تهريب تحت ستار «مهمة رسمية»..
قصة تورط موظفين بالجهاز المركزى للمحاسبات فى جرائم الهجرة غير الشرعية لأوروبا
رغم نجاح الدولة في مجابهة جريمة الهجرة غير الشرعية خلال السنوات الأخيرة وتجفيف منابعها، إلا أن المجرمين مازالوا يطورون من أساليبهم الإجرامية لتنفيذ مخططاتهم.
السطور التالية تحمل تفاصيل قضية جديدة تكشف أحدث أساليب المتورطين في تهريب راغبي السفر إلى الدول الأوروبية بطرق غير شرعية، ولكن الطامة الكبرى في أوراق القضية تتمثل في تورط عدد من موظفي الجهاز المركزي للمحاسبات في الجريمة.
الهجرة غير الشرعية
بدأت خيوط الجريمة تتجمع، بعدما توصلت تحريات إدارة الهجرة غير الشرعية بقطاع مكافحة جرائم الأموال العامة والجريمة المنظمة، إلى قيام 3 من موظفي الجهاز المركزي للمحاسبات، بتشكيل جماعة إجرامية منظمة تخصصت في نقل وتهريب راغبي الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية عن طريق تزوير جوازات سفر بغرض أداء مهمة رسمية لهم.
وابتكر عدد من موظفي الجهاز المركزي للمحاسبات، حيلة شيطانية جديدة، لإنجاح جريمتهم مقلدين ومستخدمين أختاما ومحررات رسمية، إلا أن يقظة رجال الأمن كانت «حائط سد» لمنع الاستمرار في جريمتهم.
وكشفت التحقيقات، أن المتهم الأول هو صاحب فكرة التشكيل العصابي ونجح في ضم المتهمين الآخرين له، بالتعاون مع متهمين آخرين من خارج الجهاز المركزي.
وتحددت أدوار المتهمين بحيث يقوم العضو الأول باستخراج جوازات السفر الخاصة للقيام بمهمة رسمية من وزارة الخارجية للمهاجرين المهربين، ثابت في هذه الجوازات عملهم بالجهاز المركزي للمحاسبات على خلاف الحقيقة.
راغبي الهجرة
بينما كان يقوم العضوين الثاني والثالث بمقابلة راغبي الهجرة والتحصل منهم على الأوراق والمستندات المطلوبة لاستخراج جوازات السفر واستلام المبالغ المالية مقابل التهريب، بالإضافة إلى مرافقة المهاجرين المهربين أثناء سفرهم إلى الخارج بينما تورط شخصان من خارج الجهاز المركزي للمحاسبات، في جذب راغبي الهجرة.
ودبروا- جميعهم- طرقا لانتقال المهاجرين الذين وصل عددهم لـ200 شخص، حيث قاموا بمساعدتهم في الهجرة غير الشرعية إلى دول إيطاليا والنمسا والأردن مقابل مبالغ مالية تتعدى الـ220 ألف جنيه للمهاجر المهرب، حيث استغل موظفو الجهاز المركزي للمحاسبات، وظيفتهم العمومية في إصدار جوازات سفر خاصة لأداء مهمة رسمية، مثبت بها عمل المهاجرين المهربين بالجهاز المركزى على خلاف الحقيقة.
وبموجب تلك الجوازات المخصصة للمهام الرسمية تمكن المهاجرون من دخول تلك الدول الأوروبية دون الحصول على تأشيرة، وعقب الوصول أتلف المتهمون تلك الجوازات لإخفاء جريمتهم، حتى لا يقعوا في قبضة رجال الأمن.
الجهاز المركزى للمحاسبات
ونجح موظفو الجهاز المركزى للمحاسبات بواسطة الغير في تقليد خاتم الجهة الحكومية التى يعملون بها واستعملوا تلك الأوراق بعدما مهروها، وهي قرارات سفر منسوب صدورها إلى رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وذلك بأن اتفقوا مع شخص مجهول، وأمدوه ببيانات المهاجرين المهربين المطلوب إثباتهم بها على أساس عملهم بالجهاز، وإيفادهم بالخارج منه في مهام رسمية على خلاف الحقيقة فاصطنعها المجهول على غرار المحررات الصحيحة، ووقع عليها بإمضاءات نسبها زورا لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وللمختصين واعتمدها كصورة طبق الأصل، كما زوروا بيان حالة وظيفية منسوب صدورها زورا إلى موظفي الجهاز المركزي للمحاسبات، وقدموا تلك المستندات إلى موظف قسم الجوازات بقطاع المراسم بوزارة الخارجية لاستخراج جوازات سفر لأداء مهمة رسمية مع علمهم بتزويرهم تذكرة مرور باسم غير اسمهم الحقيقي.
الدول الأوروبية
وبضبط موظفي الجهاز المركزي للمحاسبات، وإجراء تحقيق موسع معهم، تبيّن أن دور المتهم الأول الإعلان عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» قدرته على تسهيل سفر راغبي الهجرة إلى الدول الأوروبية مستغلا وظيفته كموظف بالجهاز المركزي للمحاسبات، وقيامه بإعداد خطاب يفيد بصدور قرار منسوب صدوره لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بسفر راغب الهجرة إلى الدول المعلوم لديه وجود أنشطة للجهاز فيها وتحديد الغرض من المأمورية (تفتيش أو مراجعة حسابات أو حضور مؤتمرات أو غيرها) مستغلا آلية العمل بالجهاز التي أتاحت له إجراء جوازات السفر لأداء مهمة رسمية سليمة بموجب صور تلك القرارات.
توقيع رئيس الجهاز
وتمكن المتهم الأول من الحصول على توقيع رئيس الجهاز الصحيح على قصاصة ورقية ووضعها على القرار المزور بمعرفته وتصويره حتى يتمكن من إتمام باقي الإجراءات، وتقديم صورة الخطاب المزور إلى موظفي شئون العاملين لإعداد بيان بالحالة الوظيفية بأسماء راغبي السفر على أساس كونهم موظفين بالجهاز وإرفاق صورة من بطاقة الرقم القومي الخاصة بهم وصورهم الشخصية وإرفاق الأوراق بخطاب قرار السفر المزور وتقديمها إلى شئون العاملين بالجهاز لمهر الأوراق بخاتم شعار الجمهورية ثم يعد خطاب موجها من الجهاز إلى إدارة المرافق بوزارة الخارجية وتزوير توقيع الأمين العام بالجهاز عليه لاستخراج جواز السفر لأداء مهمة رسمية.
مبالغ مالية
وأضافت التحريات، أن دور المتهمين الرابع والخامس من خارج الجهاز، هو التواصل مع راغبي الهجرة غير الشرعية واستقبالهم وإيوائهم عقب وصولهم إلى دولة إيطاليا، وأن دور كل من المتهمين الثاني والثالث وهم موظفي الجهاز المركزي للمحاسبات، هو مرافقة المهاجرين المهربين إلى الدول الأوروبية باستخدام جوازات السفر التي أعدت بغرض أداء مهمة رسمية التي استخرجها لهم واستلام الجوازات من المهاجرين المهربين عقب الوصول إلى دولة المقصد والتأكد من التخلص منها لضمان عدم وقوعها بيد السلطات وافتضاح أمرهم وتحصلوا على مبالغ مالية من المهاجرين تتراوح بين الـ200 والـ300 ألف جنيه.
تحقيقات النيابة العامة
وكشفت تحقيقات النيابة العامة، من خلال الاستعلام من الجهاز المركزي للمحاسبات، أن المهاجرين المهربين الوارد أسماؤهم في التحقيقات، لم يكونوا من العاملين بالجهاز ولم يُسند لهم ثمة مهام رسمية في الخارج، فضلًا عن عدم توقيع مسؤولي الجهاز على أي استمارات بشأن استخراج جوازات سفر خاصة لهؤلاء المهاجرين المهربين.
جوازات السفر
كما تبيّن أن المتهم الأول كان يعمل بالعلاقات العامة للجهاز المركزي للمحاسبات، ومن صميم عمله اطلاعه على الإجراءات الخاصة باستصدار جوازات السفر لمهمة رسمية، والخاصة بالعاملين بالجهاز والموفدين في مهام عمل بالخارج، وأن المتهم الثاني كان يعمل أيضا بالجهاز المركزي للمحاسبات، والثالث يعمل بجمعية التيسير للحج والعمرة التابعة للجهاز المركزي للمحاسبات.
وزارة الخارجية
وبسؤال الموظف المختص بقسم الجوازات بقطاع المراسم بوزارة الخارجية، قرر أن جوازات السفر لمهمة رسمية تصدر فقط للعاملين بالجهات الحكومية عند سفرهم في مهام رسمية بعد أن يتم التأكد من وجود قرار بالموافقة على السفر من رئاسة جهاتهم.
وأضاف أن في تلك الواقعة صدرت جوازات سفر بعد ورود قرارات سفر منسوبة لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بالإضافة إلى خطاب من جهة العمل مرفق به صورة البطاقة التي تفيد عمل المهاجر المهرب بالجهاز المركزي للمحاسبات، بالإضافة إلى استمارة إصدار جواز السفر موقعة وممهورة من جهة العمل.
وقدم الموظف استمارات من أرشيف قطاع المراسم بوزارة الخارجية لأشخاص نسب عملهم بالجهاز المركزي للمحاسبات على خلاف الحقيقة، وتبيّن أن مرفقات هذه الاستمارات مزورة ومنسوب صدورها لرئيس الجهاز والعاملين فيها على خلاف الحقيقة.
اعترافات المهاجرين
وباستدعاء المهاجرين بعد عودتهم إلى البلاد مرة أخرى، قرروا بأنه تم استقطابهم من قبل المتهمين الرابع والخامس وآخرين مجهولين، وهم الذين دبروا لقائهم بالمتهمين الذين يعملون بالجهاز المركزي، ثم مكنوهم من السفر إلى الخارج، من خلال جوازات السفر الصادرة من وزارة الخارجية.
مدينة ميلانو
وكشفت التحقيقات، وجود محادثات بين المهاجرين والمتهمين متعلقة بارتكاب الواقعة، وأنه تم الحجز في فنادق بمدينة ميلانو لكل المهاجرين.