أول سيدة تحرر توكيلًا للتبرع بأعضائها بعد الوفاة لـ«النبأ»: تبرعي بأعضائي صدقة جارية
كشفت دينا رضا، أول سيدة مصرية توثق توكيلًا رسميًا للتبرع بأعضائها بعد الوفاة، عن تفاصيل رحلتها، والمشكلات التي واجهتها بداية من نشر فكرة التبرع بالأعضاء، والترويج لها، حتى عمل التوكيل، والتي تعد سابقة بالشهر العقاري، لم تكن معروفة في مصر من قبل.
وأشارت رضا، خلال حوار لـ "النبأ"، إلى أن فكرة التبرع بالأعضاء تحتاج إلى حملة قومية، لتغيير ثقافة المجتمع بشأنها، من خلال الاستعانة بمشايخ الأزهر، لنشر الوسطية، وتصحيح المفاهيم المتشددة والمتطرفة، وإلى تفاصيل الحوار:-
كيف بدأت فكرة التبرع بأعضائك بعد الوفاة؟
الفكرة جاءت إلي عندما كان عمري 15 عامًا، بعدما سمعت من خلال أقاربي الذين كانوا يعيشون في أمريكا، وحكوا لي عن زراعة الأعضاء، ونقلها من متوفى لآخر على قيد الحياة، وكيف أنها كانت تنقذ مرضى بحاجة إليها، وقتها انبهرت بتلك الفكرة، ووجدتها شيئا حضاريًا، وبعدها ظللت لفترة طويلة أسأل عن وجود منظومة من عدمها في مصر بشأن توثيق التبرع بالأعضاء، ولكن لم أجد، حتى رأيت فيديو تأثرت به، عن مدى أهمية التبرع بالأعضاء، وقررت أنني لو هضطر أن أسير بمفردي لعمل إجراءات لتوثيق التبرع سأفعلها حتى وجدت شخصا قد سبقني بهذه الفكرة وتواصلت معه.
ما هو الدافع الذي جعلك تقدمين على تنفيذها؟
هى صدقة جارية، لأنه "ما دام أنت كدا كدا هتسيب الحاجة دي وهتموت فلماذا لا تتركها لشخص يدعو لك! بدل ما الدود ما ياكلك على الفاضي، خاصة أن الأزهر ومجمع البحوث ودار الإفتاء، أفتوا وأجازوا ذلك.
ماذا كان رد فعل المحيطين بك على قرارك؟
أخوتي احترموا رغبتي ولكن المعظم كانوا يرون أنه من المستحيل إمكانية تنفيذها وتوثيقها، فكانوا يقولون لي: "أنت دخلتي في حتة صعبة"، وكان هناك أناس كثيرون كان في يدهم المساعدة ولكنهم لم يساعدوني، لأن البعض يخشى الحديث في هذا الموضوع باعتباره شبهة، خوفا من تجارة الأعضاء.
البعض يراها فكرة تحتاج إلى شجاعة.. هل فكرت في التراجع قبل المضي في الإجراءات؟
لا.. هناك أشياء نحتاج إلى التفكير فيها بالعقل وليس الإحساس، فبعد الموت لن يكون هناك شجاعة ولا خوف ولا قلق، حاليا هي مجرد ورقة أنا مضيت عليها، وما بقى سيحدث بعد الموت، فقد نتحدث عن الشجاعة عندما أقرر أن أعطى شخصا محتاجا حاليا وأنا على قيد الحياة، ولكن هى ستكون بعد الموت، لشخص قد يكون طفلا أو شخصا بحاجة لها لإنقاذ حياته، وسنكون سببا في أن نرحم الناس من وجعهم، فهل من المعقول أن نفضل الدود عن إفادة إنسان وإنقاذه!!
كيف ترين تعامل المجتمع مع ثقافة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة؟
نحن نعاني من إشكالية الوعي.. فهناك من يحاربون فكرة التبرع بالأعضاء ويتحدثون عن أن تكسير عظم الميت زي عظم الحي، وغيرها من الخزعبلات التي تناقض مبدأ الرحمة، رغم أننا متأخرون سنوات كثيرة عن غيرنا من البلدان الإسلامية، فنحن وأفغانستان فقط لا يوجد لدينا زراعة أعضاء، وحتى المحيطين لدي معظمهم قالوا جملة واحدة وهي "حرام عليكي دي أمانة عند ربنا لازم تحافظي وترجع زي ماهي"، فهذه كلها أفكار تعبر عن عدم تقبلهم لفكرة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة.
برأيك.. ما سبب عدم تقبل المجتمع لهذه الفكرة؟
هناك مشكلتان، الأولى تتعلق بالموروث الفرعوني الذي يعتقد في تحنيط الأشياء والخلود، والثاني متعلق بالفكر المتطرف، والثقافات المتشددة، التي لم تكن موجودة في مصر قبل 30 سنة، رغم أن فكرة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة غير مخالفة للديانات سواء الإسلامية أو المسيحية، فالسعودية استطاعت في 26 يوما من خلال حملة لها جمع 196 ألف متبرع ونحن هنا نواجه إشكالية فى وعي الناس بها.
كيف نغير تلك الثقافة من وجهة نظرك؟
هذه الإشكالية، هي صلب الأزمة، لذا فنحن بحاجة إلى شيئين لمحاربة الفكر المتطرف، أولهم الديني والذي يتوجب الاستعانة بشيوخ الأزهر التنويرين، الوسطيين دون تعصب أو تشدد، بالإضافة إلى إطلاق حملة قومية لتغيير ثقافة المجتمع بشأن التبرع بالأعضاء، ودعمها، تشارك فيها وسائل الإعلام، بمختلف أنواعها، وكذلك تسليط الضوء عليها في الأعمال الفنية، والسينما والدراما، بخلاف هذا نحن في حاجة أن يتخيل كل شخص أنه مكان الآخر، أو أن أحد أفراد عائلته في خطر بسبب حاجته إلى متبرع بعضو قد ينقذ حياته، ولا يجد، لأن معظمنا طبقة متوسطة أو أقل، ولا نستطيع جمع تكلفة العضو، فبسبب بنى آدم لم يفكر في أن يرحم الناس من بعده سيموت هذا الشخص المريض، ولو حدث لما وجدنا طفل أعمى بسبب حاجته للقرنية.
حدثيني عن رحلة توثيق التبرع بالأعضاء في الشهر العقاري؟
وثقت التبرع في 9 أكتوبر 2018، ولم يكن الأمر سهلًا، أنا اتعذبت لحد ما عملت التوكيل ده، فقد دخلت في مناوشات عديدة مع موظفي الشهر العقاري لرفضهم الأمر، كل ما حد ياخد الورق بتاع التوكيل يبص فيها وميرضاش يعمل التوكيل، ومدير أحد فروع الشهر العقاري رفض بدعوى أنهم فرع وليس المقر الرئيسي، روحت المحكمة وبعد حوالي 6 ساعات في نادي هليوبوليس، تحدثت مع مديرة المكتب وبالفعل وافقوا، ووثقته وطلبوا مني إرسال نسخة للجنة العليا لنقل وزراعة الأعضاء في مدينة نصر، وحاولت وبالفعل أرسلت لهم جواب بعلم الوصول.
هل كانت صيغة التبرع كانت تشمل أعضاء بعينها؟
لا.. لم تقتصر على أعضاء محددة، ولكنني قررت التبرع بكل الجسد، على الرغم أن الطبيعي يكون التبرع بـ 8 أعضاء أساسية، منهم البنكرياس والكلى والرئتين والقلب، ولكنني قررت أن "أي حاجة تنفع بني آدم تتاخد" ما دام أنها ستنقذ مريضا هو بحاجة لها.
ولكن البعض تحدث أن هذه الإجراءات تفتح الباب لفكرة تجارة الأعضاء؟
لا أخشى تلك الفكرة.. لأنه سيكون هناك نظام إلكتروني محكم وهو بالفعل تمت دراسته، ولكن لو افترضنا أنه لن يحدث، فهناك مبدأ أنا أطبقه في حياتي، قائم على قناعة أنني سأحاسب بمفردي وكذلك منعدمي الضمير، سيحاسبون، وفي النهاية ربنا سيجازينا على أعمالنا، فلما أضيع فرصة صدقة جارية قد تنقذ آلاف المرضى، بسبب فاسد !! ولماذا أرفض ولو احتمال بنسبة 90% بسب تجارة الأعضاء وأترك جسدي للدود.
كم وصل عدد المتبرعين بأعضاء بعد الوفاة؟
وصل عددنا لـ 16 شخصا، بعدما انضم شخصان، مؤخرًا، وحتى الآن نجد مشاكل في توثيق التبرع بالأعضاء، فلم يتم توزيع المنشور الخاص بفكرة توثيق التبرع بالأعضاء بعد الوفاة في الشهر العقاري، وأنا قمت بعمله أيام الرخص كان بـ30 جنيها، الآن قد يتكلف في حدود 80 أو 100 جنيه وهي ليست كبيرة، وعلى الرغم من وجود المعوقات والمشكلات فإنه تظل الإشكالية الكبرى هي الوعي والإجراءات.
هل هناك مطالب لديكم بشأن قانون التبرع بالأعضاء؟
نعم.. فأنا أطالب بعمل تعديل المادة الخاصة في القانون المتعلقة بتحديد سن المتبرعين، لتفتح الباب لأعمار أخرى، خاصة أن أكبر متبرع في العالم وصل سنه لـ95 سنة، وبالتالي فهناك أطباء قالوا إن صحيح أن السن الكبير ليس أحسن اختيار ولكن يبقى بديل له عن الموت، خاصة أن البعض يتحدث عن أن سنه لا يسمح بالتبرع بالقانون.
كيف قرأت إنشاء أكبر مركز إقليمي لزراعة الأعضاء؟
فرحت جدا.. وأنا أشكر الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ لأنه استجاب للنداء السابق الذي وجهته، وحقق لي حلم عمره 45 سنة.