«رسالة الإمام» و«سره الباتع» يثيران الجدل.. 3 أسباب خطيرة وراء تدني مستوى الأعمال التاريخية
قبل بدء السباق الرمضاني، وبمجرد كشف ملامح مسلسلي «سره الباتع» و«سره الإمام»، أعرب الكثيرون عن سعادتهم وآمالهم في أن يحققا نجاحًا كبيرًا، وأن يعيدا الدراما التاريخية إلى مكانها الصحيح، بعد غيابها لفترة طويلة عن الجمهور.
وبعد مرور نحو أسبوعين على عرض المسلسلين، شهدت الساحة الفنية حالة واسعة من الجدل حولهما، وانقسم المشاهدون إلى فريقين؛ الأول، معجب بالعملين بشكل كبير، ويراهما عودة قوية لهذه النوعية من الأعمال، والثاني، يراهما دون المستوى، مستشهدًا بعدد من السقطات والأخطاء التي جاءت بهما.
النصيب الأكبر من هذا الجدل، كان من نصيب مسلسل «رسالة الإمام»، الذي يتناول السنوات الأخيرة للإمام محمد بن إدريس الشافعي، التي قضاها في مصر، إذ انتقد البعض تقديمه معلومات مغلوطة عن «الشافعي»، فضلًا عن الاتهامات بحرمانية تجسيد شخصيته، وشخصية «السيدة نفيسة»، حفيدة النبي محمد «صلى الله عليه وسلم»، التي قدمت دورها الفنانة الفلسطينية فرح بسيسو.
كما نالت اللهجة بالمسلسل قسطًا من هذا الهجوم اللاذع، وجاءت مزيجًا من العامية والفصحى، وهو ما قال الكثيرون عنه، إنه ليس دقيقًا، ولا يتناسب مع مسلسل تدور أحداثه في العصر العباسي.
ليس ذلك فحسب، لكن اتهم الشاعر السوري حذيفة العرجي، صناع المسلسل، بسرقة أبيات شعرية خاصة به، ونسبها إلى الإمام الشافعي، وهدد بأنه سيتخذ الإجراءات القانونية حيال صناع العمل، للحفاظ على حقوقه الملكية.
الأمر الذي يأتي أقرب إلى «الكوميديا السوداء»، هو أن تتر المسلسل ملىء بأسماء المراجع التي تم الاعتماد عليها، للوصول إلى الحقائق وعرضها بشكل دقيق، إلا أن الحلقات أثبتت عكس ذلك تمامًا.
صناع المسلسل، الذي يجمع نخبة من نجوم الفن المصري والعربي، ويشرف على السيناريو الخاص به محمد هشام عبية، ويخرجه الليث حجو، يرون أن الانتقادات التي توجه إليهم، ليست سوى حملات هجومية ممهنجة، ترغب في التضليل والهجوم، حتى أنهم امتنعوا عن الرد على هذه التعليقات على عملهم.
من ناحيته، قال أستاذ تاريخ حديث بكلية الآداب جامعة القاهرة، رفض ذكر اسمه، إن اللهجة في زمن الإمام الشافعي، كانت إما الفصحى أو اللاتينية، وإن اللهجة العامية لم تكن موجودة، وإنها لم تظهر إلا بعد سنوات طويلة من الفتح الإسلامي لمصر.
وتابع، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن مسلسل «رسالة الإمام» حافل بالأخطاء، أبرزها؛ مشهد بين «الإمام الشافعي» والخليفة المأمون العباسي، في قصر الأخير، موضحًا أن الإمام الشافعي توفي قبل أن يقابل «المأمون» من الأساس، ومشهد آخر لجأ فيه «الشافعي» لراهب مسيحي لعلاج زوجته، مؤكدًا أن الإمام كان لديه خبرة وثقافة واسعة في مجال الطب، وأنه من غير المنطقي، أن يكون قام بهذا الفعل، مشيرًا إلى أن ذلك، لم يرد في أي كتب أو تراجم.
وأضاف أن الفنان خالد النبوي ظهر، خلال المسلسل، بملابس بألوان «هادئة» كالأبيض و«البيج»، وأن ذلك غير حقيقي، بالإضافة إلى حمله حقائب وإكسسوارات، لا تتماشى مع واقع فترة وجود «الشافعي» بمصر.
في سياق متصل، قال الشيخ أحمد الأزهري، إنه لا يوجد مانع ديني من تجسيد شخصيات الأئمة الأربعة على شاشات التلفزيون، وأنه لا يوجد، أيضًا، خلاف بين دار الإفتاء أو علماء الأزهر الشريف، حول الأمر، مشيرًا إلى أن ظهور السيدة نفيسة في عمل فني، يجعل الشباب وصغار السن، يرونها قدوة حسنة، ويتعلمون أخلاقها وصفاتها في حياتهم.
أما مسلسل «سره الباتع»، المأخوذ عن رواية للكاتب يوسف إدريس، وقدمه المخرج خالد يوسف، فـلم يختلف الحال كثيرًا، إذ أثيرت حوله مجموعة ليست قليلة من المشكلات، وضم أخطاء بالجُملة، فضلًا عن أزمة الموسيقى التصويرية الخاصة به، والذي كشف الموسيقار راجح داوود، أن «يوسف» لم يستخدم الموسيقى التي حضرها، وأنه استعان بموسيقى فيلمه «الريس عمر حرب»، معلنًا أنه غير مسؤول عنها، وأنه ليس له أي علاقة بها، وأنه يرى أن تنسب إليه موسيقى، ليست ملكه، ليس سوى جريمة.
ومن أبرز أخطاء بالمسلسل؛ ظهور أحد الأشخاص من المماليك بـ«كوتشي» رياضي في عصر الحملة الفرنسية على مصر، وظهور الفنان أحمد السعدني، بـ«تيشرت» قطن، أسفل ملابسه، على الرغم من أن مصر لم تعرف زراعة القطن، إلا بعد زراعته في عهد محمد علي، أي بعد سنوات طويلة من وقت أحداث المسلسل.
وظهر الفنان أحمد عبد العزيز والفنان خالد الصاوي، في أحد مشاهد الحلقات الأولى من المسلسل، وهما يركبان «كارتة»، ويتنقلان بها في القرية، في حين أن مصر لم تعرف العربات التي تجرها الخيول، إلا بعد دخول نابليون بونابرت إلى مصر، بجانب ظهور الجنود الفرنسيين، وهم يتحدثون باللغة العامية.
كما قال عدد من متابعي «السوشيال ميديا»، إن المسلسل سيطر عليه الأداء الباهت، وأن الاعتماد على الفنان كريم فهمي، ليجسد دور شقيقه أحمد فهمي، نظرًا للشبه بينهما، فكرة قديمة، خالية من أي ابتكار.
وعلق الناقد طارق الشناوي على تراجع مستوى الأعمال التاريخية، بشكل عام، مشيرًا إلى أن مثل هذه المسلسلات تحتاج إلى ميزانية ضخمة ووقتًا طويلًا، وأنها تتطلب درجة عالية من التحري والتدقيق، وأن كل ذلك يجعلها صعبة في تنفيذها.
وأضاف أن شركات الإنتاج لا تدرك أهمية المدققين، لصناعة وتقديم مسلسل يحترم عقول الجمهور، وأن الاستسهال والاستعجال في التحضير، وراء كل الهجوم الذي تعرض له المسلسلين «سره الباتع» و«رسالة الإمام».
وأكد أن هذه الشركات أصبحت لا تحب إلا الأعمال الاجتماعية، لأنها تحقق مشاهدات عالية ولا تحتاج تكاليف باهظة ومضمونة النجاح بشكل كبير، ساخرًا من أنهم عندما فكروا في تقديم مسلسل عن الإمام الشافعي، اختاروا له مخرجًا سوريًا.
ونوه «الشناوي» ان معالجة مسلسل «سره الباتع»، أضعفت الرواية الأصلية، وأنها لم تضيف إليها أي جديد، وأن السيناريو جاء ساذجًا، وبه الكثير من التفاصيل غير المتقنة.