـ«الريموت كنترول» وله «مكياج» ديمقراطى، فيه رئيس وبرلمان «شكله» منتخب، فى حين الواقع يقول إن هذا النموذج لم تكن له علاقة بدولة القانون ولا بالديمقراطية كما تعرفها أمريكا والدول المتقدمة أو الراغبة فى التقدم.

لقد أعلن بايدن أنه طلب من الرئيس الأفغانى أن يحكم بالشراكة مع حركة طالبان، ورفض، بما يعنى أن التفاهم بين أمريكا وطالبان ليس فقط وليد اللحظة ولم ينظم دخولها السلس للعاصمة، إنما امتد على الأقل سنتين منذ حوارات الدوحة.

ويصبح السؤال: ماذا تريد أمريكا من طالبان؟ ستحاول أمريكا أن توظف طالبان فى صراعها مع إيران (ليست ورقة رابحة فى مواجهة دولة بحجم إيران)، كما ستعمل على توظيف ورقة الإسلام السياسى الطالبانى فى بعض الأدوار الإقليمية، بشرط ألا تتحالف مع القاعدة (حليفها السابق) وألا تكون ملاذًا لأى جماعات إرهابية (لم يصف بايدن طالبان بأنها حركة إرهابية)، ولذا حرصت طالبان على أن تغير شكل خطابها وليس مضمونه كأحد مسوغات هذا التفاهم مع أمريكا.

ستسعى أمريكا لإيجاد قواعد أو «صفقة تفاهم» مع طالبان، سواء بالحديث عن ترتيبات أمنية، أو عن خطوط حمراء يجب أن تلتزم بها فى مقابل دعم اقتصادى وقبول دولى.

ستحمل السنوات، وربما الأشهر القادمة، تبلور مرحلة جديدة للعلاقة بين أمريكا وطالبان، فى ظل استمرار حوارات الدوحة بحضور أطراف أفغانية مستقلة ومعارضة.

[email protected]

نقلا عن "المصري اليوم"