اللواء رأفت الشرقاوي يكتب: غسل الأموال وتأثيره على الاقتصاد
غسل الأموال سلوك ينطوي على اكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو إيداعها أو ضمانها أو استثمارها أو نقلها أو تحويلها أو التلاعب فى قيمتها إذا كانت متحصلة من جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المادة الثانية من القانون، مع العلم بذلك متى كان القصد من هذا السلوك سواء إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق أو تغير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال.
مكافحة جرائم غسل الأموال
ويستوجب علينا لمكافحة غسل الاموال فهم مراحل سيرها إذ تبدأ باستثمار وإدخال الأموال المتحصلة من الجرائم والأعمال غير القانونية إلى النظام المالى، ثم يحاول المجرمون إخفاء علاقة الأموال بمصادرها غير المشروعة بواسطة القيام بسلسة من العمليات المعقدة بهدف إخفاء المصدر الأصلى للأموال وفى نهاية الأمر يتم دمج الأموال المغسولة فى الاقتصاد بطريقة يصعب التميز بين الأموال المغسولة وبين الأموال المشروعة، بحيث يتم صرف نظر الجهات والسلطات المالية المعنية.
وقد سن المشرع المصرى قانونًا في شأن غسل الأموال يحمل رقم ٨٠ لسنة ٢٠٠٢، والمعدل بالقانون رقم ٧٨ لسنة ٢٠٠٣، ورقم ١٥٤ لسنة ٢٠٢٢، لمواجهة كل أشكال جرأئم غسل ووقف تدوير الأموال الناتجة عن أعمال مشبوهة أو جرائم مالية، إذن فعمليات غسل الأموال لها تأثير شديد السلبية على الاقتصاد بالإضافة إلى تصنيف دولة ما بأنها عالية المخاطر، فيما يخص غسل الأموال، فضلًا عن تأثيراته الطائلة على سمعت الدولة، ومكانتها الدولية، إضافة إلى الحد من وصولها إلى النظام العالمى، ووقف المعاملات المالية وسوء سمعة الاقتصاد، وبالتالي انخفاض تنافسية الأسواق وتراجع التجارة والتصدير وانخفاض الاستثمار الأجنبى وانسحاب الشركات والمؤسسات المالية العالمية من السوق وزيادة العبئ على الافراد والمؤسسات فى التعاملات المالية والتجارية والاستثمارية مع الخارج.
وقد يؤدى ذلك إلى العقبات والازمات المالية والاقتصادية وهذا ما اتخذته الدولة المصرية من خلال إصدار عدة قوانين لمكافحة غسل الأموال بدأت بالقانون رقم ٨٠ لسنة ٢٠٠٢ والمعدل بالقانون رقم ٧٨ لسنة ٢٠٠٣، ورقم ١٥٤ لسنة ٢٠٢٢، وقد عرف القانون هذه الأموال بأنها العمله الوطنية والعملات الأجنبية والأوراق المالية والأوراق التجارية وكل ذى قيمة من عقار أو منقول مادى أو معنوى وجميع الحقوق المتعلقة بأى منها والصكوك والمحررات المثبته لكل ما تقدم.
حدد القانون أنه لا يجوز فتح حسابات أو ربط ودائع أو قبول أموال أو ودائع مجهولة أو بأسماء صورية أو وهمية، وأيضًا المبالغ المسموح بها للمسافر أو العائد إلى البلاد يجب ألا تتجاوز عشرة آلاف دولار أو ما يعادلها، ويحظر الإفصاح للعميل أو المستفيد أى إجراء يتم اتخاذه فى هذا الشأن (غسل الأموال)، وفى حالة ارتكاب الجريمة بواسطة شخص اعتبارى تتخذ الإجراءات ضد الشخص المسئول عن الإدارة الفعلية، وفى حالة تعدد الجناة إذا أفصح أحدهم قبل ارتكاب الجريمة وساعد ذلك فى ضبط باقى الجناه والأموال يعفى من العقوبة المقررة وهى السجن والغرامة، ويكون للجهات القضائية حق تتبع أو تجميد الأموال موضوع غسل الأموال.
كما أن هناك تعريف آخر للأموال بأنه جميع الأصول المادية والافتراضية والموارد الاقتصادية ومنها النفط والموارد الطبيعية الأخرى والممتلكات والعملات الوطنية والأجنبية والأوراق المالية والتجارية أيًا كان قيمتها أو نوعها أو وسيلة الحصول عليها سواء كانت مادية أو معنوية منقولة أو ثابتة والوثائق والأدوات القانونية والمستندات والصكوك والمحررات المثبته لكل ما تقدم أيا كان شكلها بما فى ذلك الشكل الرقمى أو الإلكتروني وجميع الحقوق المتعلقة بأي منها بما فى ذلك الائتمان المصرفي والشيكات السياحية والمصرفية والاعتمادات المستندية أو أى عوائد أو أرباح أو مصادر دخل أخرى ترتبت أو تولدت من هذه الأموال أو الأصول أو أى أصول أخرى أعدت لاستخدامها للحصول على تمويل أو منتجات أو خدمات كما تشمل الأصول الافتراضية التى لها قيمه رقمية يمكن تداولها أو نقلها أو تحويلها رقميا ويمكن استخدامها كأداة للدفع أو الاستثمار.
يشار إلى أن غسل الأموال نوعين الأول: هو متحصلات عمل غير مشروع وإعادة تدويرها فى عمل مشروع لإضفاء الشرعية عليها، أما النوع الثانى: فهو مال من مصدر مشروع وتنفق فى مصدر غير مشروع مثل تمويل الإرهاب وشراء أسلحة وذخائر ومفرقعات أو شراء من دول عليها حظر مثل إيران، ولدينا وحدة غسل أموال ومكافحة الإرهاب تتبع البنك المركزى المصرى.
أما العقوبة فإن المشرع المصري لم يترك جريمة دون عقاب، فيعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سبع سنوات وغرامة تعادل مثلى الأموال محل الجريمة كل من ارتكب أو شرع فى ارتكاب جريمة غسل الأموال المنصوص عليها فى المادة الثانية من هذا القانون، ويحكم فى جميع الأحوال بمصادرة الأموال المضبوطة أو بغرامة إضافية تعادل قيمتها فى حالة تعذر ضبطها أو فى حالة التصرف فيها إلى الغير حسن النية.
فالجرائم المندرجة تحت جريمة غسل الأموال عدة منها: (جرائم المخدرات سواء زراعة أو جلب أو تصنيع أو تصدير أو اتجار أو تهيئة مكان لتعاطى المخدرات بمقابل، وجرائم اختطاف وسائل النقل واحتجاز الأشخاص، وجرائم الإرهاب وتمويله، وجرائم الأسلحة والذخائر والمفرقعات سواء استيراد أو اتجار أو تصنيع دون ترخيص، وسرقة الأموال واغتصابها، والفجور والدعارة، وجرائم الآثار، والجرائم البيئية المتعلقة بالنفايات والمواد الخطرة، والجرائم المنظمة التى يشار إليها فى الاتفاقات الدولية التى تكون مصر طرفًا فيها)، وذلك كله سواء وقعت جريمة غسل الأموال أو الجرائم المذكورة سواء فى الداخل أو الخارج بشرط أن تكون تلك الجرائم معاقب عليها فى البلدين.
ويضاف إلى هذه القائمة المذكورة جرائم النصب، وخيانة الأمانة، والغش والتدليس، والرشوة، واختلاس المال العام والعدوان علية والغدر، وجرائم المسكوكات والزيوف المزورة، والجنايات والجنح الماسة بأمن الدولة من الخارج أو الداخل، وجريمة إخفاء الأشياء المسروقة أو المتحصلة من جناية أو جنحة، وجرائم القتل والجرح، وجرائم التهرب الجمركي، وجرائم التعامل فى النقد الأجنبى بالمخالفة للقواعد المقررة قانونا، وجرائم الكسب غير المشروع، ومن ثبت ضدهم قضايا فساد مالى، وجرائم الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية.
يحكم بمصادرة الأموال أو الأصول المضبوطة الناتجة عن جريمة غسل الاموال أو الجريمة الأصلية عند مخالفة حكم المادة الثانية من هذا القانون وتشمل مل يأتى:
١- الاموال أو الأصول المغسولة.
٢ - المتحصلات بما فى ذلك الدخل أو المنافع الأخرى المتأتية من هذه المتحصلات فإذا اختلطت المتحصلات بأموال اكتسبت من مصادر مشروعة فيصادر منها ما يعادل القيمة المقدرة لها أو الوسائط المستخدمة أو التى أعدت لاستخدامها فى جرائم غسل الأموال أو الجرائم الأصلية، ويحكم بغرامة إضافية تعادل قيمة الأموال أو الأصول فى حالة تعذر ضبطها أو فى حالة التصرف فيها إلى الغير حسن النية.
ويعد مرتكبًا لجريمة غسل الأموال؛ كل شخص يعلم بأن الأموال متحصلات جريمة أصلية سواء ارتكبت أم لا، وأيضًا حال ارتكاب الافعال الآتية: (تحويل الأموال - إخفاء أو تمويه طبيعة الأموال - اكتساب الأموال أو استخدامها أو إدارتها أو استثمارها أو حيازتها أو الشروع فى تلك الأعمال أو يساعد أو يحرض أو يسهل أو يخفى أو تدخل فى ارتكابها.
كما إنه يعد مرتكبًا لجريمة تمويل إرهاب؛ كل من جمع الأموال لارتكاب عمل إرهابى أو من قبل شخص إرهابى أو منظمة إرهابية أو ساهم أو دعم، أو تسفير الأشخاص لارتكاب عمل غرهابى أو التوجيه بارتكبها أو الشروع فيها سواء تم العمل الإرهابى أو لم يتم، وقد تم انشاء اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
من أخطر أنواع غسل الأموال على الاقتصاد: التهرب الضريبى، السطو والسرقة، تجارة الممنوعات، الفساد والرشوة، النصب والاحتيال، ويجب اتخاذ الإجراءات الآتية لمكافحة جرائم غسل الأموال: (مراقبة الأنظمة المشبوهة، وتوحيد الأنظمة المالية، وإنشاء شبكة منتظمة.
وتؤثر جرائم غسل الأموال على اقتصاد الدولة في انخفاض معدل الدخل القومي، وانخفاض معدل الإدخار والاستثمار، وارتفاع معدل التضخم، وتدهور قيمة العملة الوطنية، وعجز ميزان المدفوعات ونقص احتياطات الدولة من العملة الأجنبية لدى البنك المركزى.
وفي النهاية؛ لا بد أن نثمن جهود الدولة المصرية فى مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فقد مرت عليها أزمات ومحن بداية من عام ٢٠١١، كانت كفيلة بالقضاء عليها لولا شعبها وقائدها وجيشها ورجال أمنها وكافة المخلصين من أبناء هذا الوطن من الذين وقفوا حائط صد ضد الجماعة المارقة الضالة والمضلة التى كانت ترغب فى تحويل الدولة المصرية العريقة إلى دولة يتصارع فيها الأشقاء وانتهجوا نهج التفرقة بين كافة طوائف الشعب على أساس الدين والعرق دون مراعاة الدولة الوسطية التى كانت ومازالت وستستمر بأذن الله تعالى على قلب رجل واحد تحت راية علم مصر الخفاق.
وختامًا.. حفظ الله مصر وشعبها وقائدها وجيشها ورجال أمنها وكافة المخلصين من أبناء هذا الوطن.