رئيس التحرير
خالد مهران

د. محمد بكر.. شمعة في دياجير الظلام!

الكاتب صبري الموجي
الكاتب صبري الموجي


ساعدَني خلافي مُؤخرًا مع وزارة الأوقاف؛ لقصورها -من وجهة نظري- في إدارة عدة ملفات من بينها تشديدها المُبالغ فيه في امتحانات مراكز الثقافة الإسلامية، وهو ما أدى إلى عزوفِ كثيرٍ من الدارسين عنها، والانضواء تحت لواء العديد من المنصات التعليمية واضحة المناهج، بجانب مرونتها في اختبارات القبول والإجازة، والذي كان من آثاره توقفي عن ممارسة الخطابة، التي كانت تُسندُ إلي أحيانا باتفاق مع مديرية أوقاف القليوبية -أقول- ساعدني هذا في حضور خُطبة الجمعة مُستمِعا لا خطيبًا، والطوافِ بين العديد من المساجد بقريتنا والقرى المجاورة، وأحيانا بمراكز أخرى؛ لأقارنَ وأختار من أشدُّ إليه رحالي؛ فرارًا من بعضِ الخطباء، الذين يتخبطون في دروب التيه وغموض الفكرة، وركاكة العبارة.


ووسط هذا الركام، ومن بين ثنايا طبقات الضبابِ الكثيف، انبلجَ أمام ناظريَّ نورُ شمعة أضيئت وسط دياجير الظلام، وخرجت في صحراء الجدب نبتة بددت سُحبُ يأسي بعدما ألفيتُ خطيبًا جادًا، واضحَ الفكرة، جَزلَ العبارة، قويَّ الأسانيد، كانت خُطبته وَسَطا بين الطولِ والقِصر، مُكثفة مركزة، يُحصِلُ منها المستمعُ كثيرًا من العلم، هو د. محمد بكر، الأستاذ المساعد بكلية التربية الرياضية ببنها، وأجزم أنَّ قطعا هناك من يُشبهه، ففي الزوايا خبايا، وفي الناس بقايا، حتي لا تثور عليَّ ثائرة خطباء الأوقاف، لكنهم قليل.


ود. بكر، واحدٌ من طلاب العلم الشرعي، اقتفى أثر عمالقة المنابر بقريتنا والقري المجاورة، ولم ينشغل أبدا بسفاسف الأمور، أو يخُض في قيلٍ ولا قال، بل جعل همَّه الأوحد العلم، والعلم فقط.


امتاز د. بكر بالجِد والصرامة، التي جعلته يتسم بالحِدة أحيانا، أو قُل كثيرا ريثما يجدُ خللا، كما عُرف باحترامه لمُستمعيه، وهو ما جعله حريصًا على تحضير الدرس ومُذاكرته جيدًا، والإقبال علي مُستمعيه -قلوا أو كثروا- أثناء شرحه بكُليته، وهو ما أكبره في نظر الناس، الذي حرصوا على الجلوس بين يديه، مشرئبة إليه أعناقهم، لا يلتفتون يَمنة ولا يسرة، كأن علي رءوسهم الطير، ليحصلوا من علمه وفقهه، ويستمتعوا بربطه بين الخطبة والواقع المعيش.


د . محمد بكر، شيخٌ يستحق أن تُرفعَ له القُبعة؛ لأنه يسيرُ في طريقه لا يلوي علي أحد، فلا يغتر بمدحٍ، ولا يعبأ بذم من حاقدٍ أو حاسد.

حضرتُ له خطبة، ودرسا لم يزد علي عشر دقائق، ألمَّ خلاله بالموضوع إلماما مُعجِبًا، وحرص علي التكثيف، والتركيز دون غموض للمعني، وهو ما أبهرَ الحضور، وأنا منهم رغم أنه -لا يُعجبُني العَجب- .

إعجابي بأسلوب د. بكر ولغته، وإلمامه بعناصر الموضوع الذي يتناوله هو ما دفعني لأكتبَ هذا المقال لأشكره، حتي وإن أساءه ذلك، ولكني أقول - وَلَوْ - لأنني أستحضرُ بما أفعل قولَ نبينا : لا يشكر الله من لا يشكرُ الناس .