الطب الشرعي يقلب الموازين ..
براهين تحول قضايا السقوط من علو لجرائم قتل
تكررت فى الآونة الأخيرة حوادث السقوط من علو، ومع كل حادثة من حوادث السقوط يتجدد الحديث عن وجود شبهة جنائية أو عدم وجود شبهة جنائية، ويعتبر البعض أن تلك الحوادث محاولة لإخفاء جريمة أخرى، إلا أنه دائما تكون اليد العليا للطب الشرعى فى تحديد نوع هذا السقوط، وترصد “النبأ” فى السطور التالية بعض حالات السقوط من علو حدثت في الأونة الأخيرة وتكشف الفرق بين السقوط الانتحارى والسقوط العرضى والإسقاط الجنائى.
سقوط صيدلى حلوان
حالة من الحزن سيطرت على أهالي حلوان عقب مصرع صيدلي سقط من شرفة منزله بالطابق الرابع بعد الضغوط التي تعرض لها من أسرة زوجته الأولى وأهلها الذين أجبروه على طلاق زوجته الثانية بعد أن اعتدوا عليه بدنيا.
قسم شرطة حلوان
تبلغ للعميد عمر الفاروق مصيلحى مأمور قسم شرطة حلوان بسقوط ولاء سعيد مصطفى 34 سنة من شرفة مسكن الزوجية بالطابق الرابع، ونقله إلى مستشفى النصر العمالى غير إنه توفى قبل وصوله للمستشفى، وعليه انتقل وكلاء النائب العام لإجراء المعاينة لمسرح الواقعة فتبين لهم أنها شقة تقع بالطابق الرابع من العقار رقم 5 شارع رايل بحلوان، بمواجهة السلم مكونة من ثلاث حجرات، ولم يتبين لهم أية أثار دماء أو إتلاف بتلك العين، علاوة على عدم وجود كاميرات مراقبة بمدخل العقار أو بمحيطه، وبالانتقال للمستشفى وإجراء المناظرة لجثمان المتوفي تبين أنه رجلًا في العقد الرابع من العمر يرتدى لكامل ملابسة الأفرنجية، وبمناظرة عموم جسده تبين وجود كدمات بالصدر من الناحية اليسرى من أعلى مع وجود تورم بالعينين بخلاف وجود كسر بعظم الرأس من الخلف بالناحية اليسرى، علاوة على وجود أثار لدماء تنزف من الفم والأنف.
رسالة نصية
وبسؤال طبيبة صيدلانية شقيقة المجنى عليه بمحضر جمع الاستدلالات، اشارت لوجود خلافات زوجية بين شقيقها المتوفى، وبين زوجته الأمر الذى دفع شقيقها للزواج من أخرى وأضافت بأنه بتاريخ الواقعة، أرسل إليها شقيقها رسالة نصية عبر حساب الواتساب تحوي إستغاثة من زوجته وأسرتها وأصدقاءهم، الذين اكرهوه على طلاق الزوجة الثانية، وانهم يحاولوا أن يركهوه على التوقيع ببعض الأوراق على بياض وقاموا بإخطار مأذون شرعى لإتمام ذلك الطلاق رسميًا، إلا أن الموت عاجله بفعلهم عن طريق القاءه من الطابق الرابع بعد الأرضى.
شرفة المنزل
وبسؤال أبن صيدلى حلوان الطفل البالغ من العمر 5 سنوات، قرر بإنه كان يتواجد رفقة والده وإنه فى العاشرة صباح يوم الواقعة حضر جده لأمه وخاليه، ثم حضر اصدقاء خاليه تباعًا، واستطرد إلي قيام والدته بطلب بعض المأكولات من إحدى محال الأطعمة، وبوصولهما لم يشارك والده وخاليه الباقين فى تناول تلك الأطعمة، ثم اضاف إلى ان والده قد سقط من شرفة المنزل وتوفي علي أثر سقوطه، واتهم أحد المتواجدين بإسقاط والده.
رئيس المباحث
توصلت تحريات المقدم محمد المعداوى رئيس المباحث أن المتوفى كانت توجد فيما بينه وبين زوجته خلافات، وحدثت مشادات بينه وبين أسرة الزوجة وتعرض المجنى عليه لكمية من الضغوط النفسية والعصبية، وإجباره من قبل المتهمين علي تطليق زوجته الجديدة واتهامه بالسرقة من قبل زوجته رماء قام على إثرها المجنى عليه بالقاء نفسه من شرفة المسكن.
تقرير الطب الشرعى
انتهى تقرير الطب الشرعى لعدم وجود آثار تدل على وجود عنف جنائى، وأن سقوط صيدلى حلوان سقوط عرضى أو انتحارى وليس إسقاطا جنائية.
سقوط قهوجى المعصرة
وفى نفس السياق شهدت منطقة المعصرة سقوط سائق توك توك من شرفة أحد العقارات، ونقل إلى المستشفى غير أنه توفى قبل وصوله إليه.
وحدة مباحث المعصرة
كشفت تحريات النقيب حسام وحدة ضابط وحدة مباحث قسم شرطة المعصرة عن وجود خلافات بين المجنى عليه والمتهمين، قاموا على إثرها بأستدراجه، ثم قاموا بتكبيله والتعدى عليه ثم سقوطه من شرفة الشقة محل الواقعة مما تسبب فى وفاته، وبأعداد الأكمنة اللازمة تم ضبط المتهمين التسعة، وجارى عرضهم على النيابة العامة.
قسم شرطة بدر
كشف رجال مباحث قسم شرطة بدر، سر سقوط شاب من اعلى عقار بدائرة القسم، حيث تمكن ضباط وحدة مباحث قسم شرطة بدر من خلال الانتقال والفحص فى تحديد شخص المتوفى، وتبين أنه فى العقد الثالث من العمر قهوجى مستأجر مقهى فى العقار محل السقوط، وتوصلت التحريات أيضًا أن هناك شبهة جنائية.
مصلحة الطب الشرعى
فى هذا السياق تقول الدكتورة بانسية مقلد الطبيبة الشرعية بمصلحة الطب الشرعى، إن السقوط من علو ينقسم لعدة أقسام الأول منه هو السقوط الانتحارى والثانى السقوط العرضى والثالث الإسقاط الجنائى، ويكون السقوط العرضى والإسقاط الانتحارى متشابهين من حيث عدم وجود شبهة جنائية فى أحداثهما أو تدخل أحد من الغير لتحقيق الوفاة، ويكون المعيار الشرعى فى تحديد السقوط الانتحارى أو العرضى من خلال سلبية العينات الحشوية من ثمة مواد مخدرة أو منومات أو مهدئات أو لعدم وجود ثمة أثار إصابية ذات نمط يشير إلى تجاذب أو جذب أو دفع أو الإصابات السحجية الظفرية المؤكدة لوجود شد وتجاذب، ولا يمكن حصر دلائل الاسقاط الجنائى ولكن أبرزها وجود تقطعات بالملابس ووجود بصمة وراثية مغايرة بقليمات الاظافر أو وجود مهدئات أو مخدرات أو منومات أو ما يشير إلى وجود تكبيل بواسطة أداة أو إصابات تدل على عملية الإسقاط.
عملية التشريح
وتشير “مقلد”، إلى أن عملية التشريح تنقسم إلى ثلاثة مراحل المرحلة الأولى الكشف الطبى الشرعى الظاهرى، والثانية الصفة التشريحية، وأخيرًا بند الرأى الذى يعتمد على ما أسفر عنه البندين السابقين، حيث يتم أخراج الجثمان والتأكد من كارت البيانات المثبت به رقم القضية وبيانات المتوفى، ويتبع ذلك إجراء الصفة التشريحية المعمول به فى مصلحة الطب الشرعى من تشريح للرأس والوجه والعنق والصدر والبطن والحوض والأطراف.
السقوط الانتحارى والسقوط العرضى
وتضيف مقلد أن وضع الجثمان على الأرض لا يشير لكيفية السقوط أو الاسقاط نظرًا لوجود عوامل كثيرة منها وزن رأس الجثمان ككل ووضعه أثناء السقوط وزاويته أثناء السقوط عملا بنظرية السقوط الحر الفيزيائية، إلى جانب أن معيار التفرقة بين السقوط الانتحارى والسقوط العرضى يعود للحالة النفسية التى كان عليها المتوفى قبل السقوط، والمختص فى ذلك الطب النفسى، والذى يشترط فيه أن تكون الحالة على قيد الحياة لمناقشتها.
مدير مستشفى حلوان
بينما يقول الدكتور حاتم المرسى مدير مستشفى حلوان العام، إن ظاهرة السقوط من علو ليست ظاهرة مصرية أنما هى ظاهرة عالمية، وتعد حوادث السقوط واحدة من أبرز مشاكل الصحة العامة في العالم، ويقع أكثر من 600 ألف حادثة سقوط مميتة كل عام على مستوى العالم، مما يجعلها السبب الثاني للوفاة بعد حالات الوفاة بجروح ناجمة عن حوادث الطرق، وتترتب عن الجروح المرتبطة بحوادث السقوط تكاليف مالية باهظة، ويؤثر عمر الفرد وجنسه وحالته الصحية على نوع الإصابات ومدى خطورتها.
سقوط الأطفال
ويشير المرسى، إلى أن هناك أنواع أخرى للسقوط الذى يتسبب فى الوفاة، ومنه السقوط الفضولى، وهو السقوط الذى يتعرض له الأطفال والمراهقين، أذ تقع معظم حوادث سقوط الأطفال في مراحل تطور نموهم بسبب غريزة الفضول لديهم للتعرف على البيئة المحيطة من خلال شرفات منازلهم، أما المراهقين فيكون سقوطهم الفضولى بسبب رغبتهم المتزايدة في إثبات استقلاليتهم وما تنطوي عليه من سلوكيات أكثر مجازفة عادة بـ "الإقدام على المخاطر"، ويوجد أيضًا السقوط المرضى الذى ينتج عن الأمراض الطبية الكامنة مثل الأمراض العصبية، وأمراض القلب، وغيرها من الأمراض المسببة في الإعاقة، إلى جانب ضعف القدرة على الحركة والإدراك والرؤية والتى ينتج عنها اختلال التوازن والسقوط الغير مدرك.
الشبهة الجنائية
ويقول محمد المحلاوى المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة، إن نتيجة الطب الشرعى فى حالات السقوط مجرد رأي استشارى يمكن أن تأخذ به جهات التحقيق أو تجنبه، ويؤكد أنه ليس كل إسقاط جنائى لا بد أن يكون له دلائل على جسد المتوفى أو ملابسه، ولكن يمكن أن تستنتج الشبهة الجنائية من خلال البيئة المحيطة لمكان السقوط، كوجود كرسى بجوار شرفة السقوط تعنى أن المتوفى استخدمه فى الصعود عليه، وعدم وجود سحجات ظفرية أو تقطيع فى الملابس لايعنى أن السقوط عرضى لأنه قد يكون تم بالتعامل معه دون لمسه ودون جذب أو شد، وعدم وجود آثار تكبيل بواسطة أداة لا يعنى أيضًا أنه لا يوجد شبهة جنائية لأن التكبيل قد يكون بالأيدي دون إستخدام أدوات.
الطب النفسى
ويقول الدكتور جمال فرويز استشارى الطب النفسى، إن هناك حالات مرضية تكون سبب فى الاسقاط من علو، مثل مريض الاكتئاب الوجدانى الذى يلقى بنفسه أو يلقى بشخص عزيز لديه ليخلصه من متاعب الحياة التى يعانى منها، أو أنه يرى أن هذا الشخص سيذهب للجنة إذا قام بإسقاطه من علو وتسبب فى وفاته، وهؤلاء المرضى يظهر عليهم علامات قبل الوفاة، حيث يكونون قليلى الحديث مع الآخرين، ورغبتهم فى الحياة شبه معدومة، ويتحركون بصعوبة، وعندما يتحدثون يظهر عليهم علامات اليأس، ويكون لديهم اضطرابات في النوم لإنه في هذه الحالة يكون النوم زائد عن الحد أو منعدم، والنوع الثاني مرضى الوسواس القهرى الذين لا يتناولون أى أدوية ولا يترددون على طبيب نفسى وينتج عن ذلك أنهم يصابون بمرض الرمادية، وتسيطر عليهم فكرة إلقاء شخص موجود معه فى مكان عالى، ويشعرون بأنهم إذا لم يفعلون ذلك سيموتون، وذلك نتيجة لزيادة معدل الادرينالين والإصابة بالصداع وسرعة نبضات القلب وظهور رعشة، وقد يكون المجنى عليه ليس له علاقة أو معرفة به.
وتابع: “أما المصاب بمرض الفصام الذى لديه هلاوس سمعية ولا يتعاطى أدوية للعلاج، تعطى هذه الهلاوس له أوامر بإسقاط شخص من علو، ثم يعود لحالته الطبيعية ولا يتذكر ما حدث، ومريض الهوس الذى يلقى شخص من علو وهو فى حالة هياج وغير مسيطر على نفسه ول ايكون قاصدًا لشخص بعينه، وهناك نوبات الصرع التى تنتاب شخص على مدار يوم بأكمله فيتسبب فى سقوط شخص من علو، ومريض الفرط الحركى يسقط شخص من علو فى لحظة ثم يشعر بالندم على فعلته”.