انقلاب النيجر.. فرص استخدام القوة العسكرية لإعادة بازوم؟
منذ الوهلة الأولى للانقلاب العسكري في النيجر، هددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إكواس»، التي تتكون من 15 دولة أفريقية هي، النيجر، نيجيريا، مالي، بوركينا فاسو، السنغال، غانا، ساحل العاج، توغو، غامبيا، غينيا، غينيا بيساو، ليبيريا، سيراليون، بنين، الرأس الأخضر. باستخدام القوة العسكرية لإعادة الديمقراطية والنظام الدستوري في النيجر، محددة يوم الأحد الماضي كيوم أخير لتنفيذ تهديدها.
وبعد رفض الانقلابيين في النيجر الاستجابة، قررت المجموعة عقد اجتماع يوم الخميس القادم لدراسة التطورات، مع بقاء الخيار العسكري مطروحاعلى الطاولة.
فهل تنفذ «الإيكواس»، تهديدها وتستخدم القوة العسكرية لإعادة النظام الدستوري في النيجر؟.
يرى الكثير من المراقبين أن الخيار العسكري لن يكون سهلًا على الإطلاق في حال اتخذ، خصوصًا أن المجلس العسكري في النيجر أثبت من خلال جمع أكثر من 30000 شخص في نيامي، أنه قادر على تعبئة قسم من السكان، وبالتالي فإن أي تدخل يخاطر بالتسبب في حمام دم لن يقبله الغربيون.
الولايات المتحدة دانت الانقلاب وأوقفت مساعداتها مهددة بإجراءات عقابية أخرى، إلا أنها أكدت على لسان وزير خارجيتها تمسكها بالحل الدبلوماسي، مستبعدة بذلك بطريقة غير مباشرة أي لجوء للقوة.
قالت كل من مالي وبوركينا فاسو إن التدخل العسكري في النيجر سيُنظر إليه باعتباره "إعلان حرب" وإنهم سيذهبون للدفاع عن رفاقهم قادة الانقلاب.
وأعربت حكومتا البلدين أيضا في بيان، عن تضامنهما مع الشعب النيجري، وأدانتا فرض عقوبات من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على نيامي، معتبرتين أن مثل هذه الإجراءات "لا تؤدي إلا إلى تفاقم معاناة الشعب وتهديد روح وحدة الانتماء الإفريقي".
وكان وفدا مالي وبوركينا فاسو، اللذان زارا نيامي، أعلنا عدم القبول بأي تدخل عسكري أجنبي في الشؤون الداخلية للنيجر
وكما حذرتا من أنهما ستعتبران أي تدخل عسكري بمثابة إعلان حرب ضدهما.
وبالتالي فإن الأمر يهدد بالتدحرج ككرة الثلج ليصبح حربًا إقليمية واسعة النطاق، خاصة إذا كان سكان النيجر يرفضون التدخل الأجنبي. وعلى الرغم من ذلك فإنه من المستحيل معرفة كيف ستكون ردة فعلهم.
على صعيد آخر فإن الجزائر، وهو البلد العربي الذي يملك حدودا طويلة مع النيجر، تصل إلى حوالي ألف كيلومتر، أبدى معارضة لأي تدخل عسكري لتغيير الأوضاع في النيجر، وأكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، على تحفظ بلاده على "الخيار العسكري لحل أزمة النيجر"، مشيرًا إلى أن الجزائر "أعلنت معارضتها للانقلاب العسكري ودعت إلى عودة الشرعية الدستورية".
وقال تبون في تصريحات صحفية: "نحن مع الشرعية الدستورية في النيجر، والجزائر لن تستعمل القوة مع جيرانها"، مضيفًا أن بلاده تدعو إلى حلّ المشاكل من طريق الدبلوماسية.
كما تُعتبر النيجر من الناحية الجغرافية أكبر دولة في غرب إفريقيا، بينما تعتبر غامبيا قطعة صغيرة من الأرض محاطة بالسنغال والمحيط الأطلسي، وبالتالي فإن إرسال القوات إليها سيكون احتمالًا مختلفًا تمامًا.
ووفقا لمراقبين، فإن مُضي مجموعة (إيكواس)،، في تنفيذ تهديدها بعمل عسّكري، يعيد الرئيس النيجري المخّلوع محمد بازوم للسُلطة، بات صعبًا الآن، خاصة في ظل الرفّض الأخير، من قِبَل مجلس الشيوخ النيجيري، بإعطاء رئيس البلاد أحمد تينوبو، تفويضا للمُشاركة في هذا التدخُّل.
وتُعد نيجيريا القوة الأكّبر ضمن مجموعة (إيكواس)، كما أنها تترأس حاليا مؤتمر رؤساء المجموعة، ويعتبر مراقبون أنَّ أيَّ تدخل عسكري من قبل المجموعة في النيجر، سيعتمد بشكل أساسي على نيجيريا، التي يتألف جيشها من 223 ألف فرد، فضلا عن امتلاكه طائراتٍ ومقاتلات حديثة. ويقول خبراء: إن أهمية نيجيريا، لا تعود فقط إلى قدراتها العسكرية فقط، بل لأن لها حدودًا بطول 1600 كيلومتر مع النيجر أيضا.
وتواجه نيجيريا، التي تقود التوجه لإعادة الرئيس بازوم إلى الحكم، العديد من التحديات الأمنية في الداخل، وبالتالي فإن إرسال جزء كبير من الجيش إلى النيجر سيكون بمثابة مقامرة.
ويرى مراقبون أنَّ الأمرَ لن يكون سهلا بالنسبة لمجموعة (الإيكواس )، التي تواجه مشكلةً، في احتواء حالة التراجع الديمقراطي، في منطقة غرب إفريقيا، في ظل توالي سلسلة من الانقلابات، التي شهدتها المنّطقة على مدار العقد الماضي، بعد فترة تراجعٍ للظاهرة، كانت واضحة في مطلع الألفية، وكانت المجموعة قد تعهدت، بعدم التسامح مع أي انقلاب جديد، بعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها ثلاث دول من دول المجموعة، هي مالي وبوركينا فاسو، وغينيا خلال العامين الماضيين.
وكانت (إيكواس) قد استخدمت القوة العسكرية في السابق، لإعادة النظام الدستوري في جامبيا عام 2017، عندما رفض الرئيس يحيى جامع التنحّي، بعد خسارته في الانتخابات، لكن مراقبين يعتبرون أن تدخلا مشابها في النيجر سيكون أصعب بكثير، إذ أن مساحة النيجر تعد أكبر من مساحة جامبيا، وهو ما يجعل حسابات إرسال قوات عسكرية إليها، محفوفة بمخاطر أكبر.
يقول الخبراء والمحللون، أن السيناريوهات المحتملة، تتمثل في ثلاثة، أوَّلها تمديد المُهلة، وثانيها الاتِّفاق على جدول زمنّي لانتقال السلطة، ثم ثالثها وآخرها وهو التدخل العسكري.
ويضيف الخبراء، إن خيار تمديد المُهلة، قيد ينطوي على مجازفة، بأن يُنظر إليه باعتباره تنازلًا، لكن قادة الدول قد يحافظون على ماء وجوههم، من خلال القول، بأن الجهود الدبلوماسية حقَقَت بعض التقدم، وإنهم يرغبون بإعطاء المجلس العسكري المزيد من الوقت.
وفيما يتعلق بالخيار الثاني، وهو الاتِفاق على جدول زمني لانتقال السلطة، يرى الخبراء أنه ومن أجل تهدئة الأمور، وإيجاد حلٍ وسط، فإن المجلس العسكري في النيجر قد يتَّفق مع (الإيكواس)، على جدول زمني للعودة إلى الحكم الديمقراطي.
ويضيف الخبراء، إن الاتِّفاق قد يتضمن إطلاق سراح الرئيس بازوم، إضافة إلى المعتقلين السياسيين الآخرين، من أجل الحفاظ على استمرار المحادثات، وربما لشراء المزيد من الوقت.
أما الخيار الثالث وهو التدخل العسكري فهو يبدو للخبراء، مكلفا وربما متراجعا، وأن قادة دول غرب إفريقيا لم يقولوا بأن القوة ستستخدم قطعًا، إذا لم تتم إعادة الرئيس بازوم إلى الحكم، بل تركوا الأمر مفتوحًا كاحتمال من الاحتمالات.
ورغم أن معّظم مايقوله المراقبون، يصب في اتجاه تراجع احتمالات التدخل العسّكري، في النيجر إلا أن أحدًا ليس بمقدوره الجزم، بالطريق الذي ستسلكه الأحداث خلال الساعات القادمة، في ظل مايقال عن دعم غربي، لفكرة تدخل (إيكواس)، عسكريا، وفي ظل تحول الصراع في إفريقيا، إلى صراع غير مباشر على النفوذ، بين القوى الكبرى، مثل روسيا من جانب وفرنسا والولايات المتحدة من جانب آخر.
ولايمكن إغفال ماقاله، مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في (إيكواس)، عبد الفتاح موسى، الجمعة 4 آب /أغسطس الجاري، من أن قادة الدفاع بدول غرب إفريقيا، وضعوا خطة لتدخُّل عسكري محتمل في النيجر، في حالة عدم تنحي قادة الانقلاب، وأضاف موسى عقب اجتماع إقليمي في أبوجا، أن التكتُّل لن يكشف لمدبري الانقلاب، متى وأين ستكون الضربة، وهو قرار سيتخذه رؤساء الدول.
وقالت نيجيريا وساحل العاج والسنغال وبينين جميعها إنها مستعدة لإرسال قوات إلى النيجر في حال قررت إكواس القيام بذلك.
وتملك نيجيريا وحدها حوالي 135،000 جندي، حسب مؤشر "غلوبال فاير باور"، بينما تملك النيجر حوالي 10،000 جندي لكن ذلك بالتأكيد لا يعني أن الغزو سيكون سهلًا.
ولا شك بأن الحل السلمي هو المفضل بالنسبة لجميع الأطراف لكن إيكواس راغبة بإظهار حزمها حيث أنها فشلت في منع موجة من الانقلابات في المنطقة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
ويقول الخبراء، أن أحد الخيارات المتاحة أمام قادة الإيكواس هو تمديد المهلة.
لكن هذا الخيار فيه مجازفة بأن يُنظر إليه باعتباره تنازلًا، لكن قادة الدول قد يحافظون على ماء وجوههم من خلال القول إن الجهود الدبلوماسية حققت بعض التقدم وإنهم يرغبون بإعطاء المجلس العسكري المزيد من الوقت.
ومن الخيارات المطروحة لحل الأزمة في حال التراجع عن القوة العسكرية، الاتفاق على جدول زمني لانتقال السلطة، من أجل تهدئة الأمور وإيجاد حل وسط، قد يتفق المجلس العسكري وإيكواس على جدول زمني للعودة إلى الحكم الديمقراطي.
وقد يتضمن هذا الاتفاق إطلاق سراح الرئيس بازوم إضافة إلى المعتقلين السياسيين الآخرين، من أجل الحفاظ على استمرار المحادثات وربما لشراء المزيد من الوقت. وهذا كان مطلبًا أساسيًا لأولئك الذين أدانوا الانقلاب في إفريقيا وغيرها.
وحسب مصدر قريب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، أنه لن يتم النظر في التدخل العسكري في هذه المرحلة، وفق ما نقلت فرانس برس
في حين اعتبر مصدر فرنسي مطلع على القضايا العسكرية، أن كل الخيارات مطروحة ومن ضمنها الخيار العسكري والعقوبات.
وأفادت وسائل إعلام فرنسية بأن مجموعة إكواس تخطط لحشد 25 ألف جندي للتدخل المحتمل.