هل تؤثر أزمة نقص صافي الاحتياطي من النقد الأجنبي على البنوك المصرية؟
قبل أسبوعين، أصدرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، تحذيرا، أن البنوك المصرية قد تواجه ضغوطًا إذا استمر تراجع صافي الأصول الأجنبية.
التحذير من انخفاض التصنيف الائتماني للبنوك المصرية أتى بعد ثلاثة أيام من إصدار البنك المركزي كتابًا دوريًا يسمح له في حال عجز البنوك عن توفير السيولة اللازمة، أن يمولها بـ«السيولة الطارئة»، وهي إحدى أدوات احتواء والحد من أزمات السيولة على المدى القصير -حسب المركزي-.
يُمثل صافي الأصول الأجنبية حجم ما تملكه البنوك من أصول العملة الأجنبية سواء ودائع، أوراق مالية أو غيرها، مخصومًا منه التزاماتها بالنقد الأجنبي، ويعني تسجيله قيمًا إيجابية امتلاك البنوك فائض نقد أجنبي يفوق التزاماتها، أما صافي الأصول الأجنبية بقيمة سالبة فيعنى أن التزامات البنوك بالنقد الأجنبي تفوق ما تملكه منه.
حسب بيانات البنك المركزي، كان صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك في فبراير الماضي 6.8 مليار دولار، قبل أن يبدأ التراجع في مارس، محققًا قيمًا سالبة مع بداية العام المالي الجاري في يوليو 2021، وصولًا إلى نوفمبر الماضي، الذي بلغ صافي الأصول الأجنبية فيه سالب 7.1 مليار دولار، والذي يعني فقدان حوالي 13.9 مليار دولار خلال هذه الفترة.
وتختلف عمليات منح السيولة الطارئة عن العمليات المتعلقة بالسياسة النقدية مثل عمليات السوق المفتوح التي يستخدمها البنك المركزي لامتصاص أو ضخ السيولة على مستوى القطاع المصرفي والتأثير على المعروض النقدي، كما تختلف عن أدوات السيولة الأخرى التي يتيحها البنك المركزي مثل تسهيلات «اليوم/ الليلة الواحدة»، والتي تهدف أساسًا إلى الحفاظ على سلامة وسلاسة عمل نظام الدفع.
تذبذب السيولة ليس خطيرًا
إلى ذلك، قال محمد عبد العال، الخبير المصرفي، إن إصدار البنك المركزي قواعد منح السيولة الطارئة التزامًا بمتطلبات «بازل 2 و3» التي تتطلب من البنوك المركزية في كافة أنحاء العالم بوضع السياسات والإجراءات الملزمة لإدارة مخاطر الائتمان ومخاطر السوق.
وأضاف، أنه لا علاقة بين تراجع صافي الأصول الأجنبية، وتعليمات السماح بسيولة طارئة من البنك المركزي للبنوك، موضحًا أن تعليمات «السيولة الطارئة» جاءت تطبيقًا لقانون البنك المركزي الذي يلزمه بعمل آليات لمواجهة أي أزمات مستقبلية قد تواجه أي بنك، واستكمالًا لمقررات اتفاقية «بازل 3» ولمحددات إدارة المخاطر.
«بازل 3» هي إطار تنظيمي طوعي عالمي يحدد مبادئ سلامة القطاعات المصرفية، أما محددات إدارة المخاطر فهي خليط من قواعد قانون البنك المركزي واتفاقية« بازل»، يؤطر محاور إدارة المخاطر المختلفة، مثل التعثر أو عدم كفاية رؤوس الأموال أو نقص الأصول الأجنبية، إلخ.
وأسست مجموعة الدول الصناعية العشر لجنة بازل للرقابة المصرفية، والتي تولت وضع اتفاقيات تهدف إلى التأكد من أن التزام المؤسسات المالية بوضع رأس المال الكافي للوفاء بالتزاماتها المالية وامتصاص الخسائر غير المتوقعة.
وأشار «عبد العال» إلى أن صافي أصول النقد الأجنبي، هو بند يتسم بالتذبذب في كل أنحاء العالم، بما فيها أقوى الاقتصاديات مثل الصين والولايات المتحدة، مشيرًا إلى تراجع هذا البند في مصر إلى سالب 14 مليار دولار في السنوات السابقة لتحرير سعر الصرف، قبل ارتفاعه مجددًا في السنوات التالية للتعويم، ثم عودته للانخفاض مسجلًا سالب 18 مليار أثناء جائحة كورونا، بسبب خروج استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية.
وشدد «عبد العال» على أن تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك لا يمثل خطورة على المراكز المالية للبنوك، إذ لا تعتمد الميزانيات العمومية للبنوك المصرية على الدولار بدرجة عالية، موضحًا أن الالتزامات بالعملات الأجنبية تمثل أقل من 20% من التزامات القطاع.
وأوضح الخبير المصرفي، أن البنك المركزي حدد منح تمويل السيولة الطارئة كملاذ أخير في حالة عدم قدرة أي من البنوك على تلبية احتياجاته من السيولة من سوق «الانتربنك» أو من الأسواق المالية الأخرى، وحظر استخدام السيولة الطارئة لتمويل توزيعات الأرباح أو لإعادة شراء الأسهم أو لصرف مكافآت أعضاء مجلس الإدارة أو العاملين.
كما أكد أن التعليمات ليست لها علاقة بأداء الاقتصاد العالمي سواء موجة التضخم العالمية أو السياسة النقدية الخارجية، مضيفًا الأمر كله مرتبط بالتزام البنك المركزي المصري بالمتطلبات الدولية، وهو أمر تطبقه كافة البنوك المركزية عالميًا.
ولفت الخبير المصرفي، إلى أن تعليمات منح السيولة الطارئة قرار استباقي واحترازي في آن واحد يدعم موقف البنوك ورسالة للمؤسسات الدولية بمساندة البنك المركزي للمصارف المحلية، ولا يعني وجود حالات على الساحة المصرفية تحتم صدور مثل هذه التعليمات، مشيرًا إلى تصريحات نائب محافظ البنك المركزي بمؤشرات السيولة في الجهاز المصرفي المصري من أعلى نسب السيولة في المنطقة.
وأكد «عبد العال»، توافر السيولة بالبنوك المصرية، حيث يبلغ حجم الودائع بالبنوك نحو 6 تريليونات جنيه يتم توظيف نحو 50% بقيمة 3 تريليونات جنيه، مما يؤكد وجود فائض مرتفع للغاية، كما لم تتجاوز أي بنوك مؤشرات نسبة السيولة الإلزامية في مصر.
كما أوضحت سلوى العنتري، الباحثة الاقتصادية والخبير المصرفية، أن تراجع صافي الأصول الأجنبية بالبنوك لا يمثل خطورة على القطاع، وإن كان بمثابة إنذار لوضع غير مريح لواقع تدفقات النقد الأجنبي للقطاع المصرفي.
وأضافت «العنتري»، أن انخفاض التصنيف الائتماني لجهة ما يعني انخفاض قدرتها على السداد، ما يرفع تكلفة الاقتراض، إذ يعكس التصنيف الائتماني المنخفض معدلًا عاليًا من عدم القدرة على السداد، ما يمثل مخاطر مرتفعة بالنسبة للمقرضين، تدفعهم لزيادة الفائدة على القروض.
ولفتت الخبير المصرفية إلى أن مؤسسات التصنيف الائتماني المختلفة تقوم بقياس وتحليل جميع المؤشرات المالية وغير المالية للجهات المختلفة "دول، بنوك"، لتقدم الاستشارات المالية لعملائها من المستثمرين حول مدى قدرة الجهة المقترضة على الوفاء بالتزاماتها.
وقالت، إن تراجع صافي الأصول الأجنبية ينتج عن أحد أمرين أو كلاهما معًا، أولهما هو انخفاض موارد البنوك من النقد الأجنبي، وهي متنوعة، مثل: «تحويلات العاملين بالخارج حال التنازل عنها، ومقابل الصادرات، أو شراء نقد أجنبي من بنوك خارجية، أو محافظ الاستثمارات المالية بالنقد الأجنبي، والثاني هو ارتفاع الالتزامات الخارجية للبنوك تجاه غير المقيمين مثل "فتح اعتمادات مستندية للمستوردين، سحب ودائع بالعملات الأجنبية وغيرها».
وأشارت الخبير المصرفية إلى أنه سواء كان تراجع الأصول لأي من السببين أو كلاهما، فهو أمر يمثل ضغطًا على العملة المحلية لأنه يخلق طلبًا على الدولار في مقابل الجنيه.
لم تتأخر مصر في سداد أي التزامات دولارية
من جهته، قال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، إنه يُشكك في تقرير وكالة فيتش الائتمانية، خاصة وأنها قبل شهر، أكدت وجود نظرة مستقبلية جيدة للاقتصاد المصري.
وأضاف، أنه في متن تقرير وكالة فيتش، يذكر أن الجنيه المصري هو الغالب في عملية التعاملات البنكية المصرية، وهذا طبيعي، فمن غير المنطقي أن يكون الدولار هو العملة الأكبر تداولًا في السوق المصري الذي يتعامل في المقام الأول بعملته المحلية "الجنيه".
وأشار «عبده» إلى أن البنوك المصرية تتعامل بالدولار من خلال الودائع الدولارية التي غالبًا ما تكون موجودة لديها، سواء من خلال التحويلات البنكية التي ترد إليها من العاملين بالخارج، أو من خلال التحويلات التي تُجرى من الداخل إلى الخارج.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن البنوك المصرية لم تتأخر في سداد أي التزامات دولارية حتى الآن، ولم يحدث في آخر 10 سنوات على الأقل أن حدث ذلك، مشيرًا إلى تذبذب بند صافي الاحتياطي الأجنبي من وقت إلى آخر بسبب سداد الفوائد والقروض وغيره.
وتابع، أنه حتى في حالة عجز أي بنك مصري عن سداد التزاماته الدولارية، فإن البنك المركزي ملزم بتغطية هذا الجانب حماية للقطاع المصرفي والاقتصاد المصري، مشيرًا إلى أن الحكومة المصرية لم يحدث أن عجزت أو تأخرت في سداد أي التزامات دولارية عليها سواء أقساط الديون أو فوائدها.