مراكزُ الثقافة الإسلامية.. والامتحانات المُجمَعة!
ليسَ من نافلة القول اعتبار التعليم قاطرة الوصول لمصاف الدول المتقدمة، وهو ما فطن له زعماء الأمصار الطامحون لبناء دول حديثة عبر مشارق الأرض ومغاربها، ولن أستأنس بنماذجَ مُغايرة لنا في البيئة والعادات والظروف الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من العوامل التي تؤثر على التعليم صعودا وهبوطًا.
بل سأُنعش ذاكرة القارئ بسياسة محمد علي باني مصر الحديثة، الذي اعتبر التعليم ركيزة النهضة الرئيسة، فأنشأ المدارس والجامعات، وأوفد البعثات، واستقطب الخبرات العلمية والمعرفية لبناء دولته، التي صارت ملء السمع والبصر، واعترف بها العالم أجمع من أقصاه إلى أقصاه.
والغريب أنه مع تعاقب الأجيال، توالت على أرض الكنانة سياساتٌ تعليمية من كوكب آخر، إذ إن ما تنشده وترمي إليه في واد، وحال التعليم في مصر في واد آخر.
وبعيدًا عن التعليم العام قبل الجامعي، وأزمة الثانوية العامة، وتسريب الامتحانات، التي أطاحت بأحلام الأسر ومن قبلهم الطلاب، وأظن أن لهذا حديثًا آخر، تعالوا نُناقش بعضَ السلبيات المُتعلقة بسير العملية التعليمية بمراكز الثقافة الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف، باعتبارها مؤسسة تعليمية منوطا به نشر التعليم الديني، وليست سوط عذاب، طال بطشُه الدارسين بها.
المثلبة الأولي -بوصفي كاتبًا، ولستُ متخصصا في قضية تطوير التعليم، لكنَّ الأمرَ بدهي، لا يحتاج إلي تقعر وفلسفة؛ لأن الحقَ أبلج والباطل لجلج - هي عدم تقسيم السنة الدراسية إلى (ترمين)، والإصرار على جعل الامتحان نهاية العام، رغم أن تقسيم العام إلى فصلين أنجع في مسألة المذاكرة والتحصيل، فإعطاء الطالب همته وجهده لنصف المقرر أفضل بلا شك من إعطاء جهده للمقرر كله نهاية العام، وهو ما يُفوت على الطلاب فرصة الفهم والاستيعاب، اللذين هما غاية هذه المراكز دون شك.
أضف إلى ذلك مثلبة أشد، وهي إصرار وزارة الأوقاف على أن يكون امتحان كل المواد في يوم واحد بمعدل ثلاث مواد في كل ورقة، وهو ما يُجبر الطالبَ على أن يمر على مقرر كل مادة ليلة الامتحان - إن تمكن من ذلك - مرورَ الكرام لتذكر أهم العناوين وليس مذاكرتها واستيعابها، ومن ثم ستُضيع إجاباته التحريرية جهده وجهد المدرسين بتلك المراكز طوال العام!.
ولاشك أن إخفاق الطالب، أو حصوله علي درجات مُتدنية مع سياسة (الامتحان المُجمع) لا يعد انتقاصًا أو عيبًا، إذ إن مراجعة مادة واحدة قبل ليلة الامتحان أمرٌ شاق، يتطلب أن يحتشد له الطالب فما بالك بست مواد؟.
وثالثة الأثافي هي إصرارُ وزارة الأوقاف على امتحان الشفوي، واعتباره جواز مرور الطلاب، ومسوغَ الحصول على شهادة التخرج، وجعله في كِفة، وجهد عامين في كفة، بالرغم من أنه لا يُعبر بحال عن مستوى الدارسين؛ لخضوعه لعوامل قد تقف حجر عثرة في طريق الدارسين كالإخفاق في الرد لغموض السؤال، أو تعمد المُمتحِن تعجيز الطالب استنادًا إلى أنه مطالبٌ بكل كلمة في المنهج، والإلمام بكل ساقطة ولاقطة، وهذا ما لا يطيقه المُمتحِن نفسه، فكيف الحال بطالب يحبو في طريق العلم؟.
إضافة إلي عوامل أخري عارضة يطول شرحها، ربما تحول بين الطالب واجتياز امتحان الشفوي.
الملاحظاتُ على مراكز الثقافة الإسلامية وسياستها التعليمية اتسع معها الخرقُ علي الراقع، وتتطلبُ أن تُعيد فيها وزارةُ الأوقاف النظر، وإلا فمصيرُها الغلق بعد إحجام الطلاب عنها، وهذا قادمٌ لا محالة إن لم تنتبه.