خطة الحكومة لـ«التقشف» وإلغاء «البهرجة» داخل الوزارات والمحافظات
للمرة الثانية في أقل من 6 سنوات، أعنلت الحكومة المصرية عن أكبر عملية تقشف داخل الجهاز الإداري للدولة؛ وذلك لمواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتأثيرها المرعب على الاقتصاد المصري والعالمي أيضًا، حيث أعلن عدد من الدول هي الأخرى الدخول في عملية تقشف كبرى فيما يخص موازنتها المالية، وجاء على رأس تلك الدول كل من: إسبانيا وفرنسا وبريطانيا والمغرب والجزائر، واليونان.
وأعلنت الحكومة المصرية، عزمها اتخاذ إجراءات تقشفية ضمن قرارها بإعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة، في محاولة لاحتواء انعكاسات الأزمة الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري.
وقال رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، إنه فى ظل الأوضاع العالمية الحالية وما نشهده من تغيرات اقتصادية متلاحقة، فقد تم التنسيق مع وزير المالية، للعمل على إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة للعام المالى المقبل، بما يتسق مع مستجدات الأزمة ووضع حلول وتوقعات للتعامل مع السيناريوهات الأكثر تشاؤمًا، للتخفيف من حدتها.
وأضاف «مدبولي»: «الأولوية ستكون لتوفير برامج للحماية الاجتماعية، إلى جانب اتخاذ ما يلزم لتحقيق الانضباط المالى الكامل فى الإنفاق، بل والتقشف فى عدد من الأمور، مع ترتيب الأولويات، حتى تتضح الصورة فى الفترة المقبلة، وتمر هذه الأزمة».
وأكد رئيس الحكومة، على ضرورة أن يقوم كل وزير بمراجعة أوجه الإنفاق فى وزارته فى الفترة المقبلة بنفسه.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادربرلمانية، عن الإجراءات الصادرة للوزارات والمحافظين بشأن ملف «التقشف»، والإجراءات المتبعة في هذا الأمر، ووفقا للمعلومات فإن الحكومة أرسلت خطابًا رسميًا إلى الوزراء والمحافظين والمسؤولين في الجهاز الإداري للدولة، يشدد على ضرورة بدء تنفيذ القرارات الأخيرة الصادرة من مجلس الوزراء بمراجعة أوجه الإنفاق داخل المؤسسات الحكومية، بداية من شهر أبريل المقبل.
ولفت المصدر، إلى أن الحكومة وجهت في خطابها بضرورة اتخاذ ما يلزم لتحقيق الانضباط المالي الكامل في الإنفاق بالوزارات والجهات الرسمية، والتقشف في عدد من الأمور، مع ترتيب الأولويات، لتجاوز الأزمة الحالية الناتجة عن الحرب الروسية – الأوكرانية وتداعيات جائحة كورونا.
وكشف أن الحكومة قررت تأجيل تنفيذ أي مشروعات جديدة لم يتم البدء في تنفيذها ولها مكون دولاري واضح، ومراجعة تكلفتها والزيادات التى تطرأ عليها لعدم تحمل الخزانة العامة لدولة أعباء إضافية فى هذه المرحلة.
ونبهت الحكومة، الهيئات والمصالح التابعة للوزارات بترشيد الإنفاق الحكومي وعدم إجراء أي تعاقدات أو إصدار أوامر إسناد لتنفيذ مشروعات جديدة إلا بعد مراجعة وموافقة الوزير المختص.
كما قررت الحكومة حظر السفر للخارج لأي مسؤول حكومي، وكذلك المرؤسين بالوزارات والهيئات التابعة، إلا في حالات الضرورة القصوی، وضمان تطبيق أسس الحوكمة في عملية الإنفاق الحكومي من العملات الأجنبية.
آلية الإنفاق مع الموردين والمصنعين
وبالنسبة لآلية الإنفاق مع الموردين والمصنعين بشأن الإعفاء من الرسوم الجمركية أو الضرائب، طالبت الحكومة بتولی جميع الوزراء اتخاذ اللازم نحو الرجوع إلى وزير المالية قبل التوقيع على أية اتفاقيات مع الموردين أو المصنعين لتضمن الإعفاء من الرسوم الجمركية أو الضرائب.
كما قررت الحكومة ترشيد وضغط الإنفاق فى الوزارات والهيئات والجهاز الإدارى للدولة، بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20% دون المساس بالأجور والرواتب والاستثمارات التمثيل التجارى، ومكاتب الهيئة العامة للاستعلامات، وهو إجراء ينتظر توفير مليارات من العملة الصعبة.
وتسعى الحكومة في ملف التقشف أيضًا إلى اتخاذ إجراءات بإغلاق عدد من المكاتب الإعلامية فى الخارج؛ لترشيد الإنفاق، حيث ينتظر إغلاق بعض المكاتب الإعلامية الخارجية بدءًا من شهر أبريل، وخاصة في دول أوروبا وأمريكا الجنوبية، وشمل القرار خفض عدد الملحقين الإداريين فى المكتب الإعلامى في السفارات المصرية بالخارج.
وفقا للمعلومات أيضًا، فإن الحكومة طالبت من كل وزير بضرورة عمل خطة تقشف تضمن 20 إجراء، وعرضها على رئيس الوزراء في أسرع وقت، وحظرت الضوابط استمرار الصرف على المنح التدريبية ومكافآت التدريب، والمنح الدراسية في الداخل أو الخارج، إلى جانب حظر الصرف على اعتمادات الخدمة الاجتماعية، بخلاف الإعانات الاجتماعية الشهرية أو الموسمية والرياضية والترفيهية للعاملين، بالإضافة إلى حظر زيادة بدل الاجتماعات، أو حضور الجلسات واللجان، عما تم في السنة المالية الماضية علاوة على حظر الصرف على الجوائز والأوسمة، إلا بموافقة رئيس مجلس الوزراء المصري.
تجميد الاعتمادات المالية لقطاعات التعليم والثقافة
ومنعت الضوابط استمرار الصرف على الاشتراك في المؤتمرات في الداخل والخارج وإيجار الخيام والكراسي، وبدل انتقال للسفر في الخارج وتكاليف النقل، والانتقالات العامة بوسائل أخرى للسفر بالخارج، بالإضافة إلى تجميد 50% على الأقل من الاعتمادات المالية المدرجة للجهات الداخلة في قطاعي التعليم والشباب والثقافة والشؤون الدينية.
وحظرت الضوابط أيضًا، الصرف على الاشتراكات في الهيئات المحلية أو الدولية والمساهمات بجميع أشكالها، إلا بعد موافقة وزارة المالية، كما جمدت المخصصات لشراء وسائل النقل والانتقال بنسبة 100%، إلى جانب خفض مخصصات الإنفاق على الأبحاث والدراسات العلمية في الداخل والخارج، والاعتمادات المخصصة لشراء أو تأجير مبانٍ غير سكنية والتجهيزات اللازمة بنحو 50% أيضًا.
واشترطت الضوابط موافقة البنك المركزي المصري، وكذلك وزارة المالية، عند تعامل الجهات الحكومية بالنقد الأجنبي، سواء بين الجهات الحكومية وبعضها البعض، أو بين الجهات الحكومية والجهات الخارجية.
واستثنت القواعد والضوابط وزارة الصحة والجهات التابعة لها، والمستشفيات الجامعية، والجهات القائمة على تدبير السلع التموينية، والمواد البترولية، والغاز ومشتقاتهما، ووزارة الداخلية والجهات التابعة لها، وتأمين جميع إجراءات مواجهة جائحة كورونا إلى جانب استثناء الأموال المخصصة لسداد فوائد وأقساط القروض والديون الخارجية، بالإضافة إلى الاعتمادات المدرجة في موازنات الجهات لعلاج العاملين وغير العاملين في الدولة والإعانات التي تصرف للطلبة والمعاشات الضمانية مثل «تكافل وكرامة».
كما تشمل خطة التقشف، تحسين الإدارة اليومية للأصول والاحتياجات ودولاب العمل، وترشيد استهلاك الطاقة والأدوات المكتبية والسلع المعمرة، ووضع خطط شاملة لصيانة الأجهزة والمعدات دوريا، والنص على ذلك فى الميزانية الاستثمارية لكل مشروع، والتوقف عن أمور «البهرجة الروتينية» مثل السفر دون مبرر، أو نشر التعازى والتهانى فى وسائل الإعلام، وترشيد المكالمات الدولية، وعدم شراء أية سلع جديدة قبل نفاد المخزون.
فى هذا الصدد، يقول الدكتورإبراهيم صالح الخبير الاقتصادى، إن أحد أسباب المشكلة الاقتصادية التى تعانى منها مصر فى الوقت الحالى هو الإسراف فى الإنفاق بشكل لا يتناسب مع موارد الدولة، لافتًا إلى أن الحكومة تأخرت كثيرًا فى اتخاذ قرارات التقشف، والسيطرة على معدلات الإنفاق العام، خاصة الإنفاق فى الاتجاهات التى لا تخدم معدلات النمو فى الدولة.
وكشف الخبير الاقتصادى، أن هناك مليارات الأموال تنفق على تجهيزات المكاتب ومواكب الوزراء وأطقم الحراسة، فيجب التقشف في تلك الأموال.
وشدد الدكتور إبراهيم صالح، على البدء فى سياسات ترشيد الإنفاق فى الوقت الحالى لكونها خطوة شديدة الأهمية من شأنها أن تساهم فى تخفيض عجز الموازنة من ناحية، ورفع فرص توجية موارد الدولة إلى الأنشطة الأولى بالرعاية خاصة التعليم والصحة وتحسين معدلات تخصيص الموارد من ناحية أخرى.
وأوضح، أن سياسة خفض الإنفاق تؤدى إلى تحقيق العوائد المرجوة منه، مشيرًا إلى ضرورة التوجه أيضًا للهيئات والشركات القابضة والشركات التابعة لها، وذلك فى إطار برنامج اقتصادى طموح يستهدف زيادة الإيرادات، وخفض الإنفاق، وتحسين بيئة الأعمال وتشجيع القطاع الخاص.