الدكتور محمد حمزة يكتب: كيف تم التعدي على حرم سور مجري العيون؟
بداية نحن مع مشروعات التنمية السياحة المستدامة ومع التنمية الحضرية للقاهرة التاريخية ضمن منظومة المشروعات القومية التي تتبناها القيادة السياسية في الجمهورية الجديدة التي أرسى دعائمها ووضع أساسها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ ولكن ليس على حساب قوتنا الناعمة من الآثار والتراث وبخاصة في المناطق التاريخية والتراثية؛ وهو مايمثل في هذه الحالة مخالفة للدستور والقانون وتوجيهات السيد الرئيس نفسه الذي انتصر للمواقع الأثرية والتراثية بضرورة الجمع بين الأصالة والمعاصرة أو التراث والعصرنة في مناسبات عديدة وتوجيهات كثيرة.
غير ان مايعنينا في هذا المقام هو مشروع تطوير سور مجري العيون بمصر القديمة؛ وهو بالفعل من المشروعات القومية المهمة التي سوف تعيد للمنطقة هويتها الحضارية المتميزة كأصل للقاهرة التاريخية ونقطة الانطلاق الأولى للعاصمة الكبري التي عدت من أهم عواصم العالم في العصور الوسطى والحديثة بل والمعاصرة.
وهذا المجرى مسجل في عداد الآثار وفق القرار الوزاري رقم10357 لسنة1951م ويحمل رقَم78 (مرفق) وقد وافقت اللجنة الدائمة على تحديد حرم له من الجهة الجنوبية مقداره30م في4/4 /2010م ووافق مجلس الإدارة في19 /5 /2010م؛ كما تم اعتماد خطوط التجميل في مجلس الإدارة وكنت عضوا فيه وقتئذ وصدر القرار الوزاري رقم 38لسنة2012 م(مرفق).
وبعد إسناد مشروع التطوير لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بعد توقيع بروتوكول مع الوزارة؛ قام السيد رئيس الجهاز بمخاطبة السيد الدكتور الأمين العام للموافقة على تنفيذ 4بنود لم يرد فيها أدنى إشارة لبند اسمه إنشاء مسرح مكشوف بالحرم؛ ويحسب لرئيس الجهاز إنه تعهد في خطابه بإتخاذالإجراءات اللازمة للحفاظ على سلامة السور؛ وأضاف بأن أعمال البنود الأربعة المطلوب تنفيذها سوف تمثل قيمة مضافة جمالية للحرم وللسور( مرفق)؛ وقام السيد الأمين العام بتحويل الخطاب للعرض على اللجنة الدائمة (وهذا إجراء قانوني يحسب للأمين العام) وتمت موافقة اللجنة بالفعل على تنفيذ البنود
الاربعة في20 /6 /2022م لكون المشروع من المشروعات القومية وطبقا لقرار المعاينة في15 /6 /2022م على ان تكون الأعمال تحت إشراف المنطقة الأثرية وقطاع المشروعات؛ وبما لا يؤثر على السلاة الإنشائية أو بانوراما الاثر وينفذ ذلك على نفقة مقدم الطلب مع إعتبار أعمال الحفر التي ستتم هي الجسات المطلوب تنفيذها؛ وفي حالة وجود شواهد أثرية مكتشفة يتم
اخطار الجهة المختصة؛ وقام المشرف العام على اللجان الدائمة وشئون البعثات بارسال قرار اللجنة إلى السيد رئيس القطاع(مرفق) وعلى ذلك فقرار اللجنة الأول سليم قانونا طبقا لاختصاصات اللجنة ولم ترد فيه أدنى إشارة لوجود مسرح مكشوف بالحرم ضمن البنود الأربعة التي تمت الموافقة عليها.
ورغم وضوح القرار تمت مخالفته ومخالفة القانون من قبل إحدى الشركات المنفذة لمشروع التطوير وذلك بقيامها بصب خرسانة مسلحة على مساحة 20م بل أكثر قليلا من حرم السور الأثري المحدد له حرما 30م من الناحية الجنوبية ولم يتبق من مساحة الحرم سوي9م و23سم امام جسم السور الأثري وتتقدمه من هذه الجهة؛ وذلك لانشاء مسرح مكشوف على ثلثي الحرم الأثري مما يعد انتهاكا صريحا ومباشرا لقانون الآثار 117لسنة1983م وتعديلاته2010م ولقرار اللجنة في20 /6 /2022م المشاراليه(مرفق) وهو ماكان يستوجب ازالته على الفور ومحاسبة الشركة المنفذة لانتهاكها القانون ومخالفتها لقرار اللجنة الدائمة؛ لا سيما بعد أن قام السيد مدير المنطقة الأثرية بالاعتراض على ذلك؛ وكتابة محاضر تعدي طبقا لما كفله له القانون (المواد73_ 85) ولكن فوجئنا من خلال السوشيال ميديا بنقل هذا الموظف المصري الوطني الاصيل الذي حاول وقام بتنفيذ القانون وقرار اللجنة الدائمة إلى جهة أخرى بالقطاع؛ وقد اكتشفنا ذلك من خلال خطاب السيد الدكتور رئيس القطاع إلى السيد المهندس رئيس الجهاز في18 /6 /2023م يفيده باستمرار العمل في تنفيذ المشروع بما في ذلك انشاء المسرح المكشوف لموافقة اللجنة الدائمة على ذلك بجلستها في29 /6 /2022م (مرفق) ؛ وقبل ان نناقش حقيقة وجود جلسة للجنة الدائمة في التاريخ المذكور من عدمه لا بد من الإشارة أولا إلى ماورد في صدر هذا الخطاب من ان المنطقة الأثرية قد قامت بإيقاف الأعمال الجارية وحررت محضرا في السيد المهندس نائب رئيس الجهاز وهذا هو الحق الذي كفله لها القانون المواد 73_ 85 كما سبق القول ( وهذا هو ما ثبت لنا بالفعل من وجود َ محضر تعدي بقسم شرطة مصر القديمة في16/ 6 /2023م تحت رقم 5273 إداري مصر القديمة؛ مما يدل على أن قرار النقل أو إنهاء التكليف لمدير المنطقة الرافض والمعترض على هذه المخالفة والمنفذ للقانون قد صدر بعد يومين من المحضر اي في18 / 6 /2023م)
هذا عن صدر الخطاب ؛ اما عن الخطاب نفسه وفحواه فهو فارغ في مضمونه فلم تكن هناك لجنة دائمة في هذا التاريخ وهو29 / 6 /2022م اصلا؛ فاللجنة عقدت بالفعل قبل هذا التاريخ الوارد في خطاب السيد رئيس القطاع ب9ايام اي في20 /6 / 2022 م وفيها تمت الموافقة على تنفيذ البنود الأربعة وليس من بينها انشاء المسرح المكشوف كما سبق القول (مرفق) وبالتالي كيف يجرؤ رئيس القطاع على إرسال هذا الخطاب الذي نعتبره مزورا لعدم وجود لجنة دائمة في التاريخ المذكور
؛؛؛ وهل تورط في ذلك وتم الضغط عليه؛؛ وكيف نفسر ذلك؛؛ ولمصلحة من؛؛؛ ولماذا لم تتم إقالته فورا وفي الحال؛
ومما يؤكد ذلك ويعززه دليل مادي لاحق؛ لايكذب ولايتجمل وهو خطاب المشرف العام على اللجان الدائمة وشئون البعثات إلى السيد رئيس القطاع في 17 /7 / 2023م ( اي بعد أقل من شهر على خطاب السيد رئيس القطاع إلى السيد المهندس رئيس الجهاز في 18 / 6 / 2023 م ) (مرفق).
وفي هذا الخطاب المرسل في 17 / 7 / 2023 م تمت الإشارة إلى أن الطلب المقدم من الجهاز إلى المجلس الأعلى للآثار في 20 / 6 / 2022 م لم يرد فيه
صراحة وكتابة ضمن البنود الأربعة المطلوب الموافقة على تنفيذها مايفيد انشاء مسرح مكشوف؛ كما أن قرار اللجنة الدائمة في 20 /6 / 2022 م بالموافقة على تنفيذ البنود الأربعة لم ير د فيه أيضا انشاء مسرح مكشوف؛ ومن ثم كيف تكون هناك لجنة دائمة في 29 / 6 كما ورد في خطاب السيد رئيس القطاع اي بعد 9ايام فقط من إنعقاد اللجنة الأولى الأصلية؛؛ وكيف يجرؤ على إضافة المسرح المكشوف في خطابه على لجنة وهمية لم تعقد اصلا؛؛؛ وبالتالي نحن أمام خطاب لاسند له ولا نملك سوي نصفه بالزور لإنه لم ترد الاشاره إلى محتواه في جميع الأوراق الرسمية الثبوتية المتعلقة بسور مجري العيون وتطويره؛
ومن الواضح أن الغرض من هذا الخطاب هو قرينة من الشخص المسؤول لتبرير الاستمرار من قبل الجهاز (حتى ولو لم يكن هناك موافقة رسمية حتى ذلك الوقت) في تنفيذ المشروع واستكمال تنفيذ المسرح المكشوف من قبل الجهاز وهو البند المخالف للقانون ولقرار اللجنة الدائمة؛؛ ويبدو ان الانتهاء من انشاء المسرح المكشوف قد أصبح أمرا واقعا؛ وبالتالي لا بد من وجود مسوغ قانوني لهذه المخالفة وتدارك ذلك الخطأ ومعالجة الموقف ومن ثم جاءت موافقة اللجنة الدا ئمة على ذلك بتاريخ 13 / 7 / 2023 م (مرفق).
و من الواضح أن ماحدث يكشف عن اهمال وتقصير ومخالفة للقانون الذي أكد على حماية بيئة الأثر والمحافظة على بانوراما المنطقة الأثرية؛ والمحافظة على مظهرها العام وخصائصها الفنية؛ بما لايفسد مظهر المنطقة الأثرية؛ وبما يكفل إقامة المبنى على وجه ملائم لايطغي على الأثر؛ ويضمن له حرما مناسبا ( وفي حالة سور مجري العيون تم التعدي على ثلثي مساحة الحرم كما سبق القول) ؛ واين حقوق الارتفاق المترتبة للمجلس وفقا للقانون؛؛؛ ولماذا لم يتم الاعتراض من قبل القطاع والمنطقة الاثرية على ارتفاعات المباني ووفقا للصورة المرفقة الارتفاعات أكثر من ارتفاع سور المجرى فكيف حدث ذلك وهو مخالف للقانون أيضا فهل يعقل ان نبني بجوار الهرم الأكبر البالغ ارتفاعه حاليا138م ناطحات سحاب من خمسين طابق مثلا اي ما يعادل150م على الاقل؛؛؛ وبالتالي كان لا بد من مراعاة المحيط الأثري والتاريخي والمواصفات التي تضمن حماية الأثر وبيئته وحرمه وخطوط تجميله المعتمده وفقا للقانون؛؛؛
ومن جهة أخرى لماذا يتم نقل أو تحويل الموظفين الذين يقومون بأداء واجبهم الوطني والوظيفي وفقا للقانون لأنهم رفضوا عدم تطبيق القانون؛؛؛ والواجب بل والعدالة تقتضي منح هولاء الموظفين المحترمين المحبين لوطنهم وقوانينه وسام الشرف ليكونوا قدوة لغيرهم لنشأة أجيال وطنية مخلصة تحافظ على تاريخ وطنها وأثاره وتراثه؛؛؛ و الجمهورية الجديدة بحاجة في كل مؤسساتها إلى أمثال هؤلاء الوطنيين المخلصين وليست بحاجة إلى بصمجية ومظبطية ومحللين يتشدقوا بالوطنية لتحقيق مأربهم مصالحهم الشخصية والوطنية منهم براء لان الوطنية ليست شعارات بل أفعال وتضحيات.
وبعد فإننا نطالب بتحويل كل من تسبب في مخالفة القانون من المجلس الأعلى وقطاع الآثار الإسلامية والمنطقة الأثرية للتحقيق الفوري لاكتشاف الحقيقة واظهارها للرأي العام حتى لايتكرر ذلك مستقبلا.
و
على الأمانة العامة للمجلس الأعلى للآثار وقطاعات الآثار بها واللجان الدائمة ان تتمسك بتطبيق القانون ولائحته التنفيذية بكل مفردات الموقع الأثري والمنطقة الأثرية طبقا للتعريفات الواردةلها في المادة الثانية من القانون؛ وفي الفصل التمهيدي من لائحته التنفيذية؛ حماية و
حفاظا على تاريخنا وتراثنا وأثارنا وصونالها لأنها مصدر قوتنا الناعمة وناتجنا القومي ؛ ومن لم يستطع فعليه فورا ان يستقيل من منصبه من تلقاء نفسه قبل أن يقال؛ وقبل ان يناله القيل والقال على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بل وبين العاملين في الوزارة نفسها فيما بينهم كماهو حادث الأن.
حفظ الله مصر أرضا وشعبا وهويةوقيادة وجيشا وشرطة وحكومة رشيدة وقوة ناعمة وعلماءا وخبراءاوتاريخا وأثارا وحضارة وثقافة وتراثا إلى أن يشاء الله وحتى يرث الأرض ومن عليها اللهم أمين يارب العالمين.
بقلم:
الدكتور محمد حمزة أستاذ الحضارة الإسلامية وعميد آثار القاهرة سابقا