يسرى الشرقاوى لـ«النبأ»: المواطن يتحمل فاتورة قاسية للإصلاح الاقتصادى.. وأدعو المصريين لعدم الإسراف فى الأفراح والمصايف.. (حوار)
قال الدكتور يسري الشرقاوي، مستشار الاستثمار الدولي ورئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، إن مصر بحاجة إلى أن تكون مليئة بالرخصة الذهبية لإنها «باكورة» وبشائر مميزة للقضاء على البيروقراطية والروتين وتسريع الإجراءات، وخاصة لكبار المستثمرين والتى ستنتقل إلى فئات أخرى من التراخيص.
وأضاف لـ«النبأ»، أن الأزمات الاقتصادية الحالية، فرضت حالة جديدة على المجتمع تستدعى الاستيقاظ والتخلي عن بعض الأساليب والأنماط الاستهلاكية، والسير في اتجاهات أسواق القطيع، مع ضرورة تحكيم العقل بالإضافة إلى مضاعفة الثقة في القيادة السياسية ودعم الدولة للعبور من النفق المظلم، وإلى نص الحوار..
في البداية.. حدثني عن رؤيتك للاستثمار في مصر؟
هناك تحديات اقتصادية تواجه العالم؛ نتيجة للأحداث المتلاحقة من زيادة الدين العام عن الناتج المحلي الإجمالي العالمي ومن أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والتي أثرت على حجم التجارة الدولية والاقتصاد والاستثمار وحركة الاستثمار البيني حول العالم، وكانت مصر من بين الدول التى تأثرت بشكل كبير في حجم جلب الاستثمار الأجنبي المباشر، بالإضافة إلى مجموعة من العوامل الإدارية الأخرى منها عدم استكمال الهيكلة الإدارية والرقمنة والشمول المالي والهيكلة الكاملة، بجانب وجود بعض المعوقات في مناخ الاستثمار، مما أدى إلى ضعف تواجد الاستثمار بشقيه المباشر وغير المباشر.
ولكن المرحلة الحالية تشهد حالة من الرواج وخاصة بعد عقد أول اجتماعات المجلس الأعلى للاستثمار بتشكيله الجديد برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي انتهى بصدور أكثر من 22 قرارًا بشأن مختلف القطاعات والمجالات الاقتصادية، والتى تسهم في خفض تكلفة وخدمات وتسهيل تأسيس الشركات، والحد من القيود المفروضة والعراقيل البيروقراطية على التأسيس، ومدة الحصول عليها، وكذا تسهيل توفير الأراضي الصناعية، والتوسع في إصدار الرخصة الذهبية، وتعزيز الحوكمة والشفافية والحياد التنافسي في السوق المصرية، وتسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج من خلال منظومة متكاملة، وتخفيف الأعباء المالية والضريبية والازدواج الضريبي على المستثمرين، بالإضافة إلى تحفيز جديد لزيادة الاستثمار المحلي والأجنبي، وتوسيع اختصاص المحاكم الاقتصادية وسرعة الفض في المنازعات الاقتصادية، إضافة إلى تقديم حزمة متكاملة للمشروعات الصناعية والزراعية، وخلق تنافسية إيجابية لصالح الاستثمار في مصر، ومعظم الحوافز والتسهيلات في القطاع الإنتاجي للتصدير من القطاعين الزراعي، والصناعي، والطاقة فيما يخص إنتاج الهيدروجين الأخضر، وقطاع الإسكان وما يخص المطورين العقاريين والمشروعات الاستثمارية بالمدن الجديدة، وكذا قطاع النقل فيما يتعلق بالرسوم الإدارية وخصوصًا الواردات والصادرات والجمارك، وتوحيد استراتيجية التسعير.
كيف تساهم هذه القرارات على أرض الواقع؟
القرارات تدل على أن هناك توجها جيدا جدًا وجدية تؤكد وتشير إلى الاهتمام بمناخ الاستثمار، والقوانين والتشريعات الاستثمارية، بالإضافة إلى العمل على حل مشكلات المستثمر سواء كان محليا أو أجنبيا، وتحديدًا القضاء على التداخلات الإدارية السلبية فيما يتعلق بتعدد جهات الولاية وإنهاء البيروقراطية على الأراضي الصناعية والحوافز الاستثمارية والازدوجات الضريبية، وتسليط الضوء للقضاء على هذه الأزمات ستسهم في تحسين مناخ الاستثمار والذي سوف ينعكس بشكل جيد على جلب استثمارات جديدة ونمو الاقتصاد وزيادة الناتج المحلي الإجمالي المصري قريبًا، الأمر الذي من شأنه تحسين مؤشرات الأداء الاقتصادي المصري سواء في عجز الموازنة ومعدلات البطالة أو تقليل الضغط الشديد على أنماط الحياة المعيشية للأفراد.
وماذا عن الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة؟
دائمًا عندما تقع اضطرابات وحروب ونزاعات وأزمات بين الدول يحدث العديد من الضغوط على الاقتصاديات الناشئة، ومع ارتفاع سعر الفائدة الأمريكية بحجة السيطرة على التضخم الأمريكي والذي أثر بشكل كبير على إحداث مشاكل اقتصادية في بلادنا وارتفاع التضخم، وسحب الاستثمارات غير المباشرة من مصر إلى البلاد التى تقدم أعلى سعر للفائدة مثل أمريكا وهو ما أدى إلى انخفاض الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة أيضًا وهو الأمر الذي يحتاج إلى مرونة وتعديلات وإجراءات في سياسات التشديد النقدي لمواجهة هذه التحديات.
الفترة الماضية شهدت تكهنات حول تعويم جديد للجنيه المصري وارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي إلى 40 جنيهًا.. كيف أثر ذلك على الاستثمار؟
إحدى أهم السلبيات التي تواجه صناديق الاستثمار وقرارات حركة دخول الاستثمارات في أي دولة هي مراجعة ثبات سعر الصرف، وعلى سبيل المثال: «أنا كمستثمر معايا مليون دولار، في حالة تحويلهم من السوق الموازي يصبحوا 40 مليون جنيه، ولكن في حالة قرار استثمارهم في مصر يجب تحويلهم من البنك وبهذا يصبح المبلغ 30 مليون جنيه وهو ما يعني خسارة ما يقرب من 10 مليون جنيه قبل بدء الاستثمار»، لذلك فوجود سعرين للعملة يؤثر سلبا على القرار وفتح شهية الاستثمار الأجنبي وتأمين دخوله لأي دولة، بالإضافة إلى أنه بسبب سعر الدولار في السوق الموازي، فإن المستثمر العقاري يخسر أيضًا وعلى سبيل المثال: «المستثمر الذي يشتري وحدات بمليون دولار وهو ما يعادل 30 مليون جنيه، ومع الأحداث الأخيرة وارتفاع أسعار العقارات أرباحه زادت إلى 5 ملايين جنيه أي بإجمالي 35 مليون جنيه، ولكن في حالة تحويل أرباحه إلى الدولار بسعر 40 جنيهًا بما يعادل 800 ألف دولار وبالتالي سيسبب له خسارة أيضًا ولذلك فإن عمليات المتاجرة بالدولار تحرم الاستثمار الأجنبي من التوجه لمصر والعمل في مصر مما يؤثر على الحياة الاقتصادية.
إذًا ما الحل؟
يجب العمل على ضبط السياسات النقدية بأنظمة جيدة في المستقبل، تقوم على تحسين المستوى والكفاءة الاقتصادية والعمل على علاج المرض الاقتصادي والتحول لاقتصاد إنتاجي قادر على تحسين مستويات التصدير باستهداف 200 مليار دولار سنوي وكذلك تحسن مستويات العائد من المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وكذلك مضاعفة معدلات السياحة وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر بهدف ضبط القيمة بين الجنيه والدولار حتى يحدث توازن وتوجيه بوصلة الاستثمار الأجنبي إلى مصر بشكل مستدام وحقيقي.
كيف ترى الطروحات الحكومية الجديدة في البورصة؟
من المؤشرات الجيدة دخول القطاع الخاص في المشروعات، بعمالة تتراوح ما بين 22 إلى 23 مليون موظف، بينما يوجد بالحكومة 6 مليون موظف أي إجمالي عدد الموجودين في سوق العمل في مصر ما يقرب من 30 مليون موظف، والقطاع الخاص له القدرة على التعيين والتدريب لموظفين أكفاء والإنتاج والتصدير، ويجب الإفساح للمشاركة للقطاع الخاص بأريحية وعدالة وطرح الشركات الكبرى تحت ولاية الحكومة في البورصة المصرية وتحديدا الشركات الكبرى التي لم يستطع القطاع الخاص على تأسيسها مثل شركات المحاجر والأسمدة وغيرها، هذا يسمح بزيادة في فتح آفاق جديدة من التوسع في المشروعات وتقديم أفكار جديدة وإدخال المنظومة العلمية في الإدارة الاستثمارية، وهي مرحلة هامة نحتاجها وتأتي بعد 8 سنوات من العمل لتحسين البنية التحتية والمشروعات القومية التي مرت بالعديد من التدشين ومن إنشاء مصانع أسمدة وأسمنت هو ما أعاد للدولة هيكلتها.
تحركات الحكومة بمبادرة «أبدأ» والرخصة الذهبية والحوار الوطني.. هل كافية لتشجيع الاستثمار؟
تعتبر مبادرة «أبدأ» جيدة جدًا لتطوير الصناعة ودخول المنتج وإحلال الواردات، وتشجيع الصناع لتوسيع استثماراتهم ودخول خطوط إنتاج جديدة، فهي جزء من منظومة تعمل على تطوير أداء الصناعة وهي محور من محاور دعم الصناعة، ولكن نحن بحاجة إلى أكثر من محور، نفس الأمر يسري على الرخصة الذهبية، فمصر بحاجة إلى أن تكون مليئة بالرخص الذهبية لأنها «باكورة» وبشائر للقضاء على البيروقراطية والروتين وتسريع الإجراءات، وخاصة لكبار المستثمرين والتي ستنتقل إلى طبقات وفئات أقل في المستقبل، وبالرغم من طرح مبادرة «أبدأ» ووثيقة ملكية الدولة وقانون الاستثمار والمجلس الأعلى للاستثمار والحوار الوطني والرخصة الذهبية إلا أنها أدوات للتعرف على المشكلات عن قرب وبمنتهى الدقة وسواء من المواطن أو المستثمر أو الموظف، ولكن الأمر لا يجب أن يقف على معرفة المشكلة بل علينا حلها بشكل عاجل وغير قابل للعودة، ويمكن لكل مستثمر أو طرف أو مواطن في المعادلة تقديم المقترحات من خلال الموقع الإلكتروني للحوار الوطني، حيث عمليات التطوير والتحسين ليس لها كفاية أو نهاية لاستدامة الأعمال.
هناك انتقادات بشأن الضرائب والرسوم باعتبارها من معوقات للاستثمار والصناعة.. ما رأيك؟
الضرائب مرتبطة بشقين أساسيين أولهما أي خدمة تقدم يجب أن يكون لها مقابل مادي مدفوع، والقاعدة الأساسية في الدولة أنه لا يوجد خدمات مجانية، لذلك يجب أن يخضع الاقتصاد كله للضرائب؛ وهذا هو الاقتصاد الرسمي لأنها تعود على المجتمع سواء في الطرق أو المستشفيات أو المدارس أو المطارات أو الموانئ، أو الكهرباء أو الطاقة، حيث الدولة لا يمكنها تقديم هذه الخدمات إلا بتحصيل الضرائب والرسوم وهو ما يحقق العدالة الاجتماعية، والشق الثاني، هو تحفظات المستثمرين والصناع حول بعض القرارات الوزارية التي تحمل أعباء ضريبة ومصاريف إدارية وتحتاج إلى المزيد من الدراسة والتعاون مع الممولين وصغار الممولين للوصول إلى الفصل بأحقية هذه الرسوم، ومدى أهميتها أو إزدواجها بحيث لا تؤثر على الاستثمار والصناعة.
تعاني السودان حاليًا من صراع داخلى.. كيف يؤثر ذلك على مصر؟
ما يحدث في السودان أمر ليس سهل أو يسير بالنسبة للاقتصاد المصري فهو له تأثير مزدوج سواء على الصادرات أو الواردات، حيث وصل حجم التبادل بين البلدين إلى 1.2 مليار دولار، وهذا الصراع سيؤثر بلا شك على هذه التبادل فمصر تصدر سلعا للسودان بقيمة 980 مليون دولار وتستورد بـ300 مليون دولار، وهو ما يتسبب في خلل الميزان التجاري الفترة المقبلة بين البلدين، وخاصة في توفير العملة الدولارية وتوفير بعض السلع الأساسية مثل اللحوم والسمسم الأبيض والأحمر من السودان، بينما من مصر الأدوية والملابس الجاهزة والأسمدة البويات والمواد الكميائية، ولكن الحرب السودانية لن تؤثر على مصر فحسب بل ستؤثر على جميع الدول المجاورة في إفريقيا.
كيف أثرت الحرب السودانية على أسعار السلع في مصر؟
بالطبع سيكون الانعكاس طبيعيا بالارتفاع في الأسعار، لأن السوق في مصر يسير بمبدأ العرض والطلب، والفترة المقبلة ستشهد انخفاضا في المعروض من اللحوم والسمسم وعليه سترتفع الأسعار، هو ما يمثل ضغوطا في توفير وجودها وخاصة مع ندرة المعروض من العملة الدولارية، وهناك ارتفاعات في أسعار منتجات اللحوم شهدها الأسبوع الأول من شهر رمضان قبل اندلاع الحرب وهناك تأثير أيضا على الصادرات المصرية من الأدوية والمستلزمات الطبية من المصانع المصرية للأسواق السودانية.
هل هناك بدائل أمام مصر بعد الصراع في السودان؟
يجب دائمًا النظر إلى الأزمات وتحويلها إلى نجاح، فأزمة السودان تجعلنا نبحث عن شراكة بين القطاع الخاص والحكومة لاستكمال التوجه المصري الفاعل لدول حوض النيل والدول الإفريقية ويمكن التوجه أيضا للعمل على توفير الجهود لإقامة بعض مجازر اللحوم العصرية في عدد من الدول الإفريقية مثل زيمبابوي وزامبيا ورواندا وإنشاء المزارع المشتركة للإنتاج الحيواني بغرض الاستثمار وتوفير السلع الأساسية، بالإضافة إلى عقد اجتماعات مكثفة لمعرفة كيفية توزيع التجارة بين مصر والسودان وتحديدا الصادرات المصرية للسودان «والمقدرة بمليار دولار» على باقي الدول الإفريقية المجاورة في خطة للقطاع الخاص مدعومة من الحكومة وتغطية جميع الجوانب الخاصة بهذه المشكلة، والوصول لحلول عاجلة لتقليل حجم الخسائر.
ما المدة التى ستحتاجها مصر لتخطى الآثار الاقتصادية السلبية للأزمة السوادنية؟
الحديث عن تخطي الأزمة، مرتبط باتجاهات الصراع ومدته وزمنه وآلياته وبمتى سينتهي الصراع في السودان، وربما نشعر بعد دخول المجتمع العربي والوساطة الدبلوماسية وبعد تدخل السعودية والاتفاق مع جدة بوقف إطلاق النيران وإمكانية تنفيذها يمكن أن يستغرق الأمر بين سنتين أو 3 سنوات؛ لاستقرار السودان ثم لإعادة الإعمار في السودان وعودة استخدام وتوظيف الثروات السودانية لصالح السودانين مرة أخرى.
أخيرًا.. بما تنصح المواطن لعبور الأزمات التي يمر بها الاقتصاد المصري؟
المواطن المصري كان وسيظل بطل العبور العظيم والمعجز وقت الأزمات، وهو ما دعم الاستقرار السياسي، فهو يتحمل فاتورة قاسية في الإصلاح الاقتصادي خلال الـ9 سنوات الماضية والتي لم تكتمل حتى الآن نظرًا للتحديات العالمية، وعليه أنصح كل رب وربة أسرة بثقافة التدبير المنزلي وتغيير النمط الاستهلاكي والبعد عن الإسراف في فواتير الأفراح والمناسبات العامة والأسرية وحفلات الزواج والمصايف والفسح وعدم شراء غير السلع الأساسية بالسعر الأنسب والتخلي عن العديد من السلع التي يغلى فيها بعض التجار الجشعين، وعلينا العودة إلى الأم والأخت والزوجة في أيام حرب 73، 67 والتي صنعت قادة وأبطال لم يملكوا واحد على عشرين من دخل هذه الأيام، والظروف الحالية تصنع حالة تجعلنا نستيقظ وألا نسير في سياسية القطيع ويجب تحكيم العقل والثقة في القيادة السياسية.