الكاتبة والمترجمة ضحى صلاح في حوارها لـ«النبأ»: «لون مثالي للغرق» رواية فارقة في حياتي (1 من 2)
في السنوات الأخيرة صاحبتني فكرة جمع أعمال أي كاتبٍ يُعجبني منتجه الأدبي عند القراءة له لأول مرةٍ، خاصةً في مجالي القصة القصيرة والرواية.
حدث هذا في البداية وفي مرحلةٍ عمريةٍ مبكرةٍ مع محمد البساطي، أمير القصة القصيرة وشاعرها أيضًا؛ وكنت قد قرأت مجموعته القصصية البديعة «أحلام رجال قصار العمر» في سنٍ صغيرةٍ وما زلت محتفظًا بها حتى الآن.
كان جمع كتابات «البساطي» من رواياتٍ ومجموعاتٍ قصصيةٍ أمرًا سهلًا؛ فمُنتجه الأدبي ينتشر بقوةٍ لدى باعة الكتب القديمة بوسط القاهرة أو في سور الأزبكية، ثم حسمتْ الهيئة المصرية العامة للكتاب الأمر عندما أصدرت الأعمال الكاملة لـ«البساطي»، والتي ضمت أعمالًا أدبيةً تنشر لأول مرة، فجرت عملية شراء تلك الأعمال الكاملة التي كانت بالنسبة لي كنزًا لواحد من أكثر كتابي المفضلين.
تكرر هذا الأمر مع نجيب محفوظ، والروائي والدبلوماسي عز الدين شكري فشير، علاء الأسواني، حسن عبد الموجود، نورا ناجي، أشرف العشماوي، وآخرين… ثم جاءت الروائية ضحى صلاح لتكون أحدث هؤلاء الكُتَّاب بعد قراءة روايتها المفضلة لي «لون مثالي للغرق»، وتبعتها بـ«سهم غرب»، و«السلاحف لا تشعر بالوحدة»، وأعتقد أنني صرت قريبًا من اقتناء «طريق مختصرة إلى الفردوس».
درست الروائية ضحى صلاح في كلية دار العلوم، وأصدرت حتى الآن مجموعةً من الروايات منها: «طريق مختصرة إلى الفردوس» التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ راشد بن حمد الشرقي للإبداع عام ٢٠١٩، و«لون مثالي للغرق» التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة يحيى حقي ٢٠٢١، كما وصلت مؤخرًا إلى القائمة القصيرة لجائزة ساويرس الثقافية.
ومن أعمالها أيضًا: «فانيلا»، «رسول القمر»، «عزيزي السيد جي»، وأحدث أعمالها «السلاحف لا تشعر بالوحدة» فضلًا عن بعض الأعمال التي ترجمتها مثل «سندر» للروائية الأمريكية الشهيرة «ماريسا ماير».
«النبأ» حاورتها لتقف على تفاصيل تجربتها الإبداعية في حوارٍ من جزأين، يُنشر الجزء الأول منه اليوم، والثاني لاحقًا.
قرأتُ من أعمالك روايات «سهم غرب» و«لون مثالي للغرق» و«السلاحف لا تشعر بالوحدة».. البطل في الروايات الثلاث «فتاة»، ألا تخشين من تصنيفك بالكتابة عن المرأة فقط؟
في الحقيقة لا.. ربما لأنني لا أنظر إلى الأدب بتصنيفٍ معينٍ، ولا أضع في اعتباري عند الكتابة سوى التجربة الإنسانية، نقل تلك التجربة، تمريرها بشكلٍ أو بآخر، فأنا لا أتناول روايات الكتاب الذكور وأقول: «آه! هذا الكاتب لم يكتب عن المرأة قط! ألا يخشى أن تُصنف كتاباته كأعمالٍ موجهةٍ إلى الرجال فقط؟»، إنَّ الرجل والمرأة يتشاركان كل شيء في الحياة من وسيلة المواصلات إلى استنشاق الأكسجين ذاته كل صباح، فتفكيك تلك التجارب عن بعضها البعض يعد شيئًا غريبًا بالنسبة لي.
في رواياتك هناك ميل إلى التحليل النفسي لبطلة كل روايةٍ وظهر هذا واضحًا وجميلًا في «لون مثالي للغرق».. هل هذا مقصود أم يأتي مصادفةً؟
هذا سؤال جميل.. البارحة كنت أحاول كتابة شيء ما مُتعلق بعملي، وفتحت دفتر ملاحظات لأجد جملةً واحدةً في إحدى الصفحات: «امرأة أربعينية تظهر بقعة فوق وجهها»، كانت تلك بداية رواية «لون مثالي للغرق»، بالطبع في صفحات لاحقة كان هناك الكثير من الملاحظات ربما سيحدث كذا وكذا، ولا.. هذا جدير برواية منفردة.. إلخ.
ربما أخطط للأحداث ما الذي ستفعله البطلة، ستستيقظ تذهب لعملها تذهب للطبيب تعود لخالتها وهكذا، لكن التخطيط يختلف عن عملية الكتابة نفسها؛ تلك التفاصيل الصغيرة والانغماس التام في النفس يظهر من العدم في أثناء الكتابة.. كالسحر تمامًا.
هل تحاولين تناول هواجس الجيل المولود في نهاية الثمانينيات في رواياتك خاصة أن «أنيس» في «لون مثالي للغرق» في منتصف الثلاثينات؟
لم أفكر في هذا التناول من قبل، ربما أفعل بشكل غير شعوري، كل ما يهمني هو الحكاية، حكاية امرأةٍ تتصارع مع حياتها، مع نفسها، مع الفقد، مع عائلتها.. إلخ… لم أهتم بالزمن، كان من المفترض أن تكون «أنيس» أكبر من ذلك، ولكن كان هذا يتعارض مع وظيفتها ومع القصة بأكملها لذلك جعلتها أصغر بخمس سنواتٍ.
قد يشعر البعض بألفةٍ مع المحتوى، إذا كان يعمل في مؤسسةٍ أو شركةٍ ناشئةٍ أو حتى يركب «أتوبيس 85» كل صباح، من الجيد أن تُصنف أعمالي كأعمال تتناول هواجس جيل نهاية الثمانينات، أظن أن هذا يتضح بشكل أكبر في رواية «السلاحف لا تشعر بالوحدة»، ولكني أرجو ألا تقتصر تلك التجارب على زمنٍ محددٍ، وأن يجد القارئ فيها باختلاف عمره رابطًا يجعلها متجددةً، هذا ما يجعل الأدب يحيا.
مِنْ قراءة «السلاحف لا تشعر بالوحدة» أحسست أنها كُتبت على عجلٍ، في رأيي «لون مثالي للغرق» أجمل في السرد والبناء.. هل من تفسيرٍ؟
لا أدري، لقد استغرقت وقتًا أطول في كتابة «السلاحف لا تشعر بالوحدة»، بل كتبتها على مراحل متعددة، في محاولة مني لنزع جزءٍ من التجربة الشخصية الخاص بفقداني لوالدي عن شخصية وحياة البطلة.
كما أنني استعنت بزوجي الكاتب باسم الخشن في التخطيط للبناء خصوصًا أنَّ الرواية تدور في زمان ومكان ضيقين. المكان: دولاب/ بيت عائلة، والزمان: أقل من 12 ساعة.
لا يوجد مكان للتمهل، تلك الأفكار والهواجس التي تنتابك عند وفاة شخص قريب منك تكون ملحة جدًّا، وسريعة جدًّا، أو لا أدري، ربما كل منا يتعامل مع الفقد بطريقته، لكنها كانت طريقة البطلة.
مَنْ تفضلين من بطلات رواياتك: «أنيس» أم «رؤى» أم «أروى»؟
لست مولعةً ببطلة «السلاحف لا تشعر بالوحدة» على العكس من بطلة رواية «لون مثالي للغرق»، لهذا أتعجب عندما أقرأ بعض التعليقات التي تقول إنهم أحبوا «السلاحف لا تشعر بالوحدة» أكثر! لكن على كل حال في بطلاتي جميعًا «أنيس» هي المفضلة لي، وأظن أن «لون مثالي للغرق» رواية فارقة في حياتي ككاتبة، وستظل كذلك مهما كتبت وفزت بجوائز.
في أعمالك دائمًا نرى هناك مشكلة بين بطلة العمل وأحد أقاربها؛ «أنيس» ووالدها في «لون مثالي للغرق»، «أروى» وشقيقها الذي تحرش بها في «سهم غرب».. هل هناك رسالة من وراء هذا التناول؟
في رواية «لون مثالي للغرق» كان المُعنف هو الوالد، وفي رواية «سهم غرب» أظن العائلة بأكملها وحتى علاقاتها العاطفية، فالأب تخلى والأم كانت قاسية والأخ فعل ما فعله.
إنها فقط الحياة والتجارب، ليس هناك شخص ما على علاقة جيدة بكل أفراد عائلته، هناك دائمًا شخص مزعج أو مُعنف أو متكاسل يبدو كشوكة في الكعب؛ هدفه إفساد سلام حياتك. إن القصص نتاجها الصراع، وأحيانًا يكون ذلك الصراع مع أحد أفراد العائلة ما هو إلا صراع مع الذات، نحن دائمًا ما نكون انعكاس لأسوأ كوابيسنا.
لم أضع يومًا رسالة أو هدفًا لأعمالي، الكتابة دائمًا أولًا، الحكاية، لكني لا أستيقظ كل يوم لأقرأ أخبار الحوادث وأقول: «آه! هذا الرجل ألقى بابنته من النافذة! لا بد لي من كتابة رواية عن العنف الأسري! أو يجب أن أكتب رواية عن التوعية بمخاطر التدخين!».
عليّ فقط الكتابة، وعلى القارئ والناقد التأويل كما يشاء.
قرأتُ 3 أعمال للكاتبة نورا ناجي: «بانا» و«أطياف كاميليا» و«مثل الأفلام الساذجة» وشعرت أن هناك تشابهًا بينك وبينها في أجواء الكتابة والسرد والتركيز على التفاصيل الصغيرة والعنصر النسائي.. هل إحساسي صحيح؟
أنا حقًا لا أجد تفسيرًا لهذا! كنت في قطار وأنا أقرأ المجموعة القصصية «مثل الأفلام الساذجة» ثم صحت فجأةً في منتصف القطار وسكبت كوب القهوة عند قراءتي لمقطعٍ ما، لأجدني أتصل بها وأخبرها: «إن هذا يشبه إلى حد كبير مطلع روايتي الجديدة!».
أن أجدها تتحدث في القصة الأولى عن نوع معين من القهوة الكورية لأرسل لها وأسألها: «دي قهوة ماكسيم صح؟».
لم أقرأ لنورا ناجي قبل إعلان القائمة القصيرة ليحيى حقي، لكني ممتنة لتلك الفرصة التي جعلتني أقابل «نورا»، وأتعرف عليها سواء على الصعيد الإنساني والأدبي.
في مناقشة رواية «السلاحف لا تشعر بالوحدة» قالت «نورا» إنها تشعر أننا نتشارك وعي ما، تجارب معينة تشاركناها بشكل أو بآخر لذلك هناك تشابه ما بيننا، وهذا شيء أشعر به أيضًا، وهو شعور جيد، تخيل أن يكون لك أخت في الكتابة؟