جريمة الطفل «أنس» ضحية «الموت جوعًا» تكشف:
حكايات أغرب من الخيال فى قضايا القتل بالامتناع والترك
دب خلاف بين ربة منزل وزوجها، (لديهما طفلان)، خرجت الأولى على إثره من المنزل، مصطحبة طفلها الأكبر «مروان»، بحجة إحضار بعض المشتريات، إلا أنها توجهت غاضبة لمنزل أسرتها دون علم الزوج، ومع تأخر الزوجة في العودة لمنزلها، خرج الزوج أيضًا إلى عمله، تاركًا الطفل الرضيع «أنس» داخل الشقة وحيدًا، اعتقادًا منه بعودة زوجته عقب انتهائها من شراء متطلباتها، وهو ما لم يحدث، واكتشف الأب فيما بعد أن طفلهما الرضيع مات جوعًا بعد مرور عدة أيام قضاها الأب في عمله.
دارت أحداث هذه الواقعة المأساوية بدائرة مركز شرطة طوخ بمديرية أمن القليوبية، عندما تلقت الأجهزة الأمنية بلاغا من «عاطف جودة»، عامل، يفيد باكتشافه وفاة ابنه الطفل «أنس»، 4 أشهر، داخل مسكنه، متهمًا زوجته شيماء عنتر، 24 عاما، بترك صغيرهما وحيدًا حتى الموت.
السطور السابقة تثير العديد من التساؤلات حول توصيف هذه الجريمة سواء (قتل عمد، أم قتل، أم قتل خطأ، أم إهمال)، أي هل توصف هذه الجريمة على أنها جناية أم جنحة؟، خاصة أن القانون المصري لا يترك جريمة دون عقاب، ورغم أنه من الصعب أن تجد جريمة دون عقوبة، فإن وجدت يتم سن تشريع قانوني جديد لها، ولكن خبراء أمنيين وقانونيين يرون أن هذه الجريمة تدخل في إطار جريمة القتل بـ«الامتناع» أو القتل بـ«الترك».
وتستعرض «النبأ» خلال السطور التالية الشروط والحالات التي يتم فيها توجيه تهمة القتل بالامتناع أو الترك لمرتكبيها؛ ومن شروطها، التكليف، أي أنه لا بد أن يكون الممتنع مكلفًا بواجب شرعه القانون على الإنسان بفعله ولم يفعله، والمثل على ذلك في الحالات التالية، مثل: امتناع الأم عن إرضاع صغيرها، بقصد قتله، أو امتناع معلم السباحة عن إنقاذ غريق، أو امتناع ممرض عن تقديم الدواء، كل ذلك شريطة توافر القصد الجنائي، أما فى حالة عدم توافر القصد الجنائى فإنه يعد قتلًا بالإهمال.
أب «مفتري» وأم طماعة
وكشفت أوراق قضية الطفل «أنس» الذي مات جوعًا خلال تحقيقات النيابة العامة عن روايات متضاربة لكل أسرة من أسرتي والدي الطفل الرضيع، ومحاولتهم لإثبات البراءة، وتراشقوا الاتهامات والمعاملة السيئة فيما بينهما، حيث وصفت أسرة الزوج أن الزوجة كانت دائمة الشجار معه بسبب المصاريف ومطالبها المادية لا تنقطع وأنها اعتادت على ترك طفليها بمفردهما.
فيما أكدت أسرة الزوجة وحشية الزوج في تعامله معها وأنه من وحشيته كان لا يضربها إلا وهي عريانة حتى يستحي الجيران إنقاذها من بين يديه ووسط هذا التضارب حاولت كل أسرة أن تنتصر لابنها فيما كانت الحقيقة المؤكدة أن الطفل «أنس» راح ضحية عناد أبوين ومات جوعا بعد أن بقي بمفرده 9 أيام في شقة هجرتها الأم وتركها الأب لعمله.
وقالت أم الزوجة خلال التحقيقات، إن الزوج طرد زوجته بعد أن ضربها وأهانها وتوعدها بحرمانها من ابنها، ورفض أن تأخذه معاها بينما تعلق بها الطفل الأكبر «مروان» وأحضرته معها فيما كان الطفل «أنس» مع والده في الشقة حيث ظنت أنه سيعطيه لأمه ترعاه خاصة أنه لم يكمل شهره الرابع، مؤكدة أن ابنتها خلال 4 سنوات زواج ذاقت المر ألوانا، وكان زوجها لا يضربها إلا عريانة حتى يستحي الجيران من إنقاذها من بين يديه بجانب تعذيب الطفل «مروان» وهو صغير.
وفي المقابل أكد أشقاء الأب؛ أن حياة شقيقهم كانت مليئة بالمشاكل الأسرية طوال 4 سنوات زواج والحياة الزوجية بينهما لم تكن مستقرة ومرت بالعديد بالمشاكل، وأوضحوا أن الزوجة كانت دائمًا ما تترك منزل الزوجية باستمرار ولم تكن المرة الأخيرة هي الأولى فقد سبق أن تركت الطفل مرتين وكادت الخلافات تقودهما إلى الطلاق ولولا تدخل الأهل لانتهت العلاقة بينهما.
اعترافات الأم
وقالت الأم في اعترافاتها في التحقيقات، إن والد أنس زوجها كان يسيء معاملتها ولا يقدر ما تقدمه من خدمات له ولطفليه فقررت ترك الطفل الرضيع له ليتولى مسؤوليته ويشعر بأهميتها ولم تتوقع أنه سيقوم بتركه وحيدًا دون سؤال أو تركه لأحد لرعايته ويخرج للعمل دون أن يخبرها أو يدبر وسيلة لإعاشته حتى فوجئت بإخباره لها أنه مات واتهامه لها بأنها وراء الحادث.
وعللت عدم قيامها بالاطمئنان على نجلها طوال فترة غيابها خلال تلك الفترة ظنًا منها بتواجد والده برفقته ورعايته.
أقوال الأب
بعد مواجهة الأب بأقوال الأم وتحريات المباحث أكد أنه حدث خلاف بينه وبين زوجته قامت على إثره بالخروج من المنزل وبرفقتها نجلها الطفل الآخر «مروان» بحجة إحضار بعض المشتريات إلا أنها توجهت لمنزل أهلها بذات الناحية دون علمه تاركة الطفل الرضيع بصحبته.
وعندما حل ميعاد عمله خرج للحاق به تاركا باب الشقة مفتوحا اعتقادا منه بعودتها عقب إنهاء شراء الطلبات ولم يتوقع أنها تركت المنزل وأنه ترك الطفل ليموت جوعًا مبديًا ندمه على عدم السؤال على نجله خلال تلك الفترة.
«مكالمة مسجلة» تكشف إدانة الأب والأم
وفي مفاجأة خلال سير التحقيقات كشفت نيابة طوخ بمحافظة القليوبية بعد تفريغ المكالمات التي جرت بين الزوجين خلال المدة التي تركا فيها الطفل بمفرده داخل المنزل وجود مكالمة بين المتهمين سجلها هاتف الأم، حيث استمعت النيابة للمكالمة بعد فحص الهاتف إلى محادثة جرت بينهما قبيل اكتشاف الواقعة أخبرها الأب المتهم فيها بعودته إلى مسكنهما وسألها عن الرضيع، فأجابته أنها تركته ليرعاه ولا تدري عنه شيئا ثم تطرقا في حديثهما إلى أمور أخرى وهو ما اعتبرته النيابة دليل إدانة ضد المتهمين.
وخلال نظر القضية أمام جنح طوخ؛ حيث قررت حبس الأم عامين، وكفالة 1000 جنيه، فيما قررت حبس الأب عام، وكفالة 300 جنيه، في اتهامهما بالتسبب في وفاته بعد أن تركاه وحيدًا في منزلهما حتى مات جوعًا وتحللت جثته بعد تركه 9 أيام وحيدًا بمنزلهما.
وفي هذا الصدد، يقول اللواء رأفت الشرقاوي، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام الأسبق، والخبير الأمني، إن قانون العقوبات المصرى رقم 58 لسنة 1937، نظم الجرائم إلى ثلاثة أنواع (الجناية - الجنحة - المخالفة)، مؤكدًا أن القانون وضع عقوبات للجنايات تتمثل في الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد أو السجن، ووضع عقوبات للجنحة بالحبس والغرامة، ووضع للمخالفة عقوبة الغرامة.
القتل بالإهمال
وأضاف مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام الأسبق، والخبير الأمني، لـ«النبأ الوطني» أن القتل يعرف بصفة عامة بأنه إنهاء حياة إنسان من قبل إنسان آخر دون وجه حق، أما القتل العمد فيعرف بأنه إنهاء حياة إنسان من قبل شخص آخر عمدًا ودون وجه حق، وعلة التجريم تتمثل بالاعتداء على حق الإنسان في الحياة.
ويكمل: «أن القتل بالامتناع أو الترك فهو لا يتطلب القيام بأي فعل مادي أو معنوى، إنما يتم بامتناع شخص عن القيام بعمل كان عليه القيام به بغية القضاء على حياة شخص آخر بامتناعة أو تركه لهذا الفعل وهو الذي أدى إلى موت المجني عليه».
وأوضح «الشرقاوي» أنه على ذلك لا بد أن يكون الممتنع مكلفًا بواجب شرعه القانون على الإنسان بفعله ولم يفعله، مثل امتناع الأم عن إرضاع صغيرها بقصد قتله أو امتناع معلم السباحة عن إنقاذ غريق أو امتناع ممرض عن تقديم الدواء، شريطة توافر القصد الجنائي أما فى حالة عدم توافر القصد الجنائى فإنه يعد قتلا بالإهمال.
واستطرد مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام الأسبق، والخبير الأمني قائلًا: «عندما لا يكون على الممتنع التزام قانوني أو تعاقدي بالتدخل لإنقاذ حياة المجني عليه، فإنه لا يسأل عن القتل العمد حتى لو توافر لديه القصد الجنائي، كما لا يسأل عن القتل مع الإهمال وعلى ذلك لا يعد قاتلًا».
ويكمل: «فمن يرى ضريرًا يسير بالقرب من حفرة فلا يحذره وترتب على ذلك أن سقط فيها ومات، لا يعد قاتلا، وكذلك من يرى شخص يشرف على الغرق ولا ينفذه أو إنسان تحيط به أو حاصرته النيران ولا يتقدم لإنقاذه؛ إذ أن القانون لا يفرض على الناس الشجاعة ولا التضحية خصوصًا إذا اقترنت بقدر من المخاطر ولو يسير».