بالتفاصيل.. اشتعال الأزمة السياسية في تونس بعد عزل 57 قاضيا
حالة من الانقسام الحاد وعدم الاستقرار السياسي تعيشها تونس، منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد في 25 يوليو 2021 فرض "التدابير الاستثنائية" بمقتضى المادة 80 من دستور البلاد، والتي بدأها بإقالة حكومة رئيس الوزراء هشام المشيشي وتجميد عمل البرلمان برئاسة راشد الغنوشي زعيم حزب حركة النهضة، وما تبع ذلك من قرارات، مثل، تعيين حكومة جديدة برئاسة نجلاء بودن، وحل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بآخر "موقت"، وحل البرلمان التونسي، وأخيرا عزل 57 قاضيا من بينهم رئيس المجلس الأعلى للقضاء المنحل، بدعوى "الحفاظ على السلم الاجتماعي وعلى الدولة"، وذلك بعد أن اتهمهم بالفساد والتستر على متهمين في قضايا إرهاب، حيث لاقت هذه الخطوة معارضة شديدة من القضاه والقوى السياسية المعارضة في تونس.
وقد زاد قرار الرئيس قيس سعيد عزل 57 قاضيا، من حدة الأزمة السياسية والدستورية التي تعيشها تونس، بعد أن رفضت القوى السياسية الرئيسية وعلى رأسها الاتحاد العام للشغل كل قرارات الرئيس قيس سعيد، كما رفضت المشاركة في الحوار الذي دعا إليه الرئيس قيس سعيد، كما رفضت قرارات الرئيس قيس سعيد المتعلقة بالتدخل في شئون القضاء، واجراء استفتاء لصياغة دستور جديد.
استبدال أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات
في شهر أبريل الماضي، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد مرسوما يقضي باستبدال أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بسبعة أعضاء جدد، في أحدث تحرك من شأنه أن يرسخ حكمه الفردي ويلقي بظلال من الشك على نزاهة الانتخابات.
ونشر القرار في الجريدة الرسمية الصادرة الجمعة وجاء فيه: "يتركب مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من سبعة أعضاء يتم تعيينهم بأمر رئاسي". وكان عددهم في السابق تسعة أعضاء.
كما منح القرار الرئيس صلاحية تعيين رئيس الهيئة من بين أعضاء الهيئات العليا المستقلة للانتخابات السابقة وعضوين آخرين، على أن يعيّن المجلس الأعلى للقضاء الأعضاء الأربعة المتبقين.
تشكيل لجنة لصياغة دستور لجمهورية جديدة في تونس
قال الرئيس التونسي قيس سعيد في خطاب أذاعه التلفزيون(الأول من مايو/ أيار 2022) إنه ستتشكل لجنة لصياغة دستور لـ "جمهورية جديدة" في تونس، مضيفا أن اللجنة ستختتم أعمالها في غضون أيام معدودة. وأضاف سعيد أن الحوار الوطني بشأن الإصلاحات سيشمل أربع منظمات رئيسية في تونس، في إشارة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين بتونس والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وقال إن من ساندوا الإجراءات التي اتخذها في يوليو/ تموز الماضي يمكنهم المشاركة في الحوار بينما لن يشارك من وصفهم بالخونة واللاوطنيين.
وقال في كلمته "أكرر اللاءات الثلاثة لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بمن خربوا البلاد وعاثوا فيها فسادا وليعتبر هؤلاء أنفسهم من الماضي ولا عودة إلى ما قد مضى".
أحزاب وقوى سياسية ومدنية ونقابية ترفض المشاركة في الحوار
وسط مقاطعة عدد من الأحزاب والقوى السياسية الرئيسية في تونس، انطلقت، اليوم السبت، أولى جلسات الحوار الوطن الذي اقترحه الرئيس التونسي قيس سعيّد لحل الأزمة السياسية في البلاد، وسط تزايد في عدد المقاطعين لهذا الحوار.
وكان رئيس اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية إبراهيم بودربالة، قد أعلن توجيه الدعوات إلى عدد من المنظمات الوطنية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل وإلى الأحزاب الداعمة لإجراءات 25 يوليو إلى جانب دعوة عدد من الشخصيات الوطنية المستقلة، للحضور في أول اجتماع للجنة، اليوم، ومباشرة الحوار الوطني.
لكن هذه الدعوة قوبلت برفض عدد من الأحزاب التي ترى أن هذا الحوار "شكلي وأحادي ونتائجه معدّة مسبقا"، على غرار حزب "آفاق تونس" الذي أعلن عدم مشاركته، وقال في بيان إن "هذا الحوار استشاري، صوري وشكلي يفتقد إلى الحدّ الأدنى من المصداقية والشرعية".
وبدوره أعلن السياسي والنائب السابق بالبرلمان حاتم المليكي رفض دعوة المشاركة في جلسات الحوار، معتبرا أن الأولوية اليوم هي تشكيل حكومة اقتصادية مصغرة ذات دعم واسع وصلاحيات معقولة وتأجيل الصراع السياسي.
الموقف نفسه أعلن عنه حزب "المسار الديمقراطي الاجتماعي"، الذي أكد على تمسكه بنهج الحوار التشاركي كآلية لإنقاذ تونس من أزمتها السياسية والاقتصادية الشاملة.
وفي وقت سابق، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المنظمات النقابية في تونس وأهمها، رفضه المشاركة في الحوار الوطني الذي اقترحه الرئيس قيس سعيد من أجل "جمهورية جديدة"، معتبرا أنه "شكلي" ويقصي القوى المدنية.
وأعلن عمداء وعميدات كليات الحقوق والعلوم القانونية التونسية، كذلك، اعتذارهم عن المشاركة في اللجنة التي شكلها الرئيس التونسي قيس سعيد لصياغة دستور من أجل "جمهورية جديدة"، حفاظا على حياد المؤسسة الجامعية وعدم الزج بها في المشاريع السياسية.
لا لعزل القضاه
وقد رفض عدد من الأحزاب والقوى السياسية المعارضة قرار الرئيس قيس سعيد بعزل 57 قاضيا.
فقد أكدت جبهة الخلاص الوطني وهي تكتل لأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني معارضة لسعيّد في بيان، أن ما قام به الرئيس "تدخل فظ" في القضاء. واتهمت سعيّد بأنه أعطى لنفسه "حقّ عزل القُضاة بناء على مجرّد الشبهة دون حق الاعتراضِ قبل أن يقول القضاء الجزائي رأيه النهائي".
بدوره اعتبر الأمين العام لحزب "التيار الديموقراطي" المعارض غازي الشواشي في مؤتمر صحافيأن قرار العزل "تصفية حسابات ضد قضاة".
ونشر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين بيانا علق فيه على المرسوم الرئاسي المتضمن إعفاء 57 قاضيا.
وأكد في البيان أنه مرسوم معدوم لما مثله من تعد واضح على الاختصاص الحصري للمجلس الأعلى للقضاء وتدخل واضح وفادح لرئيس الجمهورية في ما هو موكول للسلطة القضائية.
كما ندد المكتب بأمر الإعفاء ووصفه بـ "المذبحة القضائية" بذريعة محاربة الفساد والحال أنه في الواقع لا صلة له بمحاربة الفساد وبالمحاسبة الحقيقية اللتين لا تكونان إلا ببرامج الإصلاح وبتطبيق القانون والضمانات القانونية المكفولة للأشخاص وعن طريق المؤسسات التي تعود إليها صلاحية المحاسبة طبق القانون"، وفقما جاء في نص البيان.
واعتبر المكتب التنفيذي أن القرار يأتي في سياق تصفية عدد من قضاة النيابة العمومية ومنهم الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتونس ووكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس وقضاة التحقيق والمجلس الذين تمسكوا بتطبيق القانون بحيادية وبمقتضى الإجراءات القانونية السليمة بعد 25 يوليو 2021.
كما اعتبر أن هذه التصفية تهدف إلى خلق شغور في المسؤوليات القضائية التي يتوجه رئيس الجمهورية لسدها بمن يعتقد أنهم سيوالونه ويعملون طبق تعليماته وتعليمات وزيرة العدل.
وتعليقا على قرار الرئيس التونسي بعزل 57 قاضيا، أكّد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، أنّ القضاء يتعرّض إلى حملة ترهيب وتخويف، بالإضافة إلى الضغط من قبل وزيرة العدل للتدخّل في عدّة قضايا وذلك نقلا عن قضاة وصفهم بالشرفاء وقال إنّ لديهم روايات يندى لها الجبين.
وأضاف الطبوبي أنّ "من يُريد قضاء مستقلا ودولة القانون والمؤسسات ومن له ملفات قضائية فليس من حقّه التهديد بهذه الملفات وعليه نشر العدل والإنصاف" وفق تعبيره.
وقال امين عام اتحاد الشغل، ان موقف الاتحاد واضح بخصوص عزل القضاة، وان ذلك يجب ان يتم عبر رفع الملفات للقضاء والمجلس الاعلى للقضاء، معتبرا إنه من الخطر اتخاذ قرار بالعزل وفق اعتبارات معينة.
وانتقد الطبوبي الامر الرئاسي المتعلق بعزل 57 قاضيا ومنعهم من الطعن والتوجه إلى القضاء، مذكرا بقرار وزير العدل الاسبق نور الدين البحيري سنة 2012 المتعلق بعزل عدد من القضاة والتهديد بقائمة اخرى لاحقة حينها، ملاحظا ان بعض الاشخاص يتحدثون اليوم باسم الرئيس عن قائمة اخرى من القضاة للعزل، معتبرا أنها خطوة تنزع إلى التهديد.
وقد دخلت الولايات المتحدة الأمريكية على خط الأزمة، حيث قالت الخارجية الأمريكية إن مراسيم الرئيس التونسي قيس سعيّد بإقالة 57 قاضيًا وتحوير القواعد التي تحكم المجلس الأعلى للقضاء تقوض المؤسسات الديمقراطية في تونس. وأوضح نيد برايس المتحدث باسم الخارجية أن واشنطن أبلغت المسؤولين التونسيين بصورة مستمرة بأهمية الضوابط والتوازنات في النظام الديمقراطي.
وقال برايس: "نواصل حثّ الحكومة التونسية على انتهاج عملية إصلاح شفافة تشرك الجميع تستفيد من إسهامات المجتمع المدني والطيف السياسي المتنوع لتعزيز شرعية مساعي الإصلاح".
حملة لإسقاط الاستفتاء على دستور جديد للبلاد
وفي سياق متصل أعلنت خمسة أحزاب تونسية معارضة عن إطلاق "الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء" المقرر يوم 25 تموز/يوليو المقبل للتصويت على دستور جديد للبلاد.
وتعترض الأحزاب، وهي التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري وحزب التكتل وحزب العمال وحزب المسار، على قرارات الرئيس سعيّد في 25 تموز/يوليو الماضي والمرتبطة بالتدابير الاستثنائية، وما تلاها من قرارات بحل البرلمان وتعليق العمل بمعظم مواد الدستور وحل هيئات دستورية وتغيير تركيبة هيئة الانتخابات.
وأعلنت الأحزاب، في مؤتمر صحفي مشترك، أنها ستقاطع الاستفتاء وستعمل على إسقاطه عبر تحركات على الأرض والتعبئة لأحزاب أخرى ومنظمات من المجتمع المدني.
يذكر أن الرئيس التونسي قيس سعيد يعلن دائما أنه يرفض التحاور مع من يسميهم، الخونة واللصوص والفاسدين، ومن باعوا الوطن، وأعداء الوطن، والذين حاولوا اسقاط الوطن.