هزيمة بوتين في أوكرانيا ليست في صالح الصين.. لماذا ترفض بكين وصف التدخل الروسي في أوكرانيا بالغزو؟
توقع الكثير من الخبراء والمراقبين للأزمة الأوكرانية، أن تقوم الصين بغزو تايوان على غرار الغزو الروسي لأوكرانيا، ويرى الخبراء أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يشجع الصين على مهاجمة تايوان، وأنه من المرجح أن تراقب بكين الوضع في أوكرانيا بعناية بحثا عن دلائل على كيفية استجابة القوى الغربية - ومدى شدة هذه الردود.
ومما يزيد من مخاوف قيام الصين بغزو تايوان، ما نشرته صحيفة نيوزويك، الأمريكية، من وجود وثيقة إستخبارتية روسية تفيد، بأن الحرب الروسية على أوكرانيا أوقفت خطط الصين لغزو تايوان بسبب خوفها من العقوبات الغربية.
كما رفضت الصين على لسان نائب وزير الخارجية، له يوي تشنغ، وصف ما يحدث في أوكرانيا بالغزو، كما تتمسك الصين بتحميل واشنطن والغرب مسئولية اندلاع الأزمة الأوكرانية، وترفض تمدد الناتو شرقا.
وفي الغرب، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن "أصداء" ما يحدث في أوكرانيا "ستسمع في تايوان"، في حين قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن «الآخرين يراقبون الرد الغربي على روسيا».
الصين ستراقب دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا وستجري حساباتها وخياراتها في ما يتعلق بتايوان بناءً على كيفية الدعم
يقول روبرت أوبراين، المستشار الأميركي السابق للأمن القومي، "إن الخطوات التي سيتخذها بايدن والحكومات الغربية تجاه التحركات الروسية في أوكرانيا ستكون محط أنظار القيادة الصينية، التي تهتم برد الفعل الغربي كي تحدد خطواتها المستقبلية تجاه تايوان".
ويذكر العميد السابق في البحرية الأميركية، جيمس ستافريديس، "أن الصين ستراقب دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا وستجري حساباتها وخياراتها في ما يتعلق بتايوان بناءً على كيفية الدعم".
فيما أشارت صحيفة "ذا أتلانتك" الأميركية في تقرير لها "أن الرئيس الصيني، تشي جين بينغ، يراقب عن كثب ردود الفعل الغربية وتصرف الإدارة الأميركية تجاه بوتين والاجتياح العسكري المحتمل لأوكرانيا"، وذكرت الصحيفة "أن تأويل الزعيم الصيني لنتيجة المواجهة الأوكرانية المحتملة من شأنه أن يؤثر في سياسة الصين تجاه تايوان، بالتالي الأمن والاستقرار شرق آسيا".
بينما يذكر الدبلوماسي السويدي ورئيس الوزراء السابق، كارل بيدلت، في مقال له في مجلة للشؤون الدبلوماسية والدولية، "أن سيناريو حدوث تدخل عسكري روسي في أوكرانيا وغزو صيني لتايوان في وقت متقارب ليس مستبعدًا، خصوصًا مع تزايد التدخلات الصينية للمجال الجوي التايواني"، في ما يصفه بأنه "قرع طبول الحرب" على الجبهتين الأوروبية والآسيوية.
وقالت بوني جلاسر، مديرة برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة، في مقابلة مع DW، أنه من المؤكد أن الصين "ستستخلص الدروس (من العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا) للاستفادة من ذلك في استراتيجيتها تجاه تايوان".
وأضافت "ستراقب الصين مدى وحدة وتماسك حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتحالفات الأمريكية الأخرى وأيضا مدى قدرة الحلف والدول الغربية على تحمل تبعات وتكلفة العقوبات على روسيا."
وقالت جلاسر إن الأمر لن يتوقف على هذا المستوى، مضيفة "سوف تراقب الصين مجريات الحرب في أوكرانيا ومدى تأثير الجمع بين المعلومات المضللة والهجمات الإلكترونية على أرض الواقع وتشكيل المواقف تجاه الصراع".
ويرى رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، المتخصص في الشأن الصيني، عماد الأزرق، أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا تقدم غطاءً مثاليًا للصين لاستعادة تايوان حال توافرت الرغبة والإرادة السياسية لذلك، إذ إنها تقدم سابقة مهمة وحية في العلاقات الدولية، بعد موقف المجتمع الدولي الذي فضل عدم التدخل الفاعل لحل الأزمة عسكريًا، بعدما ساق بوتين مبرر الغزو عندما نوه بـ الغزو الأمريكي للعراق ويوغسلافيا والتدخل الأمريكي في سوريا بعيدًا عن مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وأكد أن أمريكا ستقف مكتوفة الأيدي إذا رغبت الصين في ضم تايوان، كحالها مع أوكرانيا وستكتفي بطمأنة حلفائها بالمنطقة، اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والهند، ولن تدخل في مواجهة مع الصين من أجل تايوان، غير أن الصين تسعى إلى ضم تايوان دون تدخل عسكري على الأقل خلال الوقت الحاضر.
الصين لن تقدم على خطوة مماثلة والاعتداء على تايوان
ويرجع المحللون عدم فرضية استغلال بكين للأزمة الروسية الأوكرانية لأسباب عدة على رأسها سياسة الإدارة الأميركية الجديدة التي تولي اهتمامًا خاصًا لمنطقة المحيط الهادئ الهندي، الذي ظهر جليًا في الآونة الأخيرة من خلال الزيارات رفيعة المستوى للمنطقة، إلى جانب عقد التحالف الجديد المعروف بـ "أوكوس" مع أستراليا والمملكة المتحدة.
كما تمثل تايوان قوة اقتصادية مهمة لواشنطن، فهي الشريك التجاري التاسع للأخيرة، والأهم من ذلك هيمنة تايوان على صناعة الموصلات وأشباهها الإلكترونية، مما سيقوض الصناعات العالمية برمتها في حالة نشوب حرب.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة سوشو في تايوان، تشن فانغ يو، على أن الصين لا يمكنها اجتياح حدود تايوان في سيناريو مشابه لتوغل الجيش الروسي في الأراضي الأوكرانية. وقال في مقابلة مع DW "ستعمل الصين على البحث أين تكمن الفرصة وكيف يمكن الاستفادة من الأزمة الأوكرانية".
أما ليف ناشمان، الباحث في مركز فيربانك للدراسات الصينية بجامعة هارفارد، فيسلط الضوء على أن الصين ستحاول تحقيق التوازن في إطار تعاطيها مع تطورات الأحداث في أوكرانيا.
وأضاف لـ DW أن الصين تريد أن تحصل على "فسحة دبلوماسية، حيث لا يتوقع كثيرون أن تتصرف الصين بنفس الطريقة العدوانية التي أقدمت عليها روسيا على الأقل على المدى القصير". وتابع ناشمان بأن الصين إذا رأت "أن الوقت قد حان لاستعادة تايوان فلن تحذو حذو موسكو".
وأشار مدير مركز الحوار الروسي العربي في سانت بطرسبورغ، دكتور مسلم شعيتو، إلى أن الصين تتعامل بهدوء فيما يخص قضية تايوان، متوقعًا تجنب التصعيد باتجاه تايوان خلال الوقت الراهن نتيجة للعملية الروسية في أوكرانيا، لا سيما أن طبيعة التخطيط الصيني يعتمد على الدراسة الجيدة على مدى فترات زمنية طويلة، مؤكدًا أن روسيا لم تقدم على عمليتها ضد أوكرانيا فورًا بل جاء بعد 8 سنوات انتظرت خلالها تنفيذ اتفاق مينسك، الأمر الذي لاقى تجاهلًا من أوكرانيا والدول الأوروبية، بل عمدت الأخيرة إلى تسليم أسلحة متطورة إلى أوكرانيا، الأمر الذي أجبر بوتين على التحرك للدفاع عن منطقتي دونيتسك، ولوغانسك، معتقدًا أن تفتح تلك الخطوة المجال أمام نقاش دبلوماسي حاد يغير وجه العالم فيما بعد.
ولفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة ميريلاند بواشنطن سابقًا، دكتور نبيل ميخائيل، إلى أن الصين لن تقدم على خطوة مماثلة والاعتداء على تايوان، لا سيما أنها لا تعلم نتيجة العمل الروسي في أوكرانيا، مشيرًا إلى أن الصين ستعمل على مساعدة روسيا اقتصاديًا وتعويض خسائرها جراء العقوبات الاقتصادية الغربية، مؤكدًا أن أمريكا ستتعمد اتخاذ موقف صارم تجاه الصين إذا ما أقدمت على غزو تايوان للمحافظة على هيبتها ونفوذها أمام العالم.
وأكد ميخائيل أن رغم الخلافات التاريخية بين الصين وتايوان إلا أن الوضع الحالي بين البلدين يشهد استقرارًا نسبيًا، منوهًا بأن أمريكا ستعمل مع حلفائها في آسيا (كوريا الجنوبية- تايوان- اليابان- الفلبين- إندونيسيا) على محاصرة الصين استعدادًا للمواجهة المحتملة، إذا ما اتخذت أي خطوات سواء في شرق آسيا أو بحر الصين الجنوبي أو غيرها من المواقع، متوقعًا أن تبقى الأمور على ما هي عليه لفترة قد تمتد لسنوات.
الصين ترفض تمدد الناتو شرقا
أعلنت الصين أكثر من مرة عن رفضها تمدد حلف شمال الأطلسي «الناتو» شرقا، حيث ترى بكين أن توسع حلف الناتو شرقا خطرا يهددها كذلك وليس فقط روسيا.
قال نائب وزير الخارجية الصيني لي يو تشينغ، إن "الحلف يجب ألا يتوسع شرقا، ما يجعل قوة نووية مثل روسيا محاصرة".
وحذر نائب وزير الخارجية الصيني، له يو تشنغ، في تصريحات لوكالة أسوشيتد برس من أن: "الناتو في حال توسعه أكثر، فإنه سيقترب من ضواحي موسكو حيث يمكن لصاروخ أن يضرب الكرملين في غضون 7 أو 8 دقائق".
وأضاف: "محاصرة دولة كبرى، لا سيما قوة نووية (روسيا) في زاوية، سيترتب عليه تداعيات مروعة للغاية، بحيث لا يمكن التفكير فيها".
وشدد على أن حلف الناتو كان يجب أن يتفكك و"يدرج في التاريخ جنبا إلى جنب مع حلف وارسو".
وتابع القول: "لكن بدلا من التفكك، واصل الناتو تعزيز قواته وتوسعه، وتدخل عسكريا في دول مثل يوغوسلافيا والعراق وسوريا وأفغانستان، يمكن للمرء أن يتوقع العواقب الناجمة عن السير على هذا الطريق".