اسقاط نظام بوتين..هل ينجح «سلاح العقوبات» في تركيع الدب الروسي؟
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب حزمة من العقوبات الاقتصادية والسياسية على روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا، وصفت بالقاسية وغير المسبوقة في التاريخ.
هذه العقوبات شملت قطاعات الخدمات المالية والطاقة والنقل والسلع ذات الاستخدام الثنائي في المجالات المدنية والعسكرية وتجميدا لأرصدة البنوك ورجال الأعمال الروس ومسئولين كبار حتى الرئيس بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، ومنع عدد من البنوك الروسية من التعامل بنظام التحويل البنكي «سويفت» بهدف حرمانها من التحويلات المالية الدولية، تجميد أصول مملوكة للبنك المركزي الروسي، وحظر تحليق الطيران الروسي في الأجواء الأمريكية والأوربية، وفرض قيود على الصادرات، بالإضافة إلى إدراج المزيد من الروس على قوائم سوداء على خلفية غزو موسكو لأوكرانيا، وأيضا عقوبات رياضية، وتعليق مشروع خط الغاز نورد ستريم2 الذي يمتد إلى ألمانيا وتبلغ تكلفته 11 مليار دولار، والحد من قدرة روسيا على الحصول على المواد ذات التقنيات الفائقة مثل أشباه الموصلات.
وقد رفضت روسيا العقوبات على اعتبار أنها تتعارض مع مصالح الدول التي فرضتها، ولن تؤثر على الفور على اقتصاد يمتلك احتياطيات من العملات روسيا رفضت العقوبات على اعتبار أنها تتعارض مع مصالح الدول التي فرضتها، ولن تؤثر على الفور على اقتصاد يمتلك احتياطيات من العملات الصعبة تبلغ 643 مليار دولار إلى جانب عائدات كبيرة من النفط والغاز.
فما مدى جدوى هذه العقوبات، وهل تفلح في ارغام روسيا على وقف الحرب في أوكرانيا، وتركيع روسيا وقصم ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وانهيار الاقتصاد الروسي؟.
وهل تؤدي هذه العقوبات إلى اسقاط نظام بوتين، كما قال متحدث باسم مكتب رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، إنه يريد "إسقاط نظام بوتين" بالعقوبات المفروضة عليه ردا على غزو أوكرانيا.
العقوبات ستؤدي في النهاية إلى مزيد من الضرر لأمريكا وحلفائها
قالت مجموعة بحثية تقدم المشورة للرئيس الصيني شي جين بينغ، إن العقوبات الغربية على روسيا ستؤدي في النهاية إلى مزيد من الضرر للولايات المتحدة وحلفائها.
وكتب ما شيويه، الباحث المشارك في معاهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، في مقال نُشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن روسيا تكيفت إلى حد كبير للتعامل مع الإجراءات المالية العقابية منذ عام 2014.
وأضاف ما، الذي ترتبط مؤسسته البحثية بوزارة أمن الدولة التي تعد بمثابة وكالة للاستخبارات المدنية الصينية، أن الحلفاء الأمريكيين والأوروبيين سينتهي بهم الأمر بالمعاناة بسبب دعمهم لأوكرانيا، وفقا لما نقلته "بلومبيرغ".
وأوضح ما، أن فصل البنوك الروسية من نظام "سويفت" للرسائل المالية سينتهي به الأمر إلى إلحاق الضرر بأوروبا بنفس القدر، مضيفا أن واشنطن قد تتكبد أيضا تكاليف كبيرة في المستقبل من خلال تقديم مساعدات اقتصادية وإنسانية للحلفاء، وأن أوروبا يمكن يتزعزع استقرارها بسبب النازحين الكثر.
وبحسب تقرير لصحيفة "ّذا هيل" الأمريكية، فإن القيود المالية واسعة النطاق على روسيا لا يبدو أنا ستؤتي أكلها بالنسبة للغرب، فعلى العكس تماما، قد يترتب عليها نتائج كارثية بما في ذلك فقدان سلاح "العقوبات" نفسه لأي تأثير مستقبلي وبداية لانحسار نفوذ واشنطن العالمي.
وقالت الصحيفة إنه نظرا للبيئة السياسية العالمية الساخنة، يجب التحذير من "تسليح" القطاع المالي العالمي القائم على الدولار، مشيرة إلى أنه منذ حل الدولار محل الجنيه الإسترليني كعملة احتياطية عالمية، أصبحت أمريكا تعتمد على هذا "الامتياز الباهظ" بشكل كبير، مشيرة إلى أن المكانة البارزة لعملة الاحتياط العالمية تضمن للدولة المصدرة (أمريكا) وجود طلب قوي ومستمر على الأصول المقومة بالدولار في جميع أنحاء العالم، كما يمكن واشنطن من إدارة العجز المستمر في التجارة والحساب الجاري، كما أن رغبة بين البنوك المركزية الأجنبية والأطراف الخاصة في حيازة سندات الخزانة الأمريكية تعتمد إلى حد كبير على الدور الحاسم للدولار في النظام المالي الدولي.
وأيضا سمح هذا النفوذ المالي الذي تتمتع به الولايات المتحدة، لصانعي السياسة الأمريكيين باتباع "سياسات مالية فاسدة" لعقود من الزمن دون الاضطرار إلى مواجهة انضباط كبير في السوق، على حد تعبير الصحيفة.
وذكرت الصحيفة، أن الصين كانت منفتحة بشأن رغبتها طويلة المدى في استبدال النظام النقدي العالمي المرتكز على الدولار الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبالنظر إلى التطورات الجيوسياسية الأخيرة، من المرجح أن تستعيد أجندة تدويل اليوان المزيد من الزخم، مشيرة إلى أن إن دفع الصين لإطلاق اليوان الرقمي وإنشاء نظام دفع بديل هو جزء من هذه الخطة، وقطعت بكين بالفعل شوطا طويلا في هذا الصدد، كما ستساعدها مبادرة الحزام والطريق الضخمة في محاولات توسيع نطاق القبول والاستخدام الدوليين لعملتها.
مع ذلك، فإن التحركات الأخيرة من قبل الغرب لتسليح القطاع المالي العالمي القائم على الدولار، يوفر الحافز الضروري للصين لتسريع الإجراءات لتقليل اعتمادها على العملة الأمريكية وإنشاء نظام مدفوعات مالية عالمي بديل.
والأكثر من هذا، وبالنظر إلى موقف الصين المتصاعد تجاه تايوان، لا يمكن استبعاد اندلاع اشتعال في المستقبل مع الولايات المتحدة. إذا تخلت الولايات المتحدة عن سياسة "الغموض الاستراتيجي" فيما يتعلق بالدفاع عن تايوان، فمن المرجح أن "ترد الصين عسكريا"، حسب الصحيفة الأمريكية.
وبعد ملاحظة رد فعل الغرب على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ستستنتج الصين بشكل منطقي أن أي تعامل كبير من خلال شبكة "سويفت" والنظام القائم على الدولار يحد من خياراتها.
وختمت الصحيفة: "نظرا لظهور التحالف الصيني الروسي، وبالنظر إلى الصعود المستمر للصين كقوة اقتصادية وعسكرية، لا يمكننا التقليل من المخاطر المستقبلية على الوضع العالمي للدولار الأمريكي".
في نفس السياق، قالت وكالة "بلومبيرغ" إنه يمكن للصين أن تقدم بعض الدعم لروسيا لمنع العقوبات القاسية، حيث من المتوقع أن تحصل الشركات الصينية على النفط الروسي بسعر مخفض إذا ردعت العقوبات مشترين آخرين.
ويمكن أن توفر أيضا شريان حياة ماليا لأن بنك الشعب لصيني لديه مقايضة عملات بمليارات الدولارات مع نظيره في موسكو، مما يسمح للدولتين بتوفير السيولة للشركات حتى تتمكن من مواصلة التداول.
وأكد مسئول الأبحاث والاستراتيجية في "ساكسو بنك"، كريستوفر دمبيك، أن تأثيرات العقوبات الاقتصادية التي فرضت حتى الآن على روسيا هي "على الأرجح هامشية جدا" بالنسبة إلى موسكو.
ورأى كريستوفر دمبيك، أن موسكو "استبقت بالتأكيد فرضية تشديد العقوبات الغربية"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه "لا يزال ممكنا توجيه ضربات قاسية لها"، عبر مزيد من الإجراءات، لكن تأثيرها قد يكون "هائلا" على الاقتصادات الأوروبية، وفق ما ذكرت وكالة فرانس برس.
وعن تأثير العقوبات الغربية الراهنة على الاقتصاد الروسي، قال: "على الأرجح هامشي جدا لسببين، فنحن أمام اقتصاد يتمتع بمستوى قياسي من الاحتياطات النقدية، وهذا يشكل صمام أمان بالغ الأهمية، والنقطة الثانية هي أننا شهدنا في الأعوام الأخيرة، على صعيد الميزان التجاري، فائضا ملحوظا جدا".
وتابع: "الاقتصاد الروسي لا يحتاج، بالنسبة إلى الكيانات الحكومية على الأقل، إلى اللجوء للأسواق المالية العالمية، منذ عام 2014، نحن إزاء اقتصاد بات مقاوما جدا".
واستطرد: "السبب الثاني هو أننا شهدنا تكثيفا بالغ الأهمية للعلاقات التجارية مع الصين عبر عقود لتصدير الغاز وقعت لمدة 25 عاما، وإذا نظرنا إلى احتياطات المصرف المركزي الروسي، نلاحظ حصول عملية تنويع فعلية مع اليوان، إضافة لكميات كبيرة من الذهب، مما يجعل الاقتصاد الروسي أقل ارتهانا إلى حد بعيد لنظام الدولار. وأعتقد أن السبب هو استباق روسيا لفرضية تشديد العقوبات".
وعما إذا كان ذلك سيؤدي إلى جعل سلاح العقوبات "غير عملي"، قال دمبيك: "بالنسبة إلى نظام سويفت المصرفي، أعتقد أن التأثير سيكون محدودا بسبب الاحتياطات النقدية. في المقابل، إذا فرضت بعدها عقوبات موجعة على صعيد المحروقات والمواد الأولية الزراعية - على شكل حظر- يمكن أن يكون الثمن باهظا جدا".
ونوه المسئول إلى أنه "لا يوجد تفاهم إلى حد كبير على مستوى الأوروبيين"، مضيفا: "التأثير على الاقتصادات الأوروبية سيكون هائلا أيضا، وثمة مثال واضح جدا هو واردات ألمانيا من الغاز الطبيعي الروسي، التي تشكل نحو 46 في المائة من حاجات برلين".
وأشار إلى أنه "في عام 2012، كانت هذه الحاجة أدنى بـ12 نقطة، ومذاك ازداد الارتهان في مجال الطاقة. وإذا تم تقليص الإمدادات الروسية بشكل مفاجىء، أين يمكن إيجاد بدائل؟"، لافتا إلى أنه يمكن على المدى البعيد الطلب من دول عربية، إلا أن ذلك "يستغرق وقتا ويتطلب بنى تحتية متكافئة".
واستطرد: "على المدى القريب، فإن الحل الوحيد هو الطلب من الأميركيين أن يصدروا مزيدا من الغاز الطبيعي المسال، لكن هنا أيضا، لا توجد قدرات لا محدودة".
وفى تحليل لها تحت عنوان "القوى الغربية أدركت أن روسيا بمنأى عن تأثير العقوبات"، قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية، إن الحرب التى تريد الدول الغربية أن تخوضها ضد روسيا تقتصر فقط على فرض عقوبات اقتصادية، وليس تدخلا بالسلاح، معتبرة أن المعادل المالي لإطلاق العنان لترسانة نووية فقط هو ما قد سيؤثر على صندوق حرب الأصول الأجنبية لروسيا.
وقالت الصحيفة، إنه كان من المفترض أن ينتهي الصراع الروسي مع أوكرانيا، على الرغم من التخطيط الطويل لفلاديمير بوتين وأنصاره في الكرملين، بسرعة بمجرد بدء الانتقام المالي. وكان من المتوقع وجود مناوشات عسكرية على الأرض، لكن لم يكن من المتوقع وقوع أكثر من بضع ضحايا بمجرد أن تبدأ مجموعة من العقوبات في الظهور.
ولكن أدركت القوى الغربية بسرعة أنه ما لم تكن على استعداد لإطلاق المكافئ المالي لترسانة نووية، فقد حرص بوتين على أن تكون روسيا محصنة إلى حد كبير، على الأقل في المدى القصير.
وعلى مدى عقد من الزمان، خفضت سياسة الكرملين بعناية الديون المحلية للقطاعين العام والخاص، وأتاحت للبنك المركزي الوقت لبناء صندوق حرب من الأصول الأجنبية الكبيرة بما يكفي لدعم الشئون المالية للبلاد لأشهر، إن لم يكن لسنوات.
وهذا يعني أنه من غير المرجح أن يكون للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وكندا خلال اليومين الماضيين أي تأثير كبير على الاقتصاد الروسي أو استقراره المالي، وفقا للجارديان.
العقوبات ستلحق أضرارًا أكبر بكثير مما كان يعتقد بوتين
وفي المقابل يقول بعض الخبراء، أنه من المرجح أن تلحق العقوبات المفروضة على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا أضرارًا أكبر بكثير مما كان يعتقد الرئيس فلاديمير بوتين.
وقال كريستوفر غرانفيل، المدير بشركة تي.إس لومبارد للاستشارات وهو مراقب مخضرم للأوضاع في روسيا "وجهة النظر التي تقول إن روسيا لن تتأثر(بالعقوبات) خاطئة. قد لا تشعر روسيا بالآثار السلبية مباشرة لكن العقوبات ستعيق قدراتها على المدى الطويل".
ووفقا لما يراه غرانفيل، فإن زيادة أسعار النفط ستوفر لروسيا هذا العام أرباحا غير متوقعة تقدر بـ 1،5 تريليون روبل (17،2 مليار دولار) من الضرائب على أرباح شركات الطاقة هذا العام. لكنه أشار إلى أن روسيا ستدفع ثمن هذا النوع من الاكتفاء الذاتي، حيث يعمق عزلتها عن الاقتصاد والأسواق والاستثمار العالمي.
وقال "ستُعامل روسيا بصورة أساسية على أنها دولة معادية معزولة عن التدفقات المالية العالمية والاستثمار والتفاعلات الاقتصادية الطبيعية التي تبني المستويات المعيشية للأفراد والدخول والانتاجية وربحية الشركات".
ويقول آدم سلاتر، الخبير الاقتصادي في شركة أوكسفورد إيكونوميكس الاستشارية، إن "العقوبات المفروضة على روسيا بين عامي 2014 و2018 خفّضت الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.2٪"، لكنه يعتقد أن "التأثير الأكبر يبدو مرجحا هذه المرة" نتيجة لتصعيد الغرب.